حرية – (28/3/2023)
خلعت إيران أخيراً قناع “المستشارين” الذي حاولت على مدى الأعوام الماضية التلطّي وراءه لتمويه نشاطها العسكري الحقيقي في سوريا، وأعلنت للمرة الأولى وجود قواعد عسكرية لها فوق الأراضي السورية، وذلك في خطوة من شأنها أن تنعكس على الصراع المتصاعد بين الميليشيات الإيرانية، من جهة، والقوات الأميركية المنتشرة في شرق الفرات، من جهة أخرى، على نحو قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد والتعقيد، لا سيما في ظل ما بات يحيط بالملف السوري من تطورات متسارعة قد ترى الولايات المتحدة أنها تتناقض مع مصالحها في هذا البلد الذي تحافظ فيه على وجود عسكري منذ عام 2014.
وعلى خلفية الاستهداف الإسرائيلي لمطار حلب الدولي، شهدت الجزيرة السورية ليلتين من التصعيد العسكري والقصف المتبادل بين الميليشيات الإيرانية والقوات الأميركية. ولم تكن جولة القصف المتبادل، يومي الخميس والجمعة، الأولى بين القوتين الفاعلتين في الملف السوري، إذ سبقتها أكثر من جولة مشابهة خلال السنوات الماضية استجابةً لما تمر به العلاقات الأميركية – الإيرانية من توتر متصاعد على خلفية العديد من القضايا التي كان الملف النووي الإيراني يشكل أبرزها، قبل أن ينتقل مركز الثقل إلى تصاعد الغارات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني في سوريا.
إيران تقرّ بوجود قواعد عسكريّة
غير أن ما شكل فارقاً في الجولة الأخيرة أنها أسفرت عن سقوط قتيل أميركي (متعاقد مع القوات العاملة في سوريا) وعدد من الجرحى، ما يشير إلى وجود إرادة إيرانية في تسخين الأجواء ضد الوجود العسكري الأميركي في سوريا الذي بات يشكل نقطة تقاطع بين كلّ من روسيا وتركيا وإيران. ولكن الأهم من ذلك هو أن التصعيد الأخير جعل القيادة الإيرانية تتخلى عن إحدى ثوابت سياستها العسكرية في سوريا والقائمة على إنكار أي وجود عسكري مباشر في هذا البلد، مكررة على الدوام أنه يقتصر على “المستشارين العسكريين” الذين يقومون بتدريب قوات الجيش السوري ومساعدتها.
وأقر المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوتن خسروي السبت، بتعرض قواعد عسكرية تابعة لإيران في محافظة دير الزور لغارات من الطائرات الأميركية.
وقال خسروي إنّ القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة ستتلقى رداً حاسماً، بحسب تعبيره، على خلفية استهداف المعسكرات الإيرانية.
ونقلت وكالة “نور نيوز” الإيرانية عن خسروي قوله إنّ “أي مُسوغ لاستهداف القواعد التي أُنشئت بناءً على طلب الحكومة السورية للتصدي للإرهاب وعناصر تنظيم الدولة في هذا البلد سيقابل برد مضاد وحاسم”.
وأضاف: “لقد تحمّلت إيران أثماناً كبيرة لمواجهة الإرهاب وإرساء الأمن والاستقرار في سوريا، وتعارض أي عمل يهدد استقرار هذا البلد وتقف في وجهه”. وجاءت تصريحات خسروي في إطار نفيه اتهامات واشنطن لطهران بالهجوم على قواعد أميركية في سوريا.
ونأت كتائب “حزب الله” العراقي، السبت، بنفسها عن استهداف القوات الأميركية في سوريا، نافية تعرض مقارها لأي قصف أميركي.
