حرية – (22/4/2023)
رامي الشاعر
صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال جلسة لمجلس شؤون الإدارة الذاتية المحلية مؤخرا، بأن الاتجاه العالمي نحو التعددية القطبية سيتعزز ويزداد.
وشدد الرئيس على أن الفشل والخسارة ستكون حتما من نصيب من يعرقلون ذلك ويقفون في طريقه، حيث أن هذه النزعة نحو التعددية القطبية في العالم حتمية ولا مفر منها، ووصف تلك الحقيقة بأنها “واضحة وضوح الشمس”.
إن ما يجعل تلك النزعة “واضحة وضوح الشمس” هو ما نراه حولنا من مؤشرات في الآونة الأخيرة، وهو ما يجب أن نلتفت إليه بحرص ودقة شديدين.
فمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، وخلال اتصال هاتفي تلقاه وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، مساء الخميس الماضي، تبادل الوزيران التهنئة بالعيد، ثم بحثا “الخطوات المقبلة” التالية لعودة العلاقات بين البلدين المنقطعة منذ عام 2016. والاتفاق السعودي الإيراني في حد ذاته هو زلزال سياسي في المنطقة، سيكون له تداعياته الإيجابية بلا أدنى شك.
زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، 20 مارس الماضي، وهي الزيارة الخارجية الأولى لشي جين بينغ بعد إعادة انتخابه رئيسا للبلاد لولاية ثالثة، كانت بمثابة إجابة قاطعة على من تشكك في موقف الصين من روسيا، لا سيما بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، وحملت الزيارة تأكيدا على مستوى رفيع من التعاون والتفاهم غير المسبوق بين موسكو وبكين. وردا على انتقاد وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين لتلك الشراكة، التي اعتبرتها الوزيرة “علامة مقلقة على عدم جدية بكين بشأن إنهاء الصراع في أوكرانيا”، صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين بأن الصين وروسيا “تلتزمان دائما بمبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف أطراف ثالثة، وقد طور البلدان نوعا جديدا من العلاقات بين القوى الكبرى على أساس من الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون متبادل المنفعة. وليس من حق أي دولة أجنبية التدخل في العلاقات الصينية الروسية”.
وفي زيارته الأولى للصين، دعا الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، البلدان في جميع أنحاء العالم التخلي عن الدولار الأمريكي لصالح التداول بعملة مشتركة أو عملات وطنية موجودة، وهو ما فعلته البرازيل في تجارتها الخاصة مع الصين قبل أسابيع فقط. جاءت التصريحات في بنك التنمية الجديد، الذي يعمل كمؤسسة مالية لمجموعة “بريكس”. وتبدو أحد الأسباب الرئيسية للتحول نحو استخدام العملات الوطنية في التجارة بين الدول هو استخدام الدولار الأمريكي في فرض عقوبات وقيود اقتصادية على دول أخرى، وهو ما تجلى بوضوح خلال الأزمة الأوكرانية، وكان بمثابة رصاصة موجهة رأساً إلى ثقة الدول حول العالم في النظام الاقتصادي والسياسي الراهن، الدول التي شاهدت بأم عينيها كيف يقوم الغرب بالسطو على أصول البنك المركزي الروسي والتي تبلغ 300 مليار دولار، علاوة على 20 مليار دولار من الأصول الخاصة المملوكة لرجال الأعمال الروس، وإضافة إلى الممتلكات العينية من العقارات والسفن وأصول الشركات واللوحات الفنية وغيرها.
كذلك فقد شهدت قمة البريكس الأخيرة التي عقدت في بكين، يوليو من العام الماضي، استقطاب 19 من قادة العالم، وشهدت طلبين جديدين من الأرجنتين وإيران للانضمام إلى الكتلة، وذلك بعد السعودية والجزائر ومصر.
وهل يعقل أن يظل العالم يرزح تحت نير الهيمنة الأمريكية والغربية عليه بعد ما جرى خلال العقد الأخير، والذي نذكر منه على سبيل المثال لا الحصر ما شهدته دول مثل العراق وليبيا وأفغانستان وأوكرانيا وقانون “قيصر” في سوريا والتحكم بنظام سويفت و”طرد روسيا من رحمته”، والتهديدات ضد الصين، والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة ضد روسيا وغيرها. وهل يعقل بعد كل الجرائم التي راح ضحيتها مئات الآلاف، بل الملايين من البشر الذين قتلوا بدم بارد في جميع الدول التي لم توافق على السياسات الأمريكية، ولم تخضع لقواعد “الحرية والديمقراطية على الطريقة الأمريكية”، حتى ولو كان ذلك على حساب العادات والتقاليد والقوانين المحلية.
لقد حدث ذلك خلال العشر سنوات الأخيرة فحسب، لكن ما يحدث في أوكرانيا خلال العام المنصرم وحده هو قمة تلك الجرائم المريعة، حيث يتم إمداد أوكرانيا بكل ما يلزمها للانتحار، ويوفر حلف “الناتو” لها كل ما تطلبه من أسلحة حتى “تستنزف” روسيا باستخدام أبناء شعبها وشعبنا الأوكراني الشقيق، يريدون لأوكرانيا الفناء والحرب حتى آخر أوكراني، وكل ذلك من أجل الحفاظ على الهيمنة وعرقلة نزعة التعددية القطبية، وهو أمر مستحيل.
لقد كان تفكك الاتحاد السوفيتي هو نقطة البداية، حينما توهمت الولايات المتحدة الأمريكية أنها بذلك أصبحت القوة العظمى “الوحيدة” في العالم، ولم تلق بالاً إلى أي مصالح أمنية أو سياسية أو اقتصادية، وهو ما تحدث عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، 10 فبراير 2007، وانتقد الهيمنة الاحتكارية للولايات المتحدة في العلاقات الدولية، والاستخدام المفرط للقوة في العلاقات الدولية دون قيود، حتى أن أحدا لم يعد يشعر بالأمان، وهو ما يحفّز سباق التسلح.
لم تلق الولايات المتحدة ولا الغرب بالاً لهذا الخطاب، الذي أراه بداية التنبؤ بالمشكلة التي بدأت تلوح في “الثورة البرتقالية” بأوكرانيا 2004، ثم مشكلة جورجيا 2008، فانقلاب أوكرانيا 2014، لتصبح النتيجة المنطقية ما طرحته روسيا نهاية عام 2021 من إنذار أمني أخير، دفاعا عن أمنها القومي، ثم العملية العسكرية الخاصة في 24 فبراير 2022.
إن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا الآن تمثل رمز التحول إلى العالم متعدد الأقطاب، بعد أن انتبهت غالبية شعوب العالم إلى حقيقة النظام العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية دون وجه حق. وأنا على يقين من أن خروج الدولار بالتدريج من التجارة العالمية، وظهور تكتلات تدافع عن مصالح الدول بمساواة وندية وعدل، سيسرع من تلك العملية التي تتسارع خطواتها على طريق التعددية القطبية التي تتضمن نظم وقوانين دولية عادلة تضمن ازدهار كل دولة بحسب إمكانياتها ومتطلبات شعوبها للعيش والاكتفاء والتطور، وهو ما يعنيه بوتين بقوله إن تلك النزعة “واضحة وضوح الشمس”.
ووضوح الشمس الذي ذكرته في عنوان مقالي هو أيضاً بداية إشراقة شمس جديدة في فلسطين والعالم العربي، والتي سيرافقها انتهاء معاناة شعوبنا: الفلسطيني والسوري واليمني والعراقي والليبي واللبناني والسوداني. وأنتهز هذه الفرصة لأهنئ الجميع بعيد الفطر المبارك أعاده الله عليكم باليمن والبركات، وعيد مبارك.