حرية – (8/4/2023)
أكد باحثون وخبراء أن التغييرات المناخية القاسية باتت تعد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الاتجار بالفتيات الصغيرات في الهند وإجبارهن على العمل في البغاء، وفقا لتقرير خاص نشرته صحيفة “إندبندنت” البريطانية.
وقالت الباحثة الاجتماعية، أفني ميشر، إن الهند شهدت في الأعوام الأخيرة ارتفاعًا بنسبة 28 في المائة تقريبًا في الاتجار بالبشر، وفقًا للبيانات الرسمية، حيث تم تسجيل 2189 حالة في العام 2021 .
وأوضحت أن تلك الاحصائيات قد لا تعطي أرقاما دقيقة مع وجود احتمالات كبيرة بشأن عدم الإبلاغ عن الكثير من الحالات، مضيفة: “على الرغم من عدم وجود دليل واضح على أن النساء والأطفال أكثر عرضة للخطر أثناء وبعد الأحداث المناخية القاسية إذا حدثت على نطاق واسع، ولكن هناك مؤشرات تدل على ذلك”.
وترى ميشرا أن تأثيرات أزمة المناخ ليست محايدة بين الجنسين، مردفة: “تلك الكوارث تؤثر على المرأة بشكل مختلف.. ولدينا دراسات تخبرنا أن النساء والأطفال أكثر عرضة للتأثر سلبيا بتغير المناخ”.
وتردف: “يحدث ذلك أيضًا لأن هناك بالفعل عدم مساواة بين الجنسين، وهذا الأمر يتفاقم أثناء تغير المناخ”.
وتضرب مثلا، قائلة: “إذا قضت الأم أثناء حدث مناخي شديد القسوة، فإنه يُنظر إلى الأطفال على أنهم ضعفاء، وعادة ما يرفض الأب تحمل المسؤولية، ويعتبرهم عبئًا ثقيلًا.. ولذلك يتم الاتجار بالفتيات أو بيعهن أو تزويجهن مبكرًا”.
وتابعت: “وفي حال مات الأب خلال حوادث الطقس فإن ذلك سوف يشكل تحدٍ لربات المنزل اللاتي يصبحن أمهات عازبات وأرامل، وبالتالي يصبح من الصعب الاعتناء بالمنزل”.
مأساة تارا.. وقصة رحيمة
ومن الفتيات اللواتي تعرض للاسترقاق الجنسي، تارا (اسم مستعار) والبالغة حاليا من العمر 13 عاما، والتي كانت تعيش مع عائلتها في إحدى القرى قرب غابة سونداربانس الاستوائية (مانغروف)، وهي إحدى أكبر الغابات العالمية من هذا النوع (140 ألف هكتار).
وتعاني تلك المنطقة من إعصار مرة كل 20 شهرًا في المتوسط، مما يجعلها من الناحية الإحصائية الأكثر تضررًا من العواصف في جميع أنحاء الهند.
وفي حين أن غابات المانغروف كانت توفر حماية جيدة من تلك الكوارث الجوية، وتمتص تأثير العواصف، بيد أن الدراسات أظهرت أن العواصف الاستوائية تتزايد شدتها وتواترها نتيجة لأزمة التغيرات المناخية، حيث ضرب إعصار ياس المنطقة بضراوة في مايو 2021، مما أدى إلى تدمير نحو 300 ألف منزل بشكل تام أو جزئي.
وكان التأثير المباشر لذلك الإعصار بمثابة ضربة قاصمة لعائلة تارا التي فقدت والدتها بعمر 6 سنوات، إذ أن والدها وبعد دمار منزلهم اضطر إلى ترك القرية للذهاب إلى كولكاتا للبحث عن عمل هناك، بينما سافرت هي للعيش عند خالتها في إحدى المدن القريبة عقب استحالة العيش في قرية غمرها الماء وباتت محاصيلها الزراعية خرابا.
وبعد فترة استغل زوج الخالة براءة تارا التي كان عمرها 11 عاما ليخدرها ويبيعها في العاصمة دلهي لعصابة من المتاجرين بالبشر الذين أجبروها على العمل في البغاء قبل أن تتمكن جدتها من استعادتها عقب جهود مضنية وبالتعاون مع إحدى المنظمات التي تدافع عن حقوق النساء والفتيات.
وتقول الجدة إن حفيدتها قد دخلت مرحلة من التأهيل الصعب، فهي عانت من اضطرابات نفسية جراء ما مرت به على مدى نحو عامين من الاستعباد، قبل أن تبدأ في التحسن، لتقول تارا إنها تأمل في مواصلة دراستها لتكون طبيبة أو معلمة في المستقبل.
وأما رحيمة خان، فلم تمانع في الحديث باسمها الحقيقي إذا كان ذلك سوف يساعد على التوعية بمخاطر الاسترقاق الجنسي والإتجار بالفتيات الصغيرات، على حد قولها.
ولا تختلف قصتها كثيرا عن تارا فهي تعرضت للخطف والإجبار على ممارسة البغاء بسبب الفقر الذي نجم عن التغيرات المناخية وتأثيرها على عائلتها و سكان قريتها.
وتوضح رحيمة أنها وجدت نفسها على بعد أكثر من 1600 كيلومترا عن منزل عائلتها، حيث تعرضت لشتى أنواع العنف والعذاب وإجبارها على شرب الكحول ومعاشرة العديد من الزبائن كل يوم إلى أن تمكنت من الفرار والعودة إلى أهلها.
وبدأت مأساة رحيمة بعد أن دمر الإعصار منزل عائلتها وغمر القرية بالمياه مما أجبر والدها على الانتقال إلى المدينة، حيث عمل سائقا في حين امتهنت والدتها خدمة المنازل.
وجراء تلك الظروف الصعبة، عرض بعض الأشخاص على رحيمة التي كانت تبلغ وقتها من العمر 12 عاما أن تعمل في المنازل لمساعدة عائلتها، ولكنهم كما تقول خدعوها وقاموا بتخديرها ونقلها إلى مكان بعيد للعمل في الدعارة.
ولا يزال الاستقلال المالي حلمًا بالنسبة لرحيمة، التي تبلغ حاليا من العمر 25 عاما، حيث تقول إنها بصدد تقديم استئناف إلى المحكمة بشأن حكم تعويض قضى لها بالحصول على مبلغ 300 ألف روبية (حوالي 3726 دولار أميركي) بعد معركة قانونية استمرت خمس سنوات.
وتابعت: “أرغب في تعويض مادي أكبر، لأنه ما حصلت عليه من الحكم السابق لا يعد شيئا مقارنة بكل ما مررت به”.
وختمت بالقول:”أريد أن يكون لدي عمل خاص بي. إذا كان لديّ عملي الخاص، فلن أضطر إلى طلب المساعدة من أي شخص ولن يتمكن أحد من استغلالي أبدًا”.