حرية – (25/4/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
تعمل إيران على إجراء تغييرات جذرية في أساليب نشاطها وآلياته في عدد من البلدان العربية، لا سيما سوريا، من ضمن مساعيها لمواكبة الاتفاق الذي عقدته مع المملكة العربية السعودية برعاية الصين، بما يتماشى مع مضمونه وفحوى بنوده التي لا يزال قسم كبير منها طيّ الكتمان، وإن كانت انعكاساته على أرض الواقع تشي بالاتجاه الذي تسير فيه.
وشكّل الاتفاق السعودي – الإيراني حجر الزاوية لصوغ معادلات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يثمر عن مشهد سياسي وعسكري مختلف تطغى فيه الجهود الدبلوماسية والتسويات على صخب المعارك والحروب التي يخوضها الطرفان بالوكالة. ويبدو أن طهران التي كانت طرفاً في معادلة آستانا لحل الأزمة السورية بالاشتراك مع تركيا وروسيا، قد استعدت للأدوار الجديدة التي يمكن أن تقوم بها بموجب اتفاقها مع الرياض عبر إقحام نفسها في مسار التطبيع السوري – التركي ليتحول رباعياً بعدما كان ثلاثياً بين روسيا وتركيا وسوريا، في خطوة تعكس، ربما، رغبتها في التخلي عن النهج العسكري الميليشيوي والانخراط في مسارات السياسة والاقتصاد.
وجاء قرار طهران تغيير سفيرها في دمشق ليعزز هذه القناعة لدى المراقبين للمشهد السوري، لا سيما أن السفير الجديد الذي وصل قبل أيام إلى العاصمة السورية يُعرف بخبرته بشؤون الشرق الأوسط السياسية واهتمامه بالملف الاقتصادي.
وتسلم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد السبت، أوراق اعتماد السفير الإيراني الجديد في سوريا حسين أكبري، وذلك بعد نحو عشرة أيام على وصوله الى العاصمة السورية لتسلم منصبه.
وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، تسلم المقداد نسخة عن أوراق اعتماد أكبري الذي سبق أن شغل مناصب عدة، منها سفير في ليبيا، ومساعد رئيس “منظمة الحج والزيارة الإيرانية”، والقائم بأعمال الأمين العام لـ”مجمع الصحوة الإسلامية” ورئيس “مركز نور للدراسات الاستراتيجية”.
وفي آذار (مارس) الماضي، عينت وزارة الخارجية الإيرانية مهدي سبحاني، السفير السابق في دمشق، الذي كان يتولى منصبه منذ أيار (مايو) 2021، سفيراً لها في أرمينيا.
ولمناسبة انتهاء فترة أداء مهامه في دمشق، منح الرئيس السوري بشار الأسد سبحاني وسام “الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة”، وذلك “تكريماً لجهوده في تنمية العلاقات السورية – الإيرانية وتطويرها، ولتفانيه في أداء مهامه سفيراً لبلاده في سوريا”، بحسب الإعلان الرسمي.
الاقتصاد أولاً؟
وقبيل توجهه إلى دمشق لتسلم مهام منصبه الجديد التقى أكبري وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الذي أكد خلال اللقاء الجهد المبذول لتعزيز العلاقات بين البلدين، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري.
كما قدم السفير الجديد تقريراً عن آخر تطورات العلاقات بين إيران وسوريا والخطط المرتقبة لتفعيل العلاقات بين البلدين في مختلف الأبعاد.
وفي أول تصريح رسمي بعد وصوله إلى دمشق، شدد أكبري على “أن الأولوية في العلاقات في المرحلة المقبلة ستكون للملف الاقتصادي، بما يؤمن مصالح الشعبين والبلدين”، وذلك في حديث مع صحيفة “الوطن” السورية.
وقد يعكس الاهتمام الإيراني بملف العلاقات الاقتصادية مع سوريا، تغيراً في نظرة طهران إلى المشهد السوري من اعتباره ميداناً للقتال والنشاط العسكري إلى كونه فرصة لإسناد اقتصادها الوطني الذي يعاني أزمات كبيرة، بما يستلزمه ذلك من آليات عمل مختلفة وأشخاص ذوي مرجعيات سياسية واقتصادية مختلفة يتولون تمثيلها في دمشق. وفي الوقت نفسه يفضّل مراقبون التريث في قراءة تصريحات كهذه باعتبارها تغييراً جذرياً، إذ ربما تكون مجرد مناورة ليست بعيدة في جوهرها عن السياسات الإيرانية المعهودة.
المنافسة العربية
كما أنه قد يعكس خشية إيرانية من أن يؤدي الانفتاح العربي على دمشق إلى ازدياد المنافسة في مجال إعادة الإعمار أو بعض فرص الاستثمارات التي كانت طهران تمنّي النفس بها لكنها لم تتحقق، ولعل طهران التي رحبت بالتقارب السعودي – السوري تدرك جيداً مرامي هذا التقارب البعيدة وإمكان تأثيره على نفوذها الواسع في العاصمة السورية.
وأشار تقرير صادر عن “مركز الحوار السوري”، وهو مركز بحثي معارض، إلى وجود سمه عامة صبغت التوجهات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، وهي النجاح في إبرام الاتفاقيات مع الفشل في تحويلها إلى واقع، وذلك نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية هي المنافسة الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، والضعف الاقتصادي في سوريا.
ورغم العوائق، نجحت إيران نسبياً في الاستحواذ على مفاصل عديدة، كما تُظهر باستمرار أن لديها التصميم والعزم على الدخول بشكل أكبر ومواجهة التحديات التي تعترضها، وهي النتائج التي تَظهر جراء تتبع الخطوات الإيرانية وتحليلها في الخريطة الاقتصادية السورية.