حرية – (20/4/2023)
كشف أحدث نزاع عشائري شهده العراق وتسبب بخروج قضاء النصر بمحافظة ذي قار (جنوبي العراق) عن سيطرة الأجهزة الأمنية، عن “العجز الحكومي” في معالجة هذا الملف، وسط مطالبات بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وتشريع قوانين تتناسب مع حجم هذه النزاعات.
وتفجر الوضع في قضاء النصر، أمس الأربعاء، بعد مقتل شيخ عشيرة العتاب وإصابة نجله بجروح بهجوم مسلح استهدف منزلهما، حيث أشارت التحقيقات الأولية بحسب مصدر أمني لوكالة شفق نيوز، إلى أن الجريمة ارتكبها أفراد ينتمون لعشيرة آل حاتم بسبب خلاف على عجلة.
وعلى الرغم من إعلان قائد شرطة محافظة ذي قار، اللواء مكي الخيگاني، استعادة أمن المحافظة والسيطرة على قضاء النصر، بعد ساعات من اندلاع النزاع العشائري الطاحن، إلا أنه كشف في الوقت نفسه عن ضعف الأجهزة الأمنية المسيطرة على الأرض، مقابل امتلاك المواطنين أسلحة فوق المتوسطة.
بؤر السلاح
ويؤكد شيوخ عشائر، أن المجتمع بات مسلحاً نتيجة تزايد الكيانات والفصائل المسلحة، فضلاً عن الأحزاب التي بدأت العشائر تلجأ إليها لحل النزاع فيما بينها بدلاً عن العُرف العشائري وشيخ العشيرة، في ظل غياب قانون يُنظّم عمل العشائر، ما أدى إلى نهاية وجود العنصر العشائري الحقيقي الفاعل.
ويقول النائب عن محافظة ذي قار، عارف الحمامي، إن “النزاعات العشائرية تشكل خطراً جسيماً على النسيج الاجتماعي، وتضرب العلاقات الموجودة في المحافظات الجنوبية”، مبيناً أن “هناك مناطق وبؤر فيها أسلحة ثقيلة وقاذفات صواريخ ومدافع رشاشة”.
ويحمّل الحمامي خلال حديثه له، الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولية ما يحدث في المحافظات الجنوبية، وخاصة محافظة ذي قار، مطالباً بـ”تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب، ومتابعة تنفيذ أوامر القبض التي تصدر بحق مرتكبي الجرائم”.
مسؤولية الحكومة
ويتفق شيخ عشائر البزون، الشيخ عماد البوعوجه، مع عارف الحمامي، بأن “المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لعدم حصرها للسلاح المنتشر الذي وصل إلى مستوى الهاون من أعيرة 60 و80 و120ملم، و RBG7 وغيرها من الأسلحة المدمّرة للمجتمع”.
ويشير الشيخ البوعوجه، إلى أن “المجتمع بات عسكرياً ومسلحاً وازدادت فيه الكيانات والفصائل المسلحة والأحزاب، وبدأ في بعض الحالات لا يلتجأ إلى العرف العشائري وشيخ العشيرة لحل النزاع، وإنما يلتجأ إلى الكيان السياسي، وهذا محزن”.
ويوضح “من قام باغتيال شيخ عشيرة العتاب في محافظة ذي قار، الشيخ جميل حاتم العتابي، هي مجموعة خارجة عن القانون، لذلك على الدولة أن تكون اليد الضاربة على هؤلاء الأشخاص حتى لا تكون الحياة أشبه بغابة، والصراع يكون من أجل البقاء”.
فصل العشائر عن السياسة
وهذا ما يذهب إليه أيضاً أحد وجهاء وشيوخ محافظة البصرة، الشيخ محمد الزيداوي، حيث يؤكد أن “ضعف الأجهزة الأمنية المسيطرة على الأرض، وتبعية أجهزة أمنية إلى أنظمة سياسية، وانتشار سلاح قوى سياسية في المجتمع باسم العشائر، وعدم إصدار قانون يُنظّم عمل العشائر أسوة بالفترة الملكية، ونسج الواقع السياسي من قبل بعض الأحزاب مع الواقع العشائري، أدى إلى نهاية وجود العنصر العشائري الحقيقي، فضلاً عن لبس الكثير من الشخصيات السياسية العقال العشائري لأغراض انتخابية”.
ويضيف الزيداوي الذي يصف نفسه بـ”المختص الوحيد على مستوى العراق بالنزاعات العشائرية والواقع العشائري”، أنه “تم تقديم مقترح وبحث متكامل لرؤساء وزراء عراقيين سابقين لسحب الأسلحة من العشائر، يتضمن شراءها ومنع المتاجرة بها وعدم إعطاء تراخيص بحملها”.
ويتابع “لكن وجدنا أن المطالب الثلاثة أعلاه تدخل في قضية الاستحواذ على الصوت العشائري، عن طريق الهدايا أو إعطاء التراخيص أو نوعاً من المتاجرة”.
ويؤكد “كذلك طالبنا بأن تُستبدل قطعة السلاح بفرصة عمل، وشراء الأسلحة من الأهالي، وإيجاد قانون عشائري يُنظّم عمل شيخ العشيرة، وإبعاد الواقع السياسي عن العشائر، لكن لا توجد آذان صاغية”.
ويكشف الزيداوي، أن “معظم الدكات العشائرية كيدية، والكثير ممن اتهموا بالقوانين المتعلقة بها من المادة 430 والمادة 4 إرهاب، كانوا ناشطين ومن الشخصيات المؤثرة في المجتمع، لكن تم استغلال هذه الثغرة للخلاص منهم، من قبل بعض الشخصيات والكيانات السياسية”.
بعضها قضايا تافهة
من جهته يشير رئيس مجلس عشائري سابق في محافظة البصرة، الشيخ رائد الفريجي، إلى أن “النزاعات العشائرية أحياناً تندلع على قضايا تافهة وتؤدي إلى قتلى وإصابات وإرباك للوضع الأمني، في ظل عجز حكومي لمواجهة هذا الملف، لذلك يجب تشريع قانون يتناسب مع حجم هذه النزاعات، ووضع خطة متكاملة لإنهائها”.
ويؤكد الفريجي خلال حديثه له ، على ضرورة “القبض على مثيري النزاعات العشائرية حتى وأن كانت خلفهم جهات سياسية، فلا بد أن تُطال يد القانون هؤلاء الذين يحملون السلاح، ويثيرون المشاكل في المجتمع”.