حرية – (20/4/2023)
شربل صفير
أثارت حادثة هرب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق، سعد حميد كمبش، المتهم بقضايا فساد والمحكوم بالسجن مدة أربع سنوات، من مركز احتجازه في “المنطقة الخضراء”، وسط العاصمة العراقية بغداد، التي تعدّ من أكثر المناطق تحصيناً في البلاد، موجة من ردود الفعل بشأن التعامل مع المسؤولين في مراكز الاحتجاز، وتلقيهم معاملة خاصة (VIP) حسب قول بعض النواب.
وما أثار حفيظة العراقيين من قصة هروب كمبش هي التفاصيل التي شبّهها البعض بأفلام هوليود، إذ كشف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، عن أن كمبش الذي صدر بحقه قبل 9 أيام حكم بالحبس المشدّد لمدة 4 سنوات تمكّن من الفرار من الجهة الخلفيّة لمركز شرطة كرادة مريم في الساعة 10:30 من مساء الثلاثاء بمساعدة 3 أشخاص، حيث كانت هناك عجلتان بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة. وأمام ما حصل، أين الرقابة الأمنية السّريّة لما يجري داخل السجون؟ وهل عجزت فعلاً الجهات المعنيّة بهذا الملف عن إيجاد آليات تواجه فيها هذه المحاولات المتكرّرة؟
هروب مدبّر
وفي بيان صحفي صدر الأربعاء عن رسول، أوضح أن هروب كمبش جاء بعد مغادرة شقيقته النائبة في البرلمان العراقي أسماء حميد كمبش المركز التي زارته يومها وقت الإفطار، مؤكداً أن الأجهزة المختصّة باشرت التحقيق ووضعت يدها على الوثائق والأدلّة كما ألقت القبض على كل من له علاقة بالهروب والأطراف التي سهّلت ذلك.
وأثارت حادثة هروب كمبش تساؤلات عدة، لا سيما ما يتعلق باستمرار احتجازه في مركز للشرطة بعد إدانته قضائيا، وهو ما يعني أنه كان من المفترض أن يُرَّحل إلى سجون وزارة العدل، فضلا عن حقيقة وجود سجون من الدرجة الأولى (VIP) تتمتع بخدمة 5 نجوم وخارجة عن ضوابط السجون العراقية، وهو ما أشارت إليه بكل وضوح عضو لجنة النزاهة البرلمانية عن تحالف الجيل الجديد سروة عبد الواحد في تغريدة لها على تويتر.
تواطؤ مفضوح!
وتعليقاً على هذه الحادثة، رأى مستشار مؤسسة رؤى للدراسات، غانم العابد، أنّ فرار كمبش فتح الباب واسعاً أمام مسلسل “هروب السجناء” الذي لم تنتهِ السلطات العراقية بعد من كتابة حلقته الأخيرة حتى الآن، وهو ما يؤرق الشارع العراقي المثقل أصلاً بالهاجس الأمني.
وأضاف العابد في اتصال مع “جسور”، أنّ السجون العراقية شهدت في الفترة الأخيرة عمليات هروب خطرة لسجناء ينتمون إلى تنظيمات متطرّفة كتنظيمي “القاعدة وداعش” الإرهابيين وبأعداد كبيرة جداً، حدثت كلّها بناء على صفقات مشبوهة أو عمليات تواطؤ من مسؤولين ونافذين في الدولة العراقية أو حتى من قبل المشرفين على السجون الذين يرتبطون بأطراف سياسية.
وتابع: “في منتصف يناير/ كانون الثاني عام 2011 حدثت عملية هروب 12 سجينا ينتمون لتنظيم القاعدة وذلك من سجن القصور الرئاسية في محافظة البصرة جنوبي البلاد متّهمون بحوادث تفجير إرهابية حدثت في المحافظة وراح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح.”، مضيفاً أنه ألقي القبض على شخص واحد منهم فقط، وجاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق وقتها المشكّلة من قبل مجلس النواب للتحقيق في الحادث أن مكتب الأمن والمتابعة التابع لرئيس الوزراء مسؤول عن عملية تهريب السجناء، وأقرّت هذه اللجنة بعد التحقيق مع السجين المعتقل أنّ عملية الفرار لم تكن من تخطيط السجناء، إنما مدبّرة وبمساعدة من ضباط كبار.
وفي السياق، بيّن العابد أنه في يوليو/ تموز 2013 حدثت أكبر عملية هروب لقيادات مهمّة في تنظيم القاعدة، حيث تمكّن حوالي 500 سجين من الفرار بعد هجوم شنّته القاعدة على سجني التاجي وبغداد المركزي (أبو غريب) والذي أكد وقتها وزير العدل العراقي الأسبق، حسن الشمري، أن العملية تمّت بتواطؤ من حرّاس داخل السجن، وأن القوات الأمنية المسؤولة عن حماية إدارة أمن سجن أبو غريب كانت قد انسحبت منه قبل اقتحام عناصر تنظيم القاعدة السجن والهروب منه قبل أشهر.
وفي الموصل وقبل أشهر قليلة من سيطرة تنظيم داعش عليها في يونيو/ حزيران 2014، وبحسب ما ورد في لجنة التحقيق النيابية بسقوطها، يقول العابد لـ “جسور” إنه تمّ الإفراج عن قادة من الخط الأول لتنظيم داعش، وذلك بعد إلقاء القبض عليهم قبل مثولهم أمام القضاء مقابل مبالغ مالية، أمثال “رضوان طالب الحمدوني” الذي اعتقلته قيادة عمليات نينوى قبل شهرين من سقوط الموصل وأُطلق سراحه مقابل مبلغ 70 ألف دولار، وهذا الشخص نصّبه داعش والياً على الموصل بعد سيطرته عليها.
و”عزيز المنديل” مسؤول المالية للتنظيم والذي أُطلق سراحه بمقابل 40 ألف دولار، و”خالد الجوري” وهو من قادة داعش اُعتقل في آذار 2014 وأُطلق سراحه، و”يوسف الجوري” أحد قيادات داعش أعتقل وأطلق سراحه أيضاً، هذا فضلا عن “حسن سعود” الملقّب (أبو طالوت) أحد قيادات داعش ثم عُيّن والياً على الموصل بعد سيطرة داعش عليها اعتقل وأطلق سراحه مقابل مبلغ مالي.
ويشير العابد إلى وجود حالات أخرى لمسؤولين فاسدين أيضاً فروا قبل أن يتم اعتقالهم وأصبحوا خارج الحدود كمحافظ البصرة الأسبق، “ماجد النصراوي” المتهم بالفساد لكنّه استبق الجميع وفرّ من البصرة اتجاه إيران، وأيضاً وجّهت أصابع الاتهام فيها إلى السلطات العراقية بالتواطؤ وتسهيل هروبه.
ولفت العابد، أن قضية هروب كمبش فضحت ظاهرة السجون الخاصة والتمييز في تنفيذ الأحكام القضائية والإفلات من العقاب، مبيناً أن هذه الحادثة تعد ثاني أكبر تحدٍ تواجهه حكومة السوداني بعد اضطرابات محافظة ديالى الأمنية الشهر الماضي، والتي تكمن خلفها أيضاً جملة من التشظيات السياسية التي انعكست على مستوى الاتفاقيات السياسية لتشكيل الحكومة الحالية.
توضيح قانوني
بدوره، شرح الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، العقوبات القانونية الخاصة بهروب السجناء. وقال في تصريح لـ “جسور”، إن قانون العقوبات في المواد 267 الى 273 منه عاقب بعقوبات مختلفة على الهروب من التوقيف والسجن والتهريب والمساعدة والايواء تتراوح بين السجن لعشر سنوات إلى الحبس وغرامات مختلفة وهي حالة متكرّرة في العراق منذ 2003 إلى الان، فقد هرب سجناء من أبي غريب والتاجي وفي محافظات مختلفة سابقا وهو مؤشر سلبي لأن هذه الأماكن تحتاج إلى أن تكون محصنة لتعلقها بهيبة الدولة والحق العام والعدالة المجتمعية. وتعود أسباب هروب السجناء إلى الفساد وسوء الإدارة السجنيّة وعدم تطبيق القانون بشكل صارم. وفي بعض الأحيان، يكون الهدف من هروب السجناء هو للتغطية على ملفات فساد تشاركية.
وكشف التميمي، عن أن الرقابة على المواقف تختلف منها على السجون حيث تخضع المواقف والتسفيرات إلى رقابة الادعاء العام وقضاة التحقيق وأيضا الأجهزة الاستخباراتية المختصّة وفق قانون الأصول الجزائية وأيضا مفوضية حقوق الإنسان، أما السجون فتخضع لرقابة مفوضية حقوق الإنسان والادعاء العام والبرلمان، مشيرا إلى أنه وفق قانون إدارة السجون الجديدة، لا يمكن أن يبقى المحكوم في التسفيرات لهذه المدد الطويلة مع وجود الاعداد الهائلة، وهذا يحتاج إلى مراجعة كبيرة بهذا الجانب.
وأضاف: أما إقالة المسؤولين فيكون من جهات مختلفة منها مجلس المحافظة والبرلمان ورئيس مجلس الوزراء وفق إجراءات مفصّلة، والحل ليس في ذلك، بل بتفعيل الجهد الاستخباراتي وإنهاء قضايا الموقوفين وحسم موضوع التسفيرات. وأكد التميمي أن التحقيق مع المتّهمين في تهريب السجناء، يعتمد على كاميرات المراقبة وشهود الحادث، فضلاً عن سجّلات الحراسة الليلية والشهود من بقية السجناء الموقوفين، معتقداً أن تحقيق المحكمة أكثر نجاحاً من لجان التحقيق.
وكان كمبش قد اعتقل في مارس/آذار الماضي من منزله بقضاء بعقوبة مركز محافظة ديالى (شرقا)، على خلفية قرار أصدرته هيئة النزاهة الاتحادية بتهمة ارتكابه خروقات مالية بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار، بعد اتهامه بالتلاعب جاءت على إثر تلاعب في بناء مساجد ومآذن وفنادق، حيث صدر بحقه حكم قضائي حضوري بالحبس المشدد لمدة 4 سنوات.