حرية – (21/3/2023)
تحت أشجار النخيل الفارهة في بستان أخضر يقع شمال بغداد، يسير شبان وشابات على مهل بأكتاف مرفوعة مثل عارضي الأزياء في العروض العالمية، يستعرضون ملابس كلاسيكية أنيقة تشبه أزياء هوليوود في السبعينات… لكنها ملابس مستعملة من “البالة”.
وقد جرى تنظيم ذلك العرض للفت الانتباه الى آثار التغير المناخي في العراق، وليعكس أيضاً اهتماماً متصاعداً بالملابس المستعملة في أوساط الشبابن حيث أن تلك الظاهرة منتشرة أصلاً في الغرب والعديد من الدول العربية.
وفي هذا الصدد، يقول منظم العرض، محمد قاسم، وهو مصفف شعر يبلغ من العمر 25 عاماً: “لا نريد الإكثار من تصنيع الملابس، يجب إعادة تدويرها”.
وعلى مقربة من المكان، رعاة أغنام صغار مع حيواناتهم يتأملون العارضين الذين غالبيتهم طلاب جامعيون غير محترفين يمشون على أنغام الموسيقى على مدرج صغير في بستان في قرية الحسينية شمال بغداد.
واللون الغالب على الثياب هو الأخضر، ويقول المنظمون إن هدف العرض التوعية والحضّ على التشجير لمكافحة التصحر المتصاعد، وذلك في بلد اعتاد الحروب والنزاعات وعدم الاستقرار السياسي، ويعيش الآن هدوءاً نسبياً مع محاولة الانفتاح على العالم.
وتسمح الثياب المستعملة لهؤلاء الهواة بأن يرسموا هوية خاصة بهم بأسعار مقبولة، بعيداً عن العلامات التجارية العالمية التي أصبح لها وجود خجول في بغداد.
ويضيف قاسم لفرانس برس: “عرض الأزياء ليس للتركيز على الأزياء فقط، وإنما التركيز على البساتين المهملة التي تقطع. فالنخيل يختفي كل يوم وهذا يزيد من تلوث البيئة”.
“تميز وأناقة”
مرتدياً سترة وردية، وبتسريحة أنيقة وشاربين محددين كما تسريحات الممثلين في أفلام الأبيض والأسود المصرية القديمة، وقف محمد وسط البستان موجهاً فريقه من العارضين بشأن الطريقة الصحيحة التي عليهم السير بها لالتقاط صور تبرز ملابسهم.
والبيئة ليست الدافع الوحيد أمام رواج الملابس المستعملة في أوساط الشباب في الآونة الأخيرة، إذ يقول منسّق ملابس عرض الأزياء، أحمد ثامر طاهر ،البالغ من العمر 22 عاماً والذي ارتدى بزة رمادية أنيقة تشبه ملابس النجم الأميركي، آل باتشينو، في فيلم العراب: “ملابس البالة تكون ذات جودة عالية، تشعر عندما ترتديها وكأنك ترتدي ملابس فخمة غير عادية كتلك الموجودة في المتاجر التجارية”.
وأنشأ أحمد صفحة “مودرن أواتفيت” على تطبيق “إنستغرام”، يتابعها أكثر من 47 ألف شخص، ويبيع من خلالها ملابس مستعملة، وقطعا نادرة، ذات نوعية عالية وعلامات معروفة.
وبالنسبة له، فإن إقبال أبناء جيله على هذه الثياب الكلاسيكية المستعملة يأتي من “الرغبة في التميز”، مردفا: “نريد أن نرتدي أشياء خاصة بنا، لا أن نكون جميعنا نشبه بعضنا البعض”.
وأما صفاء حيدر الطالبة في إدارة الأعمال التي تبلغ من العمر 22 عاماً، فقد كانت بين المشاركين في العرض، مؤكدة أن لديها”اهتمام عام بالموضة”.
وتتابع: “الرسالة هي بدل أن تقطع شجرة، ازرع شجرة في منزلك”.
وتتحدّث الشابة عن “إقبال كبير حالياً” على الملابس المستعملة، تماشياً مع “عروض الأزياء العالمية. يريد الناس أن يكونوا متماشين مع الموضة أكثر”.
“قطع أصلية”
وفي بلد ثلث سكانه يعانون الفقر، فإن سوق يوم الجمعة لبيع الملابس المستعملة ببغداد يكون مكتظاً إلى حدّ كبير.
ويشهد السوق بيع أنواع مختلفة من القمصان، وسراويل الجينز والقماش، ومعاطف وملابس رياضية من ماركات عالمية، وأحذية رياضية، حيث تتراوح الأسعار من دولارين إلى 200 دولار.
ووسط تلال من الثياب المستعملة المكدّسة على بسطات أو داخل متاجر، كان طالب الهندسة،محمد علي، البالغ من العمر 20 عاماً، يبحث مع صديقه عن حذاء.
ويقول الشاب: “الأحذية هنا أفضل، تأتي قطعة واحدة ولا يمكن العثور عليها في السوق. وتبقى في وضع جيد لفترة طويلة”.
ويضيف وسط السوق الشعبي المكتظّ: “أغلب الأصدقاء دائماً يشترون من البالة”.
وفي الماضي، أخبره أهله كيف كانوا “يرتدون السروال بوجهيه حتى يتلف” لعدم قدرتهم على شراء ملابس خلال فترة الحصار على العراق في التسعينات، لكن اليوم “الموضوع ليس أننا لا نستطيع شراء ملابس جديدة” بل أن الشباب يبحثون عن التميز والقطع النادرة.
ويوضح أن هناك “موجة” لشراء الملابس المستعملة، و”ترويجا للموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي. المدونون وصانعو المحتوى يأتون ويصورون مقاطع فيديو في البالة، كما كان هناك عرض أزياء بملابس البالة”.
ويشتري، حسن رفعت، البالغ من العمر 22 عاماً، منذ خمس سنوات ملابسه من البالة، كما يملك هو نفسه متجراً لبيع الثياب المستعملة.
وتستورد البضاعة من أوروبا أحياناً أو تأتي من إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق، وفق رفعت.
ويقول هذا الأخير “ملابس البالة تعد أفضل المتوفر في السوق، لأن أكثرها علامات تجارية معروفة، وعمرها طويل”.
ويختم بالقول: “الشباب كلهم يتجهون نحو البالة، لأن القطع نظيفة وأصلية والسعر مناسب”.