حرية – (29/3/2023)
“قروض مقابل الجبن”.. هذا هو نظام عمل بنك إيطالي، يستقبل أقراص الجبن، كضمان لتقديم قروض بآلاف الدولارات للمزارعين، ولكن لا تخطئ الظن وتعتقد أن هذا البنك مؤسسة خيرية ويوزع تلك القروض بهدف المساعدة دون مقابل، فأقراص الجبن تلك تساوي ثروة لأنها من نوع خاص جداً.
مستودعات محصنة ضد السرقة لحماية أقراص الجبن
في منطقة “ريدجو إميليا” في شمال إيطاليا، يقع مستودع شديد الحراسة، يملكه بنك “كريديتو إميليانو”، يتضمن المستودع نظاماً أمنياً شاملاً، من سياج من الأسلاك الشائكة، وأجهزة استشعار للحركة، وأضواء كاشفة، ودوريات رجال أمن، وأكثر من 10 كاميرات مرتبطة بمركز تحكم يوجد فيه حراس على مدار الساعة. لحماية “الثروة النفيسة” داخل المستودع.
كما أن ذلك المستودع مؤمن ضد السرقة والحرائق والفيضانات والزلازل، وفي الداخل هناك أجهزة سيطرة على درجات الحرارة والتهوية ونسبة الرطوبة بشكل دقيق، والمستودع هو واحد من مستودعين يملكهما البنك بنفس المواصفات.
أما الثروة داخل المستودعين شديدي الحراسة، فهي ليست ذهباً أو أموالاً نقدية، أو حتى أحجاراً كريمة، إنما الآلاف من أقراص الجبن، التي قد يصل وزن الواحد منها حتى 35 كيلوغراماً، وقد يصل سعر القرص الواحد منها ما يقرب من 2500 دولار، ما يجعل قيمة ما تحتويه تلك المستودعات حوالي 200 مليون دولار.
جبنة “بارميجيانو ريجيانو” ذهب يمكن أكله
لا يقبل البنك أي نوع من أقراص الجبن، وإنما نوع واحد اسمه “بارميجيانو ريجيانو”، أو “ملك الأجبان”، وبعض أقراص الجبن تلك، تصنع من حليب سلالة خاصة من الأبقار المهددة بالانقراض، تسمى “White Modenese”، والتي لم يتبق منها سوى أقل من 500 بقرة في إيطاليا. وكل قرص من ذلك الجبن يحتاج ما يعادل 550 لتراً من الحليب.
ومنطقة “ريدجو إميليا” هي المنطقة الوحيدة في العالم المسموح لها قانوناً باستخدام اسم “بارميجيانو ريجيانو” على هذا النوع من الأجبان الصلبة منزوعة الدسم.
والسبب الآخر في كون سعره مرتفعاً للغاية، أنه يحتاج شهوراً من التخزين قبل أن يصبح جاهزاً للبيع، قد تصل تلك المدة إلى 18 شهراً على الأقل أو عامين أو ثلاثة أعوام كحد أقصى، وكلما طالت المدة زاد سعر قرص الجبن. كما أنه يحتاج لظروف خاصة و”مناخ خاص” في التخزين، حتى يحصل على المذاق المطلوب.
ومن هنا جاءت فكرة “قروض مقابل الجبن”، نظراً لأن الجبن يستغرق كل هذه المدة الطويلة ليصبح جاهزاً للبيع، وكون بعض المزارعين بحاجة للحصول على المال بسرعة لدفع تكاليف العمل، يقدم البنك لهم قروضاً بضمان أقراص جبن “بارميجيانو ريجيانو”.
ويقوم البنك بتخزين تلك الأقراص في مستودعات خاصة، ويخزنها للمدة المطلوبة، وبمجرد أن يقبل البنك الجبن كضمان، فإنه يشرف على عملية “التعتيق” في مستودعاته الخاصة، والتي تشمل قلب الأقراص عدة مرات في الأسبوع، والتحقق بشكل دوري منه.
وأيضاً توضع أرقام تسلسلية خاصة لكل قرص يمكن تعقبها، مع شعار مسجل وعلامة تجارية لضمان الجودة، ومعلومات لكل قرص مخزن في قاعدة بيانات البنك.
بينما يقوم خبير في هذا النوع من الجبن بالإشراف بشكل دوري على تلك الأقراص، بنقر كل واحد منها بمطرقة معدنية صغيرة خاصة، والاستماع إلى الأصوات التي تصدر منها، لتحديد جودة وقيمة كل قرص على حدة.
فكل قرص منها يجب أن يستوفي معايير صارمة، وإذا لم يحدث ذلك، فيتم كشط علامة “بارميجيانو ريجيانو”، ثم بيعه ببساطة كجبن إيطالي عادي بسعر أقل بكثير.
ومتى ما أصبحت أقراص الجبن جاهزة للبيع، يصبح الخيار بعد ذلك للمزارع، إما استرداد أقراص الجبن الخاصة به وتسديد القرض مع نسبة فائدة للبنك قد تصل إلى 5% من قيمة القرض، أو يحتفظ المزارع بمبلغ القرض، وبذلك يصبح الجبن ملكاً للبنك، يحق له بيعه والاحتفاظ بثمنه وأرباحه.
وبحسب المسؤولين عن البنك هناك حوالي مليون قرص جبن تُخزن وتباع في المخازن الخاصة بالبنك كل عام، وفي عام 2008 مثلاً، بلغ إجمالي مبيعات تلك الأقراص 1.4 مليار يورو، لذا فهي ليست استثماراً سيئاً للبنك.
عمليات سطو مسلح وسرقات بملايين الدولارات
الأسعار المرتفعة لهذا النوع من الأجبان جذبت اللصوص والعصابات المسلحة التي ترغب في ربح سريع، فمن السهل نقل تلك الأقراص وتقطيعها وبيعها، وعلى مدى سنوات، حدثت أكثر من 94 عملية سرقة.
استهدفت تلك السرقات غالباً مخازن صغيرة خاصة بالمزارعين الذين يرغبون بتخزين أقراص الجبن الخاصة بهم بأنفسهم، وعدم الاقتراض من البنك. وبطبيعة الحال لم تكن تلك المخازن محمية بشكل جيد بسبب التكاليف، ما يجعلها هدفاً مثالياً للسرقات.
في عام 2015، وبعد عامين من سلسلة سرقات لمخازن أقراص الجبن، ألقت الشرطة الإيطالية القبض على عصابة تقف وراء عدة سرقات وصلت لأكثر من 2000 قرص من جبن “بارميجيانو ريجيانو”، وصلت قيمتها إلى 875 ألف دولار.
وفي عام 2018 استخدمت مجموعة من اللصوص، موقد اللحام لقطع القضبان الفولاذية لمستودع آخر، ثم تسللوا عبر النافذة، قبل أن يهربوا ومعهم 271 قرصاً من الجبن لم يتم تخزينها لفترة طويلة بعد، وبقيمة إجمالية قدرها 300 ألف دولار.
أما أشهر عمليات السطو المسلح كانت في عام 2010 ضد مستودع بنك “كريديتو إميليانو”، نفذت عصابة مؤلفة من 12 شخصاً منظمين جيداً، محاولة الهروب بما يقرب من 400 قرص من الجبن من المستودع تحت تهديد السلاح.
قام اللصوص بتعطيل أجهزة نظام الأمن، وقادوا شاحنة كبيرة لاختراق جدار المستودع. بعد أن قطعوا السياج الخارجي من الأسلاك الشائكة للمنطقة الخارجية للمستودع، ووضعوا ألواحاً خشبية فوق مجرى مائي قريب في حال اضطرارهم للهرب سيراً على الأقدام.
لكن رجال الأمن في المستودع لاحظوا هجوم اللصوص من البداية واستدعوا الشرطة، التي تركت رجال العصابة ينهون عملية السطو حتى يمكن القبض عليهم بسهولة أكبر، وبالفعل قبضت الشرطة على اللصوص أثناء قيامهم بالفرار. ولم تكن هناك أي محاولات سرقة لمستودعات البنك منذ ذلك الحين.