حرية – (16/4/2023)
تضم تونس قرابة ستين جزيرة موزعة على كامل شريطها الساحلي المطل على الحوضين الشرقي والغربي للبحر الأبيض المتوسط، باعتبار أن تونس وإيطاليا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تشرفان على الحوضين اللذين يربط بينهما مضيق صقلية ويفصل البلدين عن بعضهما البعض. ونتيجة لهذا التداخل في الأراضي وفي المياه الإقليمية للبلدين، فإن هناك جزراً كانت تحت سيطرة إيطاليا، وآلت لاحقاً إلى السيادة التونسية، وأخرى كانت خاضعة لتونس فأصبحت إيطالية بعد حوادث عدة أدت إلى تحولات تاريخية.
استعادة السيطرة
فجزيرة جالطة على سبيل المثال، والواقعة في أقصى شمال تونس قبالة مدينتي بنزرت وطبرقة، كانت تقطنها وتسيطر على ثرواتها عائلات إيطالية، وتتخذ من نشاط الصيد البحري مورد رزق أساسياً لها. لكن تونس المستقلة أواسط القرن الماضي أجلت الإيطاليين منها، وأخضعتها لسيادتها، وأقامت فيها ثكنة عسكرية تسهر على مراقبتها وتفرض سيادة التونسيين عليها. ولا يمكن اليوم زيارة جالطة التي تتمتع بجمال خلاب واستثنائي وشواطئ جميلة ونظيفة وغابات وجبال يعشقها هواة التخييم، وعلى حيوانات نادرة مثل الفقمة والماعز البري المتوحش وغيرها، إلا بإذن من وزارة الدفاع التونسية.
أرخبيل جالطة.
كما أن جزيرة طبرقة شمال غرب البلاد كانت تحت سيادة جنوى من سنة 1542 إلى سنة 1741، عندما ضمها التونسيون وطردوا مستوطنيها الإيطاليين الجنَوِيين الذين رحلوا إلى جزيرتي كورسيكا الفرنسية وسردينيا الإيطالية وجزر إسبانية أخرى. واليوم تم ربط هذه الجزيرة بالأراضي التونسية حتى يصعب الاستيلاء عليها مجدداً من الإيطاليين أو من غيرهم، لكن الحصن الجنوي بقي صامداً فيها وتحول إلى منارة لهداية السفن ومزاراً للسياح الوافدين إلى مدينة طبرقة…
مدينة طبرقة.
فقدان السيادة
في المقابل، فإن جزيرة صقلية التي كانت تحت سيادة قرطاج في عصور ما قبل ميلاد المسيح، ولدولة الأغالبة في مدينة القيروان التونسية خلال الفترة الإسلامية، هي اليوم جزء من الأراضي الإيطالية، وفيها مخزون أثري تونسي هام، قرطاجي وإسلامي. وجزيرة سردينيا الإيطالية بدورها كانت مركزاً قرطاجياً تونسياً هاماً لمراقبة الرومان وتحركاتهم في جنوب أوروبا منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وفقدها القرطاجيون بعد انهيار إمبراطوريتهم على يد الرومان بعد قرون من المجد والهيمنة.
جزيرة صقلية في إيطاليا.
وفي ما يتعلق بجزيرة بنت الرياح، يقال إن أحد ملوك الحسينيين الذين حكموا تونس من سنة 1705 إلى حدود سنة 1957، تاريخ إنهاء الحكم الملكي وإعلان تونس جمهورية، قد أهداها للإيطاليين الذين حرفوا اسمها فأصبحت اليوم إيطالية وتسمى بنتالاريا. ويروج البعض ما مفاده أن ثمن الجزيرة كان جارية أهداها الإيطاليون للملك التونسي واستفادوا من ورائها بواحدة من أجمل جزر المتوسط والواقعة على مضيق صقلية، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة من مدينة قليبية التونسية.
تسميات إيطالية
وللإيطاليين تأثير على تسمية الكثير من الجزر التونسية، حيث أطلقوا تسميات إيطالية احتفظ بها التونسيون على غرار جزر “زمبرا” و”زمبريتا” و”لانتورشو” التي تقع جميعها قبالة منطقة الوطن القبلي وفي مدخل خليج تونس. وكانت جزيرة زمبرا تُستغل في نشاط الغوص في الأعماق، وتضم فندقاً سياحياً يقصده هواة الغوص، لكنه اليوم بات مهجوراً كما الجزيرة التي لم تبق فيها إلا قوات الجيش التونسي التي تبسط سيادتها عليها، وذلك رغم جمالها وقدرتها الفائقة على الجذب السياحي بجبالها وغاباتها وشواطئها وحيواناتها ونباتاتها.
وهناك أيضاً جزيرتا “قوريا” و”كونيليارا” الواقعتان قبالة مدينة المنستير في وسط البلاد، واللتان يبدو أن البحارة الإيطاليين هم من أطلق عليهما التسميتين اللتين حافظ عليهما الجانب التونسي ويتم اعتمادهما رسمياً. وتُستغل قوريا اليوم من الجمعيات البيئية في تربية سلاحف البحر لحمايتها من الانقراض، ويقصدها البعض صيفاً للتنعم بالسباحة في شواطئها المتوسطية الجميلة، الهادئة والنظيفة.
جزيرة قوريا.
ومن التسميات الإيطالية أيضاً جزيرة بيلو التي تقع قبالة منطقة رفراف التابعة لولاية بنزرت شمال شرقي البلاد التونسية، والتي أطلق عليها التونسيون تسمية أخرى. وتقع جزر أخرى غير بعيدة من بيلو، وبالولاية نفسها أي بنزرت، على غرار القاني الكبير والقاني الصغير والمنبسطة وجزيرتي رشادة الأخوان وكلها تسميات تونسية.
آثار الهيمنة
وفي ما يتعلق بأهم الجزر التونسية على الإطلاق من حيث المساحة والسكان والنشاط السياحي والفلاحي والاقتصادي عموماً، أي جزيرة جربة، فإن تسميتها تونسية ولا علاقة للإيطاليين بها، فيما تعود جذور تسمية أرخبيل قرقنة إلى الإغريق حيث كانت كبرى جزر هذا الأرخبيل تسمى كيرانيس، وتطورت التسمية عبر الزمن إلى أن أصبحت قرقنة التي يشتهر سكانها الموزعون على قرى عدة في الجزيرة بنشاط الصيد البحري، وهي ترتبط بمدينة صفاقس جنوب شرق البلاد بسفن تسمى اللود، تنقل سكانها وسياراتهم وشاحناتهم ودراجاتهم يومياً من صفاقس وإليها.
جزيرة جربة.
وتبقى الآثار التونسية، سواء تلك التي تعود إلى العصر القرطاجي أو الإسلامي، والتي تضمها جزر إيطاليا وأراضيها القارية، وكذلك الآثار الرومانية التي تضمها تونس بأراضيها القارية وجزرها خير شاهد على هذا الصراع الخفي والرغبة في الهيمنة من كلا الطرفين.