حرية – (1/4/2023)
بشيء من التهكم، كتب البروفسور والأكاديمي الهندي أشوك سوين قبل أيام على “تويتر” قائلاً: البريطاني الوحيد (في الحكم)… الملك تشارلز الثالث.
كان سوين يعلق على فوز حمزة يوسف بزعامة أكبر حزب في اسكوتلندا، ليصير في عمر 38 سنة أول زعيم مسلم لحكومة وطنية لأي ديموقراطية غربية.
ويقول سوين , إن “تغريدتي كانت نوعاً من التهكم. بريطانيا صوتت للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، خصوصاً بسبب المهاجرين، لكن المهاجرين يستأثرون حالياً بالمناصب الرئيسية في البلاد”.
هاجر جدّا حمزة يوسف من باكستان إلى غلاسكو في ستينات القرن الماضي. لم يكونا يتحدثان الإنكليزية في حينه، وبالطبع لم يخطر ببالهما أن حفيدهما سيصبح زعيم أكبر حزب في اسكتلندا. ومع ذلك، انتقلت عائلة يوسف في غضون جيلين من العمل في الخياطة ببلدة في منطقة البنجاب الباكستانية إلى رئاسة الوزراء في اسكوتلندا.
وليست قصة يوسف استثنائية في بريطانيا المعاصرة. فرئيس الوزراء ريشي سوناك وعمدة لندن صادق خان وزعيم حزب العمال في اسكوتلندا أنس سروار جميعهم أولاد مهاجرين، ومن الجيل الأول يولدون في المملكة المتحدة.
هاجرت عائلات الأربعة إلى بريطانيا لبناء مستقبل أفضل، وتشير مسيراتها إلى أنها عملت بجهد لتأمين كل الامتيازات الضرورية لأولادها، وأدركت أهمية التعليم في ذلك البلد، فكانت النتيجة أن زعماء من أصول آسيوية يحتلون أربعة من أهم المناصب الرئيسية في بريطانيا، الأمر الذي يعكس الكثير من التغيرات في العلاقات بين الأعراق في المملكة المتحدة في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
حمزة يوسف
والد يوسف، ميان مظفر يوسف آرين، باكستاني الأصل، هاجر عام 1964 إلى اسكتلندا مع عائلته في الستينات. أما عائلة والدته فوصلت من كينيا. والدها كان سائق قطار شعر بأنه غير مرغوب به في بلده بالتبني عندما وصل الأفريقي القومي جومو كينياتا إلى السلطة، فغادر إلى اسكوتلندا بحثاً عن حياة جديدة.
أنهى يوسف الصفوف الابتدائية في مدرسة رسمية، ولكن في الوقت الذي بلغ الصفوف الثانوية كان دخل والده، المحاسب، قد أصبح يسمح له بإرساله إلى الثانوية الخاصة “هاتشنسونس غرامر” في غلاسكو.
وفي مقابلة تلفزيونية قبل أن يصبح زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي، قال يوسف مازحاً إن والديه ينسجمان مع الصورة النمطية للمهاجرين: “خلال نشأتي كنت بالنسبة إلى والدي إما سأصبح طبيباً أو طبيب أسنان أو صيدلياً أو محاسباً أو محامياً”.
كان “الأمر الأصعب إليه على الإطلاق” هو القول لوالديه إنه يريد دراسة السياسة بدلاً من القانون. ومع ذلك، يتذكر أن والده رد بأن الجالية البريطانية الآسيوية بحاجة إلى مزيد من التمثيل السياسي، وبالتالي ستكون السياسة خياراً جيداً.
أنس سروار
في ثانوية “هاتشنسونس غرامر” بغلاسكو، درس أيضاً أنس سروار الذي كان يسبقه بثلاثة صفوف، وسيصير لاحقاً زعيماً لحزب العمال في اسكوتلندا.
سروار أيضاً باكستاني الأصل، والده محمد، مزارع انتقل في سن السادسة والعشرين إلى اسكوتلندا عام 1976 وأسس تجارة خاصة به.
والدة أنس، بروين سروار، باكستانية مسلمة أيضاً.
عام 1997، انتخب محمد سروار، ليصبح أول عضو برلماني مسلم في المملكة المتحدة عن مقعد وسط غلاسكو، واحتفظ به بين 1997 و2010 إلى أن خلفه ابنه أنس. ولكن طريق أنس كان سلساً تماماً، وخصوصاً بعدما ترك عمله كطبيب أسنان في عام 2010، وقرر دخول عالم السياسة.
ولعب أنس دوراً فاعلاً في الحملة المؤيدة لبقاء اسكتلندا في المملكة المتحدة خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء على الاستقلال عام 2014، حيث كان يجوب اسكتلندا في حافلة مع نشطاء معارضين للاستقلال.
ريتشي سوناك
قصة عائلة سوناك الهندية الأصل، تمر بأفريقيا، مثل أسرة يوسف. والده، ياشوير، على غرار والدة يوسف، مولود في نيروبي، وعام 1966، هاجر إلى ليفربول لدراسة الطب، ثم انتقل إلى ساوثامبتون حيث ولد ريشيعام 1980. في حينه كان والده قد أصبح طبيباً ووالدته تدير صيدليتها الخاصة.
التحق بالمدرسة الخاصة المرموقة “وينشستر كوليدج”، وعمل نادلاً في مطعم “كاري هاوس” خلال العطل الصيفية، ثم التحق بجامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد.
وأثناء دراسته للحصول على ماجستير في إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، التقى بزوجته السيدة مورتي، ابنة نارايانا مورتي، الملياردير الهندي والمؤسس المشارك لشركة خدمات تكنولوجيا المعلومات العملاقة “إنفوسيس”.
صادق خان
خان (52 عاماً)، هو الوحيد من الرجال الأربعة لم يتلق تعليماً خاصاً. ولد في توتينغ بجنوب لندن، لأمان الله وسهرون خان، اللذين هاجرا إلى بريطانيا من باكستان عام 1968.
وبينما ارتقت عائلات سوناك وسروار ويوسف إلى الطبقات المتوسطة، كان والدا خان من الطبقة العاملة: كان والده يعمل سائق حافلة (كما فعل والد المرشح السابق لقيادة حزب المحافظين ساجد جافيد) ووالدته خياطة.
عنصريّة
واجه يوسف وسروار وسوناك وخان هجمات عنصرية في بلاد لا تزال استطلاعات الرأي تؤكد تمييزاً على أنواعه في مختلف مناحي المجتمع والهيئات والقطاعات.
وفي بدايات عمله في المجال السياسي، تحدّث يوسف عن تعرضه لهجمات وتعليقات عنصرية، خاصّة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.
وعام 2021 رفع وزوجته الثانية نادية النخلة شكوى بتهمة التمييز ضد حضانة رفضت استقبال ابنتهما. وأنكرت دار الحضانة هذه الاتّهامات، لكنّ الهيئة المسؤولة عن عمليات التدقيق وجدت الشكوى مبرّرة. ومذّاك أسقط الزوجان الدعوى.
وهو شرح مرة أن العنصرية غالباً ما تشكل حافزاً لضحاياها لدخول السياسية. وتذكر كيف نجحت والدته في سوق وكيل عقاري أمام المحكمة، لأنها اشتبهت في أنه يمنعها من معاينة منزل لأنها آسيوية، وأنه بعدما اختبر العنصرية بنفسه بعد هجمات 11 أيلول، وجه والده غضبه بطريقه مفيدة جداً بتشجيعه إلى كتابة رسالة إلى نائب منطقته، وهو ما قربه من السياسة.
بدوره، سيكون سروار بصفته أول زعيم غير أبيض وكذلك مسلم لحزب سياسي كبير في المملكة المتحدة هدفاً لتهديدات ضده وضد عائلته. وروى أنه عندما ترشح لزعامة الحزب المرة الأولى عام 2017، أخبره البعض أنهم لن يصوتوا بسبب دينه ولون بشرته.
ويتذكر خان أنه كان مألوفاً مناداته بـ P-word، وهي كلمة تستخدم لازدراء الآسيويي الأصل في بريطانيا، ولا حتى الدخول في مشاحنات مع بريطانيين. وقال إنه حوّل ولاءه من فريق إنكلترا للكريكيت إلى باكستان بعد تعرضه لانتقادات عنصرية في مباراة تجريبية في لوردز، قبل أن يعود لاحقاً.
لا شك في أن وصول الأربعة إلى مناصب قيادية، هي من الأرفع مستوى في بريطانيا، يعكس تغييراً كبيراً في البلاد. ومع أن تغريدة سوين عن كون تشارلز الثالث هو البريطاني الوحيد في بريطانيا أثارت تفاعلاً واسعاً ولم تخلُ بعض التعليقات من “العنصرية”. يقول الأكاديمي الرفيع المستوى لـ”النهار العربي” إن بعض الذين علقوا على تغريدته فهموا الرسالة والبعض الآخر لم يفهم. ومع ذلك، “هناك شيء واحد مشترك في ردود الفعل، إذ اتفق الجميع تقريباً على أن المجتمع البريطاني قد تغير، وأن سياسته أصبحت شاملة”.
وبرأيه أن البريطانيين الآسيويين يؤدون دوراً جيداً جداً في الساحة السياسية، وخطوة كبيرة للجالية الآسيوية أن تكتسب الثقة للتطلع إلى مناصب عليا. فبالنسبة إلى أي دياسبورا، يعتبر هذا النوع من النجاح تعزيزاً كبيراً لصورتها.
المفارقة في السياسة البريطانية راهناً أن بعضاً من المهاجرين الذين تبوأوا مناصب، وفي مقدمهم رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير الداخلية، يؤيدون سياسات متشددة ضد المهاجرين. ومع ذلك، يقول سوين إن وجود هؤلاء في قمة السلطة له دلالاته الخاصة وينطوي على رسائل قوبة، وتؤكد تغيراً كبيراً في المجتمع البريطاني.
يصعب على سوين الحديث عما تعنيه هذه التغييرات لمستقبل المملكة المتحدة، ويكتفي بأن “تحطم العديد من السقوف الزجاجية أمر إيجابي.. قد يكون هناك رد فعل سياسي من السكان الأصليين على المدى القصير، لكن التغيير جلب الأمل بالمستقبل”.