حرية – (31/3/2023)
فيصل الفايق
يستدعي إتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران بعد وساطة الصين، تحليلا واستشرافا للمتغييرات التي يمكن أن تطرأ على صناعة الطاقة وأسواقها، خصوصا أن البلدين عضوان مؤسسان في منظمة “أوبك” ومن منتجي النفط في منطقة الخليج. يأتي الاتفاق في وقت تشهد فيه أسواق النفط أعلى مستويات الضبابية لتوقعات توازن العرض والطلب مع التراجع الكبير في استثمارات المنبع (الاستكشافات والتنقيب)، يُقابلها ازدياد مضطرد في الطلب على النفط إلى مستويات تخطت تلك ما قبل جائحة كوفيد-19، مما يُثير تساؤلات حول مدى توافر إمدادات نفطية كافية في المدى المتوسط والبعيد.
بعيداً عن بعض اطروحات الإعلام الغربي التي تناولت عودة العلاقات الديبلوماسية السعودية الإيرانية مع تقديم بعض التنازلات الاستراتيجية، وبعيداً عن النظريات التي أشارت إلى توظيف الصين لمصالحها في المنطقة كأكبر مستورد للنفط في العالم، واستثماراتها، في لعب دور الطرف الضامن لهذا الإتفاق، إلا أن أبعاد الإتفاق أوسع بكثير لما يعود به من مردود على الاستقرار السياسي والأمني لكل دول المنطقة والعالم، وهذا يشمل توازن أسواق النفط وأمن الطاقة العالمي واستقرار الاقتصاد الدولي.
كان لافتا أيضا تمركز روسيا كأكبر مصدري النفط الخام إلى الصين في الشهرين الأولين من عام 2023 وفقا لبيانات الادارة العامة لجمارك الحكومة الصينية، التي أظهرت متوسط شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط لواردات الصين من النفط الروسي عند 1,94 مليون برميل يومياً، بزيادة 24 في المئة من 1,57 مليون برميل يوميا في الفترة المقابلة لعام 2022، بينما كانت روسيا ثاني أكبر مورد للنفط إلى الصين العام الماضي بعد المملكة العربية السعودية.
وحلت المملكة العربية السعودية كثاني أكبر مورد للنفط إلى الصين في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من السنة الجارية، وصدرت 1,72 مليون برميل يوميا، وكانت السعودية أكبر مورد للنفط الى الصين في عام 2022 بتصدير 1,75 مليون برميل يوميا (كمعدل وسطي).
علما بأن روسيا تملك خط أنابيب يمتد من شرق سيبيريا الى المحيط الهادئ بطول 4800 كيلومتر، تورد من خلاله النفط الى الصين، بينما ينقل النفط السعودي إلى الصين بحرا من طريق ناقلات النفط العملاقة. مع ذلك، فإن الفرق لا يُذكر بين أكبر منتجَي النفط في العالم، السعودية وروسيا، في التنافس في السوق الصيني.
الإتفاق السعودي الإيراني قد يدفع إلى تغيير خريطة أسواق النفط مع التغيرات الجيوستراتيجية في منطقة الخليج العربي. وإيران في حاجة الى عودة العلاقات الطبيعية مع محيطها في ظل اضطراب الداخل الايراني، وعجزها عن احتواء أزمتها والحصار الدولي الذي تعيشه بسبب العقوبات. لذلك، فإن عودة العلاقات الديبلوماسية السعودية الإيرانية تثير العديد من التساؤلات المتعلقة بمستقبل صناعة النفط وإنتاجه في المنطقة:
- هل سنرى سوق نفط مختلفا مع تغير ديناميكية السوق بتغير موسمية الطلب وتغير التأثيرات على الإمدادات (العرض)؟
- هل الممرات المائية لأكبر صادرات نفطية في العالم (مثل مضيق هرمز) ستصبح أكثر أماناً مما سوف ينعكس ايجاباً على استقرار أمن الطاقة والاقتصاد العالمي، حيث يمر ما يقرب من 20 في المئة من جميع تدفقات النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة المنقولة بحراً في العالم عبر مضيق هرمز كما ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية؟
- كيف ستتأثر كميات النفط الموجودة في السوق الفورية التي هي أكثر عرضة للعقوبات الاقتصادية والمالية كونها خاضعة لسيطرة الدولار؟ يباع النفط الخام إما بعقود بيع طويلة الأجل من شركات النفط الوطنية في الخليج العربي، خاصة “أرامكو” السعودية، لذلك هي بعيدة عن عوامل المنافسة السعرية لأن كميات بيع البراميل ثابتة ولا تتأثر بتقلبات أسعار النفط ولا بالتغير في هوامش ربح مصافي التكرير. أما البراميل التي تباع في السوق الفورية (المادية) فمعرضة لتقلبات أسعار النفط، هذا بالإضافة إلى عنصر التنافسية.
- هل سنشهد عودة شركات النفط العالمية الى استثمارات المنبع في ايران؟ منذ منتصف السبعينات، خلال فترة حكم شاه إيران، لم يتم تطوير البنية التحتية لصناعة النفط في إيران نتيجة غياب استثمارات المنبع. ومنعت البنية التحتية المهترئة لصناعة النفط الإيراني ومرافق التصدير القديمة طهران من رفع انتاج النفط لأكثر من 3,8 مليون برميل يومياً منذ رفع العقوبات الإقتصادية مطلع عام 2016، لينخفض الإنتاج الى مليوني برميل يوميا، بحسب صندوق النقد الدولي، بعد عودة العقوبات الاقتصادية مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
الجدير بالذكر أنه حتى مع تهاون الإدارة الأميركية الديموقراطية الحالية حيال فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، إلا أن إنتاج النفط لم يتجاوز 2,5 مليون برميل يوميا في ظل عزوف شركات النفط العالمية عن استثمارات المنبع وخروجها من إيران، الأمر الذي يعكس عجز إيران عن العودة بقوة لرفع الإنتاج في المستقبل القريب.
يتوقع أن يساعد الاتفاق الديبلوماسي السعودي الإيراني في تأمين أمن الطاقة العالمي بعد سلامة أهم الممرات المائية لصادرات النفط من العمليات الإرهابية من جهة، ومن جهة أخرى سوف يشجع على عودة استثمارات المنبع بعدما شهدت المنطقة عزوف بعض شركات النفط العالمية اثر جائحة كوفيد-19، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى استكشافات نفطية جديدة يمكنها تعويض النقص في الإمدادات النفطية الناتج من نضوب حقول النفط التقليدية.
وأخيرا، هل ستتم عرقلة الفوائد الاقتصادية والأمنية للإتفاق السعودي الإيراني من أطراف غربية تحاول إعاقة أي ازدهار وتقدم للمنطقة؟