حرية – (1/4/2023)
اعتبرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أنه رغم أن الرؤية المثالية التي كانت متوقعة للعراق فيما بعد العام 2003، لم تتحقق مثلما كان متوقعا، إلا أن ذلك يجب ألا يكون المنظور الوحيد الذي ينظر فيه الى هذا البلد، داعية المجتمع الدولي الى دعم العراق من خلال 3 خطوات لضمان تحقيق مستقبل أفضل أمام العراقيين وانخراطهم بالعملية السياسية.
وأوضح التقرير الأمريكي؛ ان التحليلات حول العراق عادة ما تركز إما على الاخفاقات الامريكية السابقة او على كيفية تحول “العراق الجديد” الدوران في فلك نفوذ إيران، وأنه بسبب هذه الرؤية المختزلة من جانب الغرب، يتم النظر الى العراق من خلال عدستين مبسّطتين: قدرته على أن يكون شريكا موثوقا به في الحرب على الإرهاب، واستعداده للتصدي لايران.
ولفت التقرير إلى أن الكثير من التحليل الغربي حول العراق يتجاهل مكامن القدرات الديمقراطية للعراق حيث هناك مجتمع متنوع يؤكد نفسه بشكل متزايد من خلال مواقفه المتحدية إزاء حكامه، ويسعى بشكل سلمي إلى البحث عن وسائل لإصلاح النظام المعطل، من دون أن يدرك بالضرورة كيف ومن أين يبدأ ذلك.
وبعدما اعتبر التقرير أن جزءا كبيرا من المجتمع يمر حاليا بعملية نضج سياسي بطيئة ويستفيد بشكل من عدد من المظاهر الديمقراطية التي أصبحت ممكنة بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، إلا أنه قال إن “الرؤية المثالية لعراق ما بعد 2003 لم تتحقق كما هو متوقع”، مضيفا انه “ينبغي ألا يكون هذا هو الظاهر الوحيد الذي نحكم من خلاله على العراق الان او نقوم بحسابات سياسة حوله في المستقبل بناء عليها”.
وعدد التقرير مجموعة من المظاهر والسمات الديمقراطية القائمة الآن، حرية التعبير النسبية التي مارسها العراقيون ودافعوا عنها في وجه كل الصعاب، بما يمكنهم من انتقاد الحكومات والأحزاب. لكنه اشار ايضا الى الاستياء الشعبي والذي تمثل في انخفاض إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع. واشار ايضا الى النمو السكاني الكبير، بحيث أنه بالنسبة لغالبية العراقيين، فان صدام حسين يمثل ذكرى بعيدة وليست مرتبطة بهم حيث لن ينشأ الكثير منهم في ظل استبداده. كما اكتشف اكتشف العديد من العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، يشكلون حوالي 60% من السكان، بعضهم البعض والعالم من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
واشار التقرير الى ان هؤلاء الشباب يريدون ما يريده أقرانهم في كل مكان: تعليم لائق، وخدمات موثوقة، وفرص عمل، والحق في التعبير عن ارائهم وعيش الحياة التي يريدونها.
وتابع التقرير؛ أن حركة تشرين، بالرغم من قمعها بعنف وشيطنتها سياسيا من قبل النخبة الحاكمة والميليشيات المتحالفة معها (بدعم ايراني)، فان الحركة تقوم بتنظيم نفسها ببطء من خلال أحزاب سياسية للمشاركة في الانتخابات المستقبلية.
وخلص التقرير الى القول ان العراق في حالة تقلب حيث تجري معركة داخلية حول مستقبل الأمة وهويتها السياسية والترتيبات الرسمية للسلطة فيها، وهو صراع يدور بين القوى الليبرالية والمحافظة. ولهذا دعا التقرير المجتمع الدولي، وتحديدا بعثة الأمم المتحدة في العراق والولايات المتحدة والدول الأوروبية، الى عدم الوقوف مكتوفة الايدي ومشاهدة هذه المعركة فقط والتعلق بنظرة الماضي.
وفي المقابل، يتحتم على هذه الاطراف بحسب “فورين بوليسي” أن تحاول بدلا من ذلك تشجيع العراقيين الذين يشعرون بخيبة أمل عامة، على الانخراط في السياسة الانتخابية، وذلك من خلال ثلاث وسائل:
أولا، من خلال الاستمرار في الاستثمار في العراق عبر المؤسسات الدولية وبرامج المانحين والاستمرار في التواصل مع رواد الأعمال الشباب والقادة الذين يفرضون التغيير برغم الظروف السياسية الصعبة.
ثانيا، يتحتم على المجتمع الدولي عدم تجاهل سلوك الدولة والميليشيات الموالية لايران ضد متظاهري تشرين، مضيفا أنه برغم الوعود الرسمية العديدة من الحكومة العراقية لمحاسبة المسؤولين عن قمع المتظاهرين وقتل المئات منهم، لم يتم تقديم اي شخص الى المحاكمة. واعتبر التقرير انه يجب الا يشعر المسؤولون بالحصانة من التبعات القانونية والسياسية للقمع، مضيفا أن هذه المسألة مهمة من اجل الحفاظ على الحوار السلمي، محذرا من أن الرد على الاحتجاجات السلمية من خلال العنف سيؤدي الى عزل المتظاهرين الغاضبين تدريجيا ودفعهم للبحث عن حلول عنيفة خارج النظام.
ثالثا، يدعو التقرير المجتمع الدولي الى العمل على ضمان مراعاة قواعد اللعبة الانتخابية واحترامها، مذكرا بما جرى خلال الانتخابات الاخيرة، عندما تم منع الاغلبية من تشكيل الحكومة.
وختمت “فورين بوليسي” تقريرها بالقول إنه من السهل رؤية العراق على أنها تمثل قصة فشل كما ظهر في وسائل الإعلام الغربية لمناسبة احياء ذكرى غزو العام 2003، إلا أنه يتحتم على المجتمع الدولي القيام بما هو أكثر من مجرد اعادة صياغة ما حدث قبل 20 عاما وان ينظر الى العراقيين وهم يكافحون من أجل بناء الديمقراطية. واكد التقرير على اهمية الاستثمار في مستقبل العراق، وخصوصا في جيل الشباب الذي يطالب بحكم ممثل لهم وخدمات وتوظيف، مع حماية التعددية. وخلص الى القول ان المجتمع العراقي تبدل بشكل كبير منذ العام 2003، الا ان الان يتعلق بما إذا كانت مؤسساته السياسية قادرة على مواكبة ذلك.