حرية – (23/3/2023)
لا توجد مدينة أخرى في إفريقيا مرتبطة بجسور عالية أكثر من مدينة قسنطينة، التي تعدُّ ثالث أكبر مدينة في الجزائر، فالمدينة التي كانت تسمى في السابق “سيرتا” هي واحدة من أقدم مدن شمال إفريقيا، وتمتاز بحضارتها التاريخية الممتدّة للألفية الثانية قبل الميلاد.
تقع مدينة قسنطينة في مركز الشرق الجزائري على بعد نحو 400 كيلومتر عن العاصمة الجزائر، وتقوم المدينة القديمة على صخرة من الكلس القاسي، ويشقها واد سحيق يعرف بوادي الرمال.
وتتميز قسنطينة بتاريخها الغني الذي بدأ مع التجار الفينيقيين الذين استوطنوا المنطقة، فينسب تأسيس المدينة إليهم، كما أنّها كانت عاصمة لمملكة البربر نوميديا لقرونٍ طويلة، ثم أصبحت في ما بعد مدينة رومانية عظيمة، وذلك في العام الـ46 قبل الميلاد، أمّا في عصرنا الحديث فواصلت المدينة الجزائرية تميّزها بإنجابها عدداً كبيراً من العلماء والمفكرين الإسلاميين من أشهرهم عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية، والمفكر مالك بن نبي والكاتبة الروائية أحلام مستغانمي.
قسنطينة.. المدينة التي أسسها الفينيقيون وأعاد قسطنطين بناءها
تعدّ مدينة قسنطينة أو Constantine بالإنجليزية، إحدى أقدم المدن في شمال إفريقيا، إذ بنيت، حسب ما ذكر العديد من المؤرخين، بين 6 قرون إلى 5 قرون قبل الميلاد على يد التجار الفينيقيين، أعطى الملك النوميدي سيفاكس اسم سيرتا لمدينة قسنطينة، وهو الاسم الذي لازمها للقرون الأولى قبل الميلاد، كما اتخذها الملك النوميدي سيفكس، عاصمة لمملكته التي نشأت في الفترة ما بين 206 و46 قبل الميلاد، وذلك حسب ورقة بحثية بعنوان “سيرتا من خلال النقيشات اللاتينية المحفوظة”.
كما عرفت المدينة الكثير من الصراعات، واجتاحتها القوات الرومانية في أثناء العهد البيزنطي، بعد أن تمرّدت سنة 311 م على السلطة المركزية، وأمر الإمبراطور ماكسيناس بتخريبها، ثم أعيد بناؤها في عهد قسطنطين عام 313 م، الذي أطلق عليها اسمه قسطنطين، قبل أن يحُوّر هذا الاسم باللغة العربية إلى قسنطينة التي تعرف به اليوم.
وخلال العهد العثماني، كانت قسنطينة أحد أهم المراكز الحضارية للجزائر خلال العهد العثماني، فقد كانت عاصمةً لبايلك الشرق الذي يمتد نفوذه حتى تونس، كما أنّ حكمها كان مختصاً بالباي الذي تعيّنه السلطة المركزية في الجزائر العثمانية.
مدينة الجسور المعلّقة
غالباً ما يشار إلى قسنطينة باسم “مدينة الجسور المعلّقة” نظراً للعديد من الجسور الخلابة التي تربط التلال والوديان المختلفة التي بنيت عليها المدينة وحولها، بعضها للسيارات والمركبات والبعض الآخر للمشاة.
ومن أهم الجسور ما يلي:
جسر باب القنطرة: الذي يؤدي باتجاه الشمال، وهو أقدم جسر حجري في قسنطينة، تمّ بناؤه عام 1863 ويحمل علامات الطراز المعماري الروماني والفرنسي، ويبلغ طول الجسر 128 متراً وارتفاعه 125 متراً.
جسر سيدي راشد: تم تصميمه عام 1912 بواسطة بول سيجورن، ويبلغ طوله 447 متراً وهو الأطول في قسنطينة، ويتميّز بإطلالته الرائعة والجميلة على نهر روميل.
جسر الشيطان: وهو جسرٌمخصص للمشاة فقط، تم بناؤه في القرن السابع عشر، خلال حكم الإمبراطورية العثمانية، يرتبط الاسم بالأصوات التي يصدرها النهر أدناه.
جسر الشلالات: يتكون جسر الشلالات من سلسلة من الأقواس على قمة شلال، وقد تم بناؤه عام 1925. ويبلغ ارتفاعه 80 متراً وهو من أجمل الجسور في قسنطينة.
جسر ملاح سليمان: تم بناء جسر ملاح سليمان من قبل المهندس الفرنسي فرديناند أرنودين في عام 1962. يبلغ طوله 125 متراً ويعتقد أنه النسخة الأصغر من جسر سيدي مسيد.
جسر سيدي مسيد: بناه الفرنسيون عام 1912 ويسمى أيضاً “الجسر المعلق”، يقدر ارتفاعه بـ175م وطوله 168، وهو أعلى جسور المدينة.
جسر قسنطينة المعلق: تم تصميم جسر قسنطينة المعلق بالكابل الجديد من قبل شركة Dissing Weitling المعمارية الشهيرة وانتهى في عام 2012. يبلغ طوله 750 متراً وارتفاعه 130 متراً. يتم استخدامه من قبل كل من المشاة والسيارات. في عام 2008، حصل المشروع على جائزة أفضل مشروع معماري دولي.
جسر صالح باي: هو جسر مدعوم بالكوابل يربط الجسر بين ضفتي وادي الرمال، وذلك انطلاقاً من ساحة الأمم المتحدة إلى غاية سطح المنصورة بقلب مدينة الجسور المعلقة، بدأ بناؤه يوم 15 سبتمبر/أيلول 2010 تحت إشراف المجمع البرازيلي أندرادي غوتيرز.
مساجد ومعالم تاريخية
تزخر المدينة بعدة مساجد بديعة، أشهرها مسجد الأمير عبد القادر الذي يعدّ أحد أجمل المساجد، وهو ثاني أكبر مسجد في الجزائر حالياً، إذ يتسع لـ15 ألف مصلٍّ، بني عام 1969.
كما يتواجد بقسنطينة المسجد الكبير، الذي شُيد في عهد الدولة الصنهاجية الحمادية، وهو أقدم مسجد في المدينة، بحيث بني في العام 1136 م على أنقاض معبد روماني، كما يوجد جامع سيدي الأخضر الذي بناه الباي حسن بن الحسين عام 1743.
وعلاوة على المساجد التاريخية يتواجد بالمدينة العديد من المعالم التاريخية، أهمها نصب الأموات، الذي شيدته فرنسا تخليداً لضحاياها خلال الحرب العالمية الأولى، إضافةً لقصر الباي أحمد، التحفة المعمارية التي تزيّن المدينة، وأيضاً ضريح ماسينيسا، وهو برج مربع بني قبل الميلاد، وكذلك الأقواس الرومانية التي تعود إلى الحضارة الرومانية.
ميلاد الشيخ ابن باديس، ومنشأ مالك بن نبي
أنجبت مدينة قسنطينة عدداً كبيراً من العلماء والمفكرين الإسلاميين من أشهرهم عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية، والمفكر مالك بن نبي الذي يعد أحد أبرز أعلام الفكر الإسلامي العربي في القرن العشرين، وإليها تنتمي الكاتبة الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي الحائزة على جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 1998، إضافة إلى الأديبين الطاهر وطار ومالك حداد.