وقال المسؤول الأمني للكتائب أبو علي العسكري في تغريدة إنه “في الوقت الذي نبارك فيه للشعب السوري الصامد عمليات المقاومة الشعبية السورية لاستعادة حقوقهم ومواردهم التي يسيطر عليها المحتل الأميركي، فإننا نؤكد أن كتائب حزب الله لم تكن جزءاً من العمليات ضد قواعد الاحتلال الأميركي في سوريا ولم تتعرض مقارّها لأي قصف”.
وأضاف: “نجدد التأكيد، إذا ارتكب العدو أي حماقة باستهداف مجاهدينا أو مقارنا، فإن الكتائب سترد مباشرة على الوجود الأميركي في المنطقة”.
نفي إيراني سابق
وكانت إيران قد واظبت خلال السنوات الماضية على إنكار أن يكون لها أي وجود عسكري مباشر في سوريا، وظلت تكرر أن وجودها يقتصر على الناحية الاستشارية، وهو ما انتهى عملياً مع التصريحات الجديدة لخسروي.
وفي أعقاب الاستهداف الإسرائيلي المزدوج لمطاري حلب ودمشق في شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، نفت وزارة الخارجية الإيرانية أن تكون الضربات الإسرائيلية الأخيرة قد استهدفت القوات الإيرانية في سوريا، مؤكداً أن وجودها “الاستشاري” هناك، قائم بناءً على طلب من حكومة النظام السوري.
وقال نصار كنعاني خلال مؤتمر صحافي في حينه، إن “مزاعم الكيان الصهيوني حول الهجوم على القوات الإيرانية في سوريا لا أساس لها من الصحة”، مضيفاً أن الوجود الإيراني في سوريا “استشاري”.
وقبله في 24 من شهر آب (أغسطس) من العام نفسه، نفت إيران أن تكون لها أي صلة بجماعات استهدفتها ضربات جوية أميركية داخل الأراضي السورية قال الجيش الأميركي إنها استهدفت جماعات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في منطقة دير الزور.
وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً قالت فيه إن المواقع التي قُصفت لا صلة لها بطهران. ووصفت الضربات الجوية بأنها “عمل إرهابي ينتهك سيادة سوريا”.
ما تأثير الإقرار؟
اعتبر مراقبون للمشهد السوري أن تخلي إيران للمرة الأولى عن طابع السرية الذي كان يهيمن على تحركاتها العسكرية في سوريا، والكشف علناً عن امتلاكها قواعد عسكرية بموافقة الحكومة السورية، يهدف إلى تحقيق العديد من الأهداف قد يكون من أهمها: التعامل مع القوات الأميركية بمنطق الندّ للندّ والخروج من مرحلة كانت القوات الأميركية تستهدف فيها القوات الإيرانية بالطريقة نفسها التي تلاحق فيها فلول تنظيم “داعش”. وكذلك يستهدف الكشف عن شرعية وجودها العسكري في سوريا تحميل واشنطن المسؤولية القانونية والسياسية عن أي استهدافات لاحقة تطال قواتها، باعتبار أن هذه القوات موجودة بموافقة الحكومة السورية على عكس القوات الأميركية.
ويأتي هذا الإقرار بعد نحو أسبوعين من إعلان الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته لموسكو أن الوجود الإيراني في سوريا لم يعد ملفاً خلافياً مع المملكة العربية السعودية، وجاء ذلك بعد تطورات متسارعة على خط التقارب بين الرياض ودمشق وصلت إلى مناقشة الطرفين استعادة الخدمات القنصلية تمهيداً لإعادة افتتاح السفارتين.
ومن غير الواضح إذا كان الكشف الإيراني في هذا التوقيت قد جاء استكمالاً لإعلان الرئيس السوري ولنفي وجود أي خلاف مع السعودية حول نفوذ إيران في سوريا، لا سيما بعد توقيع الاتفاق التاريخي بينهما برعاية صينية، أم أنه على العكس من ذلك يحاول استغلال الإعلان الرئاسي السوري بغية إظهار عزم إيران على تطوير هذا الوجود وعدم نيتها الإذعان لأي ضغوط تمارس عليها من أجل التقليل منه؟