حرية – (30/3/2023)
يرى خبراء بان العراق بحاجة الى إصلاح جذري في المنظومة القانونية ككل، وليس تعديل فقرات من قانون ما كما جرى في المصادقة على قانون الانتخابات.
منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 وحتى اليوم، اختبر العراقيون خمس مرات صناديق الاقتراع، عبر خمس دورات انتخاب للمجلس النيابي كانت أولاها في 2005، ثم 2010، و2014، و2018، وأخيرا في أكتوبر 2021.
قانون الانتخابات
ويشهد العراق اليوم نقاشاً محتدماً حول قانون الانتخابات الذي أقره البرلمان، والذي ستجري على أساسه الانتخابات البرلمانية المقبلة.
خضع قانون الانتخابات منذ عام 2005 لتعديلات عدة وجوهرية، بالتزامن مع تحولات سياسية وعسكرية وأمنية كبيرة.
وتنقّل هذا القانون من نظام قائم على دائرة واحدة وقائمة انتخابية مغلقة إلى نظام يقوم على عدد كبير من الدوائر. ومن نظام أكثري إلى نسبي وبالعكس.
جميع هذه القوانين التي اعتمدها العراق في انتخاباته “فيها سلبيات وفيها إيجابيات” بحسب الخبير الانتخابي سعد الراوي، الذي يؤكد أن التعديلات التي طرأت على القوانين حدثت كلها بضغط من الشارع، و”ليس وفق دراسة وتحليل واستنتاجات لواقع العراق”.
كل هذه التعديلات، كما يراها الراوي، ينتج عنها “تصويت عشائري مناطقي” في ظل “غياب الثقافة الانتخابية” لدى الكثير من العراقيين، لأن “أغلب الأحزاب عندنا لا تمتلك مشروعاً سياسياً”، يقول المحلل السياسي واصفا هذه الأحزاب بأنها “تجمعات انتخابية للوصول إلى السلطة، تفتقر للمشروع السياسي والنظام الداخلي وخطة انتخابية وبرامج تثقيف جماهيرها”، وهي “تظهر ثقافة الاستئثار بالسلطة لدى الكثير من السياسيين العراقيين الذين يعملون على تطويع القوانين بما يتناسب مع بقائهم في السلطة لا مع منطق الديمقراطية الذي يقوم على مبدأ تداول السلطة”.
انتخابات الزمن الصعب
في كتابه “انتخابات الزمن الصعب”، يشرح فريد آيار، العضو الأسبق للمفوضية العليا للانتخابات، ظروف إجراء انتخابات العام 2005، التي “لم تكن مثالية”، وقد “حصل فيها تزوير وترويع ولكن على نطاق ضيق، وفي حالات محدودة كشفت المفوضية العديد منها وكسبت بذلك غضب وتهديد بعض الكيانات السياسية المعنية”.
ويؤكد آيار أن “هذا التزوير ناتج عن عدم وجود ثقافة انتخابية لدى المواطن العراقي”. غياب هذه الثقافة يعود إلى أن “الوضع السياسي في الدول غير المستقرة والحديثة في تطبيق النظام الديمقراطي”، ينعكس “تأزماً إثر كل انتخابات لأن الطبقة السياسية التي تفوز وتحصل على المقاعد تعتقد أن هذا الفوز يعطيها الحق بامتلاك كل شيء، فتبدأ بتفصيل كافة الأمور على مقاساتها، بل تذهب إلى احتكار الرأي وفرضه على الآخرين”.
وهكذا، يتابع آيار في كتابه: “مرت انتخابات مارس 2010، التي لا يمكن اعتبارها متوافقة مع المقاييس والمعايير الدولية التي أجريت في ظل مجلس مفوضين انتخب وفقاً للمحاصصة الطائفية والقومية، وهو إلى ذلك لا يمثل جميع مكونات الشعب العراقي وفقاً لدستور البلاد”.
وقد جرت هذه الانتخابات بعد تعديل القانون واعتماد الدائرة المفتوحة أول مرة.
ويرى آيار أن مجلس العام 2010، كما مجلس عام 2005، قام بـ”سلب موقع التمثيل المسيحي” وإعطائه إلى مكون آخر، “ثم أصبح هذا الأمر سابقة تكررت عند انتخاب المجلس التالي في 30 أبريل 2014”. وكان هذا المجلس يمثل “وبامتياز فكرة المحاصصة البغيضة”.
المنظومة القانونية.. غياب ثقافة الديمقراطية
وكنوع من تأكيد على غياب ثقافة الديمقراطية في التعامل مع الانتخابات النيابية والإصرار على الاحتفاظ بالسلطة، يضرب آيار مثلاً ما حدث في انتخابات العام 2014، حيث “تأزم الوضع في العراق وبشكلٍ صارخ بعد إبداء السيد نوري المالكي رئيس الوزراء السابق الرغبة بالبقاء في سدة رئاسة الوزراء للمرة الثالثة، معللاً ذلك بفوز ائتلافه بالانتخابات مما دفع الكيانات السياسية إلى الانقسام بين مؤيد ومعارض”، ثم “حصول كارثة سيطرة داعش على الموصل وبعض مدن العراق، إلى جانب استمرار قسم كبير من أبناء الشعب بالشعور بالتهميش واللامبالاة لقضاياهم المصيرية”.
ولعل أبرز التغييرات التي شهدها قانون الانتخابات في العام 2014 هي إلغاء قانون عام 2005 وتعديلاته كافة، على أن يتألف المجلس النيابي من 320 نائباً يتوزعون على المحافظات بالإضافة إلى 8 مقاعد للأقليات واعتمد حينذاك نظام “سانت ليغو” (ذائع الصيت اليوم) المعدّل عن النسخة الأساسية التي وضعت في عام 1902.
وخضع هذا القانون لتعديلات بدوره ليتم خوض انتخابات العام 2018 استناداً إليه، وقد اعتمد القانون كل محافظة عراقية دائرة انتخابية بذاتها. واستخدم أيضاً نظام “سانت ليغو” المعدل الذي يهدف إلى ضمان حق الأقليات.
أما انتخابات العام 2021، فقد استندت إلى تعديلات القانون التي أقرت في العام 2019 على وقع انتفاضة تشرين الشعبية، وتحول معها العراق إلى 83 دائرة انتخابية، من دون الاعتماد على المحافظات، واعتمد نظام الصوت الواحد، وجرى إلغاء المواد المتعلقة بفائض الأصوات، ولم يعتمد نظام “سانت ليغو” الذي يعود هذه الأيام ليطل برأسه من نافذة قانون انتخابي جديد، يثير الجدل والاعتراضات اليوم في العراق.
آيار يشير إلى أن “الديمقراطية والحصول على أكثرية المقاعد في البرلمان لا يعني الاستئثار بالسلطة في بلد متعدد الطوائف والأعراق والديانات كالعراق”.
وهذا يتطلب، بحسبه، قوانين انتخابات تعطي الفرد العراقي القدرة على ممارسة الحق الديمقراطي بالانتخاب، وليس أداء هذا الحق “كفرض ديني”، خصوصاً مع “تركيز الأطراف السياسية في الانتخابات على العوامل المذهبية والدينية لدفع العراقيين إلى الانتخاب”.
المنظومة القانونية
من جهته، يؤكد الراوي حاجة العراق إلى “إصلاح جذري في المنظومة القانونية ككل، وليس تعديل فقرات من هذا القانون أو ذاك”.
ويجب برأيه مراجعة “قانون الأحزاب وقانون مفوضية الانتخابات وقانون انتخابات البرلمان وقانون انتخاب مجالس المحافظات والأنظمة والتعليمات التي تصدرها مفوضية الانتخابات”.
هذه القوانين كلها تحتاج إلى “مراجعة وإصلاح”، بحسب الراوي، لأن “جميع التعديلات التي تجري على قوانين الانتخابات تخضع لمزاج القوى المتنفذة”.
ويختم الراوي: “قانوننا 17 صفحة وغير مفصّل، وأي فقرة غير واضحة أو غير مفسّرة، يعيد تفسيرها الفاعل السياسي القوي بما يلائم مصالحه”.