حرية – (18/4/2023)
كارثة على الأبواب, بسبب تغير المناخ وسوء إدارة المياه، فإن أجزاء كثيرة من العراق في طور التصحر. تمثل هذه الظاهرة خطراً على المواقع التي يبلغ عمرها ألف عام.
هذا ما نقلته بعض الصحف الفرنسية. واقعة مقلقة نقلها عالم الآثار العراقي عقيل المنصراوي عن أن “أمواجاً” من الرمال غطت جزئياً المعبد القديم المخصص للشرع، في موقع “أم العقارب” الأثري، وهي واحدة من أهم المدن السومرية في جنوب بلاد ما بين النهرين.
كلام صادم نقله المنصراوي إلى صحيفة الـ”فيغارو” الفرنسية، مشيراً إلى أن مساحة المدينة تصل إلى 5 كلم مربع، وبلغت مجدها نحو عام 2350 قبل الميلاد، وإلى أن الرمال باتت “تغطي جزءاً كبيراً من الموقع”.
لفتت المقالة إلى أن جفاف المناخ يهدد بقايا “أم العقارب” كما هي الحال في العديد من المواقع الأثرية العراقية الأخرى. وتتحمل هذه الأماكن القديمة التي لا تخضع لرقابة كافية وطأة بعض تداعيات تغير المناخ، التي تظهر من خلال زيادة الملوحة، وقبل كل شيء، ظهور العواصف الرملية المتكررة بشكل متزايد في العراق.
الرمل والملح
وذكر المنصراوي في شرحه العلمي أنه “في السنوات العشر المقبلة، تشير التقديرات إلى أن الرمال ربما ستغطي من 80 إلى 90 في المئة من المواقع الأثرية في جنوب العراق، ما سيفرض على البعثات الأثرية بذل المزيد من الجهد للتطهير قبل البدء في التنقيب”.
وذكر أستاذ الآثار في جامعة القادسية العراقية جعفر الجوثيري أن الرياح أصبحت الآن “محملة بالغبار أكثر” وتحمل معها بعض التربة، وبخاصة الرمال والطمي، التي تنتج التعرية وانهيار المباني القديمة، مشيراً إلى أن “ذلك مرتبط بقدوم فصول الشتاء الأكثر جفافاً، وزيادة فترة أكثر سخونة في الصيف من خلال تجاوز درجة الحرارة 50 درجة والتي تضعف التربة وتجزئها بسبب نقص الغطاء النباتي”.
وذكر المنصراوي أنه يبحث عن إحدى بقايا “أم العقارب” المدفونة جراء اجتياح عشرات العواصف الرملية العراق في عام 2022، وهي ظاهرة زادت منذ عقد واحد فقط.
أستاذ علم آثار الشرق الأدنى في كلية لندن الجامعية مارك الطويل أفاد بأنه عندما “يتبخر الماء بسرعة كبيرة، تبقى بقايا الملح بكميات كبيرة جداً، وهي تلتهم كل شيء، ما يجعل امتداد التصحر على 39% من أراضي العراق”.
وذكرت تقارير الأمم المتحدة، أن العراق من بين البلدان الخمسة الأكثر عرضة لبعض التداعيات المقلقة جراء التغير المناخي، وبخاصة الجفاف المطول، وهذا واضح خاصة على تراجع منسوب نهري دجلة والفرات جراء نقص هطول الأمطار.
بالنسبة إلى كثيرين، فإن السلطات تتشير خاصة إلى السدود التي بنتها تركيا وإيران عند منابع الأنهار، والمسؤولة وفقاً لبغداد عن انخفاض تدفق المياه إلى دجلة والفرات.
والأسوأ من ذلك أن المزارعين يلجأون إلى الري بالغمر، وهي تقنية تعتبر على نطاق واسع مضيعة ضخمة. لكن نقص الماء دفع إلى هجرة مقلقة للمزارعين والرعاة العراقيين إلى المدن على أمل البقاء على قيد الحياة.
بعد أن يترك المزارعون أراضيهم، تصبح التربة أكثر عرضة للرياح التي تحمل الرمال والطمي، كما ذكر جوثيري. في نهاية عام 2021، جادل الرئيس السابق إبرهيم صالح بأن “التصحر يؤثر على 39% من الأراضي العراقية، وهو رقم من المتوقع أن يزداد”.
في ظل عجز المسؤولين الرسميين عن حماية التراث الأثري العراقي في هذا البلد، حيث الفساد منتشر في كل مكان وحيث يعيش ثلث السكان في فقر، مع معلومة مهمة هي أنه يتم إهمال المواقع الأثرية رغم المكاسب النفطية غير المتوقعة في البلد نفسه.
مدير الآثار في ذي قار المحافظة التي تقع فيها “أم العقارب” شامل إبراهيم، أعلن أن الحكومة “تعمل على احتواء الكثبان الرملية”.
وأضاف أنه سيتم زرع “حزام أخضر” مصنوع من الأشجار في المنطقة بكلفة تصل الى 5 مليارات دينار، أي نحو 3.5 ملايين يورو. ومع ذلك، لا يزال جعفر جوثيري متشككاً، لأن الحفاظ على الغطاء النباتي يحتاج إلى الكثير من الماء في ظل تفشي التصحر في البلد وعجز المواطن عن مواجهة العواصف المتزايدة للرمال والصحراء.