حرية – 25/4/2023
تشهد الساحة العراقية حالة من الهدوء الأمني غير المسبوق بين الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، والقوات الأميركية في العراق، بعد توقّف عمليات القصف واستهداف المصالح الأميركية منذ ما يزيد على 6 أشهر. وتُعَدّ فترة التهدئة هذه الأطول منذ مقتل قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.
وجاءت هذه التهدئة، التي لم تُعلَن رسمياً، بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني من قِبل “الإطار التنسيقي”، الذي يجمع الكتل والأحزاب المقربة من طهران.
وتوجد القوات الأميركية في ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، هي قاعدة “عين الأسد” الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار غربي البلاد، وقاعدة “حرير” شمال أربيل، ضمن إقليم كردستان العراق، إلى جانب معسكر “فيكتوريا” الملاصق لمطار بغداد، الذي توجد فيه وحدة مهام وتحليل معلومات استخبارية. وتحوي السفارة الأميركية وسط بغداد قوة صغيرة خاصة مكلفة حماية السفارة والبعثة الموجودة فيها.
وقبل تشكيل حكومة السوداني في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت القواعد والمعسكرات التي تضم القوات الأميركية في العراق، تتعرض دائماً لعمليات قصف من قبل فصائل مسلحة تُعرّف عن نفسها بمصطلح “فصائل المقاومة الإسلامية”، بواسطة طائرات مسيّرة أو صواريخ كاتيوشا، إضافة إلى استهداف أرتال الدعم اللوجستي التابعة لقوات التحالف الدولي.
وكان آخر هجوم صاروخي قد شهدته المنطقة الخضراء قد وقع في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، بصواريخ سقط عدد منها في محيط السفارة الأميركية، أعقبته هجمات بعبوات ناسفة استهدفت ما تعرف بأرتال الدعم اللوجيستي التي تحمل معدات غير عسكرية لقوات التحالف في العراق، آخرها في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
فرصة لحكومة السوداني
وحول الهدوء الحالي وتوقف عمليات القصف في العراق، قال مستشار في حكومة السوداني، لـ”العربي الجديد”، إنه “جاء بعد اتفاق بين رئيس الوزراء وعدد من قادة الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة، بضرورة منح الحكومة فرصة للاستقرار الأمني وعدم التصعيد مع الجانب الأميركي”.
وأضاف المستشار، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه “على الرغم من ذلك، ما زالت هناك أصوات من داخل الفصائل المسلحة تضغط حيال ذلك، لكن يعتقد أن هذا الضغط للحصول على مكاسب داخل الحكومة الحالية”. وبيّن المستشار الحكومي أن “قيادات الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة، منحت السوداني فرصة زمنية خلال حكومته من أجل بحث ملف إخراج الأميركيين رسمياً مع الجانب الأميركي، لكن من دون تحديد أي موعد لانتهاء هذه الهدنة”.
مستشار حكومي: قيادات الإطار التنسيقي منحت السوداني فرصة زمنية لبحث ملف إخراج الأميركيين
واعتبر أن “التحرك الأميركي الأخير حيال ملف الدولار في العراق والتهريب الحاصل إلى إيران وسورية ولبنان، وفرض الفيدرالي الأميركي اشتراطات جديدة على العراق، كان سبباً آخر في التهدئة مع الجانب الأميركي”.
في السياق، قال كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم جماعة “كتائب سيد الشهداء”، أحد أبرز الفصائل التي تبنت هجمات سابقة على القوات الأميركية في العراق، إن “فصائل المقاومة منحت رئيس الوزراء فرصة من الوقت، من أجل ترتيب أوضاع حكومته، خصوصاً المتعلقة بالجانب الاقتصادي والخدمي، وهي تنتظر من السوداني التحرك لتفعيل قرار البرلمان الملزم للحكومة بإخراج كامل القوات الأجنبية من العراق، وعلى رأسها القوات الأميركية”.
وأضاف الفرطوسي لـ”العربي الجديد”، أن “التأكيدات من قبلنا على الانسحاب الأميركي مستمرة، وهناك نقاشات حول هذا الملف مع السوداني، وإلا فإن التهدئة لن تكون مفتوحة، واستهداف القوات الأميركية سيكون نتيجة حتمية بالنهاية في حال عدم انسحابها”، متابعاً: “هذا الأمر يدركه جيداً السوداني وكل الأطراف السياسية العراقية”.
وشدد على أن “فصائل المقاومة على أتم الجهوزية لإخراج القوات الأميركية إن أصرت واشنطن على عدم سحب قواتها، لكننا ننتظر تحرك حكومة السوداني لحسم هذا الملف بالطرق الدبلوماسية، وبعدها لكل حادث حديث”.
الفصائل تتحكم بالسلطة
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ”العربي الجديد”، إن “إيقاف عمليات قصف القواعد والمعسكرات التي تضم عدداً من الجنود الأميركيين، يرتبط بأن الفصائل المسلحة هي التي تتحكم بالسلطة والقرار العراقي، ولهذا هي لا تجد من مصلحتها أن تقوم بعمليات ضد الأهداف الأميركية، فالاستهداف قد تكون له ارتدادات عكسية على وجودها في السلطة”.
وأضاف الشمري أن “توقّف الفصائل المسلحة عن استهداف الأهداف الأميركية في العراق، رسالة من قبل تلك الفصائل لبناء مسار جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة، ولهذا تحاول إيصال رسائل لواشنطن بأن عملية الاستهداف تتوقف ما دام أنها (الفصائل) تسيطر على الحكم في العراق”.
الشمري: توقّف الفصائل المسلحة عن استهداف الأهداف الأميركية في العراق، رسالة من قبل تلك الفصائل لبناء مسار جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة
وأشار أيضاً إلى وجود “عامل خارجي لتوقّف عمليات قصف الأهداف الأميركية، متعلق بالملف النووي الإيراني، ومحاولة الوصول إلى اتفاق حوله بين واشنطن وطهران، ولهذا إيران لا تريد التصعيد في هذا التوقيت مع أميركا في العراق”.
ورأى أن السوداني “لا يمتلك القدرة على إقناع الفصائل المسلحة بإيقاف العمليات العسكرية ضد الأهداف الأميركية، فهي التي شكّلت حكومته، وهي التي دعمته لتولي هذا المنصب”، معتبراً أنه “في أي عودة للمواجهة بين الفصائل والأميركيين، لا يمكن للسوداني وقفها، وهو لم يكن مسؤولاً عن إيقاف العمليات السابقة، لكنه يحاول أن يُظهر أنه القادر على الحفاظ على القواعد الأميركية من أي استهداف من قبل الفصائل”، مضيفاً: “هذا جزء من استراتيجية الفصائل، لتُظهر قدرة السوداني على ضبط الأمن والعلاقة بين الفصائل المسلحة والجانب الأميركي”.
وقال الشمري إن “الهدنة الحالية بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة قابلة للانكسار، ويمكن في أي لحظة عودة عمليات القصف ضد الأهداف الأميركية في العراق، خصوصاً إذا ما حصل تطور على المستوى السياسي، فهذه الفصائل أصبحت محرجة أمام جمهورها بأنها أنهت المقاومة، كما أن عودة الصراع بين طهران وواشنطن، ستعيد عمليات القصف ضد الأهداف الأميركية في العراق”.
وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن رئيس الحكومة العراقية في ذلك الحين مصطفى الكاظمي، انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي، التي قادتها الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم “داعش”، وتحوّل دور القوات الأميركية إلى المشورة والتدريب فقط.
منقول .. العربي الجديد