حرية – (22/3/2023)
الفراغ القانوني في إدارة قطاع النفط والغاز يثير الاستغراب ومرفوض في بلد يمتلك رابع أكبر احتياطي في العالم، فراغ مستمر منذ أكثر من عقد ونصف.
ما زال مشروع قانون النفط والغاز في العراق ينتظر التشريع في مجلس النواب بعد مرور 18 عاما على صياغته، إذ تم ترحيله مرات عدة خلال الدورات البرلمانية السابقة، لكنّ الخلافات السياسية حالت دون تمريره.
ويسند مشروع قانون النفط والغاز مسؤولية إدارة الحقول النفطية إلى شركة وطنية للنفط يشرف عليها المجلس الاتحادي للنفط والغاز.
وتنص المادة الخامسة من المشروع على تأسيس المجلس الاتحادي للنفط والغاز يرأسه رئيس مجلس الوزراء أو من يخوّله، ويضم في عضويته وزراء المالية والنفط والتخطيط ومحافظ البنك المركزي وممثل عن إقليم كردستان بدرجة وزير وممثل عن المحافظات غير المنتظمة في إقليم، إلى جانب رئيس شركة النفط الوطنية وشركة تسويق النفط وخبراء مختصين في مجالات النفط والغاز والاقتصاد والمال.
ويأمل الشارع العراقي من خلال تشريع القانون، إيجاد حل جذري حلا جذريا لمشاكل النفط والغاز وتوزيع الثروات في العراق وحسم ملف النفط والغاز بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، التي تمثل إحدى المشاكل العالقة بين الجانبين.
“فراغ قانوني”
يقول الخبير العراقي في قطاع النفط، كوفند شيرواني، إن الحكومتين (اتحادية وإقليم) اتفقتا بعد جولات من المحادثات، على بعض الخطوط العامة من القانون المقترح.
ولكن أبرز العوائق في طريقه، كما يوضح شيرواني، هي “التفسير المتباين في تفسير المواد الدستورية التي تخص النفط وتسويقه وإدارة العائدات، والاختلاف بين العقود النفطية التي تعتمدها كل حكومة مع الشركات الأجنبية”.
ويؤكد أهمية إقراره، مبيناً “وجود فراغ قانوني في إدارة قطاع النفط والغاز مستمر منذ أكثر من عقد ونصف، وهو غريب وغير مقبول في بلد يمتلك رابع أكبر احتياطي في العالم، ويمثل ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الأوبك، كما أن احتياطات الغاز فيه تجعله في المرتبة 11 أو 12 عالمياً”.
ويحذر شيرواني من أن “الإخفاق في تمرير هذا القانون سيؤثر سلبا على الملفات الأخرى العالقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وهي ملفات المالية والبيشمركة والمادة 140″، بينما إقراره سيشكل تأثيراً “إيجابياً”.
“غموض وتناقض”
ويعتبر تشريع قانون النفط والغاز جزءا رئيسا من الاتفاق السياسي الذي أبرمته الأطراف المشاركة في تحالف “إدارة الدولة” المشكل للحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني.
وفي إطار المفاوضات الجارية بين بغداد وأربيل منذ خمسة أشهر لحل المشاكل العالقة بينهما، أُنيطت مهمة حسم النقاط الشائكة في ملف النفط والغاز إلى اللجان التفاوضية المختصة به، التي تشير مصادر حكومية من الجانبين إلى قرب انتهاء عملها، بالتالي عرض قانون النفط والغاز على البرلمان لقراءته ثم التصويت عليه قريباً.
من جهته، يرى الحقوقي هاني البصري “ضرورة تأجيل هذه القوانين لحين إتمام التعديلات الدستورية المقترحة”، معتبراً أن “قانون النفط والغاز أحد القوانين الصعبة”.
ويوضح: “لأن المواد 111 و112 من الدستور التي من المؤمل أن يرتكز عليها تشريع القانون، يشوبها الغموض والتناقض. ففي حين تنص الأولى على أن النفط والغاز ملك لجميع أفراد الشعب العراقي في جميع الأقاليم والمحافظات، تفرق الثانية بين الحقول الحالية واللاحقة، فأعطت حق إدارة الحقول الحالية فقط إدارة مشتركة بين الأقاليم والمحافظات المنتجة وبين الحكومة المركزية. وهذا يعني عدم أحقية الحكومة المركزية بالمشاركة بإدارة كل الحقول التي اكتشفت بعد إقرار الدستور في كل أنحاء العراق”.
حرج كبير
“ويضع ذلك الحكومة المركزية في حرج كبير، فإذا أعطت هذا الحق لإقليم كردستان يتوجب عليها إعطاءه لبقية المحافظات المنتجة، وإن أعطته كردستان دون المحافظات الأخرى يكون القانون مخالفاً للدستور، ومن السهل الطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الاتحادية ثم إلغاؤه”.
وكان ملف النفط والغاز في مقدمة الملفات التي بحثها السوداني مع حكومة كردستان، خلال زيارته إلى أربيل في 14 مارس الحالي.
في السياق، يستبعد الناشط القانوني عمار سرحان، تمرير القانون بسهولة، لأن “تأخير تشريع قانون ينظم إدارة النفط والغاز بعد هذه المدة الطويلة، ترتبت عليها تعاقد إقليم كردستان وجولات تراخيص وبيع نفط الإقليم سنوات طويلة”.
ويقول سرحان: “لا أعتقد أن هذا القانون سينهي مشاكل العراق في مجال النفط والغاز، لأن الدولة ما زالت تتعامل بقوانين مجلس قيادة الثورة المركزية السابق، إلا إذا تحملت الحكومة الاتحادية مسؤوليتها وطبقت الدستور وأعطت حق الإدارة المطلقة للحقول الجديدة بعد كتابة الدستور، للإقليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز، حينها يمكن أن تُحل المشكلة”.
قطاع النفط والغاز.. غياب رؤية اقتصادية
الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، يقول إن ” تمرير مشروع قانون النفط والغاز يحتاج رؤية اقتصادية لا سياسية، تكون نابعة من التطورات الأخيرة على المستوى العالمي”.
ويضيف أن تشريع القانون “سيخفف الكثير من الأزمات وسيمنح السلطات المحلية سلطات أكثر، وإمكانية إقراره من قبل الحكومة الحالية متوقفة على التوافقات السياسية”.