حرية – (1/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
فتن البشر منذ القدم بالأماكن المخفية قبل أن تتحول في عصرنا الحالي إلى ميزة معمارية ذات هدف وظيفي، ويبدو أن هاجس الاختباء ما زال يشغل بال الإنسان حتى اليوم، بعد أن كان ضرورة للحماية في قديم الأزمان، وملجأ آمناً من مخاطر الطبيعة.
فالتاريخ القريب يعج بقصص تتخللها مشاهد في غرف سرية وممرات مخفية نراها في القلاع والكنائس والقصور وغيرها من المنشآت الدينية أو السياسية المهمة، وقت الحرب والسلم أيضاً.
مساحة سرية
انتقلت هذه المشاهد إلى بيوت العامة، فأصبحت هناك غرف مخفية للمؤونة الشتوية أو تخزين الخمر أو القراءة والصلاة والتأمل وغيرها من الأمور، لكن الصورة العالقة في الأذهان عن هذه الغرف غالباً ما تتجسد في سقيفة منزل كبير، أو طابق سفلي، أو تحت الدرج، أو كمساحة مهملة غير بادية للأنظار.
وسواء رغب الإنسان اليوم في الانزواء والاسترخاء والابتعاد عن الضجيج، أو العمل والتفكير المكثف والإنجاز، في كل الحالات يجد الإنسان متعة خفية لدى وجوده ضمن مساحة سرية، وفي العمق فإن لتجربة الغرف السرية سحرها الخاص، نظراً إلى ما تستدعيه من لحظات فرح فطرية خفية، إذ تحرض الخيال بقوة باتجاه الطفولة، وفي كل مرة نشعر فيها بأننا في مكان خفي يعاد إلى أذهاننا بطريقة لا واعية لحظات طفولة مليئة بالأمان والفرح والسلام.
خصوصية وحماية
وجود مكان خفي خاص أمر مهم لأفراد الأسرة، لضمان الحفاظ على الخصوصية من جهة، ولحماية بعض المستندات والأغراض المهمة من جهة أخرى، والطريقة المعروفة للمخابئ هي الأدراج وبخاصة المزودة بقفل، أو الخزانات، وفي التصاميم الحديثة تكون مخفية من دون مقبض، أو تصنع ضمن طبقة عميقة داخل الأثاث نفسه.
يستخدم الآباء المخابئ لإبعاد بعض المستندات المهمة عن الأنظار، كالعقود وأوراق البيع والشراء والشيكات والسندات إضافة إلى الأموال، وفي بعض الأحيان الأدوية الخطرة.
أما الأمهات فإضافة إلى تخزين مواد التجميل والأدوية والمجوهرات والصور، نجد أن بعضهن يحرصن على وجود مخابئ سرية في المطبخ لتخزين المؤن بكميات كبيرة والتحكم في استهلاكها.
بالنسبة إلى الأبناء القصة مختلفة تماماً، فالمخابئ حاجة أساسية لإخفاء الأسرار ورسائل الحب وكتب الأشعار والقصص الغرامية، وغيرها مما يحرص الأهل على عدم انشغال الأبناء به في مراحل عمرية مبكرة.
ضرورة وحاجة
وجود مساحة سرية وخاصة ضرورة للحصول على لحظات خلوة وسكينة سواء داخل المنزل أو في الحديقة أو الغرف الخارجية الملحقة، إذ تلقى هذه المساحات طلباً متزايداً، حتى إنها أصبحت اليوم ضرورة أكثر من أي وقت مضى، بخاصة بعد تحول كثير من الناس للعمل من المنزل، ففي وسط الصخب والضجيج من حولنا بات الحصول على مساحة مخفية أو مكان خاص أمراً ملحاً لتهدئة الأعصاب وقضاء لحظات للراحة أو التأمل أو القراءة أو استعادة الطاقة واستجماع الأفكار، أو للعمل الذي يحتاج درجة عالية من التركيز والإبداع.
قد لا تكون مخفية تماماً، لكنها بالتأكيد غير مشتركة وموصدة وبعيدة عن الصخب والفضول، فحاجتنا إلى الهروب في بعض الأوقات أمر أساسي لتجديد الطاقة وتحقيق الهدوء العقلي.
تحد للمصممين
نما الاهتمام بالمساحات المخفية في الآونة الأخيرة لتظهر بشكل متزايد في المنازل، الأمر الذي شكل تحدياً للمهندسين والمصممين لإعادة التفكير في استثمار المساحات الصغيرة التي قد تكون مختبئة، أو تقسيم المساحات الكبيرة بذكاء، فبدأوا يضعون تصورات مبتكرة لإنشاء أماكن محجوبة داخل المنازل.
من منظور التصميم الداخلي تعد الأماكن المخفية أسلوباً جيداً لإعادة تخصيص مساحة غير مستخدمة، وطريقة غامضة وممتعة لإضافة لمسة شخصية فريدة، وسواء كنا نحتاج إلى مساحة بعيدة عن الأنظار أو مخبأ للتخزين أو قبو للنبيذ أو غرفة للغسيل أو حتى مساحة لعب للأطفال، فