حرية – (2/4/2023)
يؤكد خبراء بان ملاحقة المحللين السياسيين تتكئ على قوانين النظام السابق التي تتعارض مع الدستور، إلى جانب إشارتهم لمساعي المجتمع المدني بالوقوف أمام تلك المحاولات
ملاحقة المحللين السياسيين على يد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، دقت “ناقوس الخطر” بالنسبة للمدافعين عن الحريات الصحافية والعامة، لاسيما وأنها جاءت بسبب انتقادهم لأدائه الحكومي.
واصفين ما يجري بأنه “مجزرة لحرية التعبير”.
ملاحقة المحللين السياسيين
ويقول المحلل السياسي، محمود الحسيني، إن “حملة رفع دعاوى قضائية وإصدار مذكرات قبض، بحق عدد من المحللين السياسيين، دقت ناقوس الخطر للقضاء على حرية التعبير في العراق، وخلق مساحة لحركة الفساد بحرية في البلد”.
ويضيف الحسيني، أن “العقلية السياسية داخل المنظومة الحكومية في العراق لا تستوعب أن أساس الانتقاد هو التنبيه عن الأخطاء وكشف الفساد ومساعدة السلطة للتحقيق فيه وليس استهداف السلطة”.
عادا ما يحدث في العراق “ارتكاب مجزرة في حرية التعبير بصورة قانونية، عن طريق استخدام القرارات والقوانين السابقة للنظام السابق، أو إصدار قرارات جديدة تحد من حرية التعبير، ما سيصب في صالح الفاسدين الذين يعبثون بمقدرات البلاد”.
ويشير إلى أن “هناك مفارقة عجيبة غريبة تحدث في العراق، وهي مخالفة الدستور، بل عدم احترامه وجعله دستورا ترفيا شكليا لا تؤخذ مواده، إذ أن السلطة تقدس القرارات التي تحد من حرية التعبير، ولا تقدس الدستور الذي ضمن في المادة 38 منه حرية التعبير عن الرأي، فليس هناك أي بلد في العالم يصدر قرارات تقتل مواد الدستور مثل العراق”.
ويدعو الحسيني، رئيس الوزراء، إلى “عدم السير بطريق أسلافه بالتلويح بتكميم الأفواه، لاسيما أنه يتميز بأنه أول رئيس حكومة بعد 2003 من الداخل وأول حاكم عاش معاناة العراقيين”.
وصدر يوم أمس السبت، أمر إلقاء القبض بحق المحلل السياسي، ليث شبر، وفق المادة 433 من قانون العقوبات العراقي، بناءً على دعوى رفعها مكتب رئيس الوزراء، وأساسها أن شبر تهجم على رئيس الحكومة في أحد اللقاءات المتلفزة معه.
اعتقال المحلل السياسي محمد نعناع
ويأتي هذا الإجراء، بعد نحو 10 أيام من اعتقال المحلل السياسي محمد نعناع، بناء على دعوى رفعها السوداني ضده عندما كان مرشحا لرئاسة الحكومة، بتهمة التهجم عليه ووصفه بأن السوداني شخصية “غير وطنية”.
كما حرك السوداني، دعوى قضائية ضد محامية، بسبب تغريدة لها، انتقدت فيها أدائه الحكومي، وجرى استقدامها من قبل القضاء، ثم أطلق سراحها بكفالة.
نهج شخصي أو حزبي؟!
من جانبه، يرى الإعلامي حسام الحاج، أن “ما يدعو إلى القلق هو أن تركز الحكومة جهودها لملاحقة قادة وأصحاب الرأي، ولا أعلم ما إذا كان هذا نهج السوداني شخصيا أم نهج الإطار التنسيقي، فقد كنا نتوقع بشكل أو بآخر أن الإطار سيسعى إلى تسوير السلطة بعد الإمساك بها بأي شكل من الأشكال، ولكن أن تصل مساعي تسوير السلطة إلى تكميم الأفواه فهذا نهج خطير ومقلق ولا يمكن السكوت عنه”.
ويجد الحاج، أن “المشكلة الأكبر تكمن في الاستناد والاتكاء على قوانين وأنظمة تعود للحقبة الدكتاتورية بغض الطرف عن علوية النص الدستوري الذي أتاح للمواطن العراقي التعبير عن رأيه بكل الوسائل بحسب ما جاء في نص المادة 38 من الدستور”.
لافتا إلى أن “السلطة حينما تريد أن تسور نفسها تقفز من علوية النص الدستوري وتذهب للبحث في أنظمة وقوانين النظام السابق، وهذا شيء خطير ومؤلم وسلوك غير قانوني وغير ديمقراطي وغير حضاري، فضلا عن أنه يؤسس لحالة من حالات تكميم الأفواه، إذ لا يمكن أن تسير الدولة العراقية بها ثم تسمّي نفسها ديمقراطية دستورية، وهي تسعى باتجاه تكميم الأفواه وملاحقة أصحاب الرأي”.
إثارة الرأي العام
ويتوقع الإعلامي، أن “لا تتطور القضية أكثر، بوجود ردّ الفعل الاجتماعي لاسيما أن حكومة السيد السوداني رقميا لا تمثل إلا الأقلية من أصل الشعب العراقي، وبالتالي فلا يمكن لهذه الأقلية الصمود أمام الأغلبية، كما أنهم (الإطار) يعلمون أن إثارة الرأي العام ممكن أن تكون مضرة لهم، فضلا عن قيامهم ببعض الحملات التي تسعى إلى تكميم الأفواه وتؤسس لذلك، مثل حملة المحتوى الهابط، حيث أنهم لم يقاوموا ما حدث بوجود منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية وقادة رأي الذين انتقدوا هذا السلوك، فسرعان ما توقفوا عن الحملة لأنها في الأساس كانت أمرا غير قانوني”.
ويدعو الحاج “رئيس الوزراء إلى العودة مرة ثانية للنهج الذي نعرفه عنه، والذي كان يتحدث به عندما كان نائبا وأن يترك التفكير من زاوية الإطار، فقد يكون له مستقبل سياسي أكبر بكثير من مستقبل الإطار السياسي وبعض أحزابه التقليدية، وأن لا ينجر خلف الروح الانتقامية التي تسعى إليها بعض أحزاب الإطار”.
يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
جدير بالذكر، أن جميع هذه القوانين والقرارات الحالية ما زالت تستند إلى مواد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وفي الفترة الأخيرة جرى الاستناد إلى المادة 403 من القانون الخاصة بخدش الحياء.
إهانة السلطات
يذكر أن المواد في قانون العقوبات العراقي، والخاصة بإهانة السلطات، كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق.
وسبق أن أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر في 10 حزيران يونيو 2003، أمرا بإيقاف استخدامها، لكن أمر بريمر ألغي في ما بعد من قبل الدولة العراقية.
التواصل مع المنتقدين بدل توجيه الاتهام
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي جاسم الغرابي، أن “النظام الديمقراطي في العراق بعد 2003 منح حرية للإعلام والصحافة، ولكن هذه المساحة من الحرية تفهم أحيانا بطريقة خاطئة، فالحرية لابد أن تحتوي على قيود، فمثلا يجب أن تحفظ مكانة ورمزية بعض المسؤولين الكبار الذين يمثلون قمة هرم الدولة”.
ويوضح الغرابي، أن “المحللين السياسيين إذا وجهوا اتهامات ولديهم الدليل، فمن حقهم إثارة كل ما يريدون في الفضائيات وباقي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولكن إذا لم يكن لديهم دليل فهذه سابقة خطيرة”.
لافتا إلى أن “رئيس مجلس الوزراء، بالمقابل عليه أن يتفهم واقع الديمقراطية في العراق وأن يكون أبا وراعيا لهذه الشريحة الكبيرة”.
ويتابع أن “الحلول ستكون أفضل لو بعث السوداني أو مكتبه الإعلامي إلى منتقديه من أجل التواصل معهم بخصوص الاتهامات ليقوم بتصويبها أو تقديم الأدلة من قبلهم، حتى لو فسر البعض ذلك بأنه ضعف من قبل رئيس الوزراء فأن هذا الإجراء سيكون عين الصواب، لذلك على السيد السوداني أن يتعامل بأبوية وأن يتفهم موقف المحلل السياسي فبالنتيجة هي رؤية سياسية وما ينطق به المحلل أو الإعلامي مترسخ من ذهنية مهنية وعلمية”.
لافتا إلى أن “الإخوة محمد نعناع وليث شبر لا يستهدفون السوداني بشخصه، ولكن كانوا ينتقدون النظام السياسي في كلامهم”.
الانتقاد لغرض التسقيط
ويضيف الغرابي: “بالمقابل، على جميع الإعلاميين والمحللين السياسيين أن يحترموا المهنة وأخلاقيات العمل وما وفرته الديمقراطية، فإذا كان النقد بناءً وفيه دليل واقعي ليظهروا في الفضائيات والصحف وان ينتقدوا من يشاؤون، ولكن إذا الانتقاد لغرض التسقيط فهذا ما لا تقبله أخلاقيات المهنة”.
وتأتي إجراءات السوداني، بعد حملة قادتها وزارة الداخلية بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى، ضد ما أسمته بـ”المحتوى الهابط”، وعلى أساسها جرى اعتقال صناع محتوى وصدور أحاكم قضائية مشددة بحقهم.
كما سرت أنباء عن أن تنفيذ الاعتقال جرى بطريقة الهجوم على المنازل واقتياد المتهمين، أشبه بالمتهمين بجرائم الإرهاب.
وامتدادا لما سبق، فإن هيئة الإعلام والاتصالات تستعد لإقرار مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، والتي تضمنت بنودا تحد من حرية التعبير بشكل كبير، مع فرض عقوبات على المخالفين تبدأ بالغرامات وتنتهي بإحالة الملف للقضاء.
ومنذ فترة حاول البرلمان تمرير قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، حيث أدرجه على جدول أعماله قبل أن يرفع منها بضغط من بعض الكتل السياسية، ويأتي ذلك بعد طرح قانون جرائم المعلوماتية، الذي رفع من جدول الأعمال بضغط أيضا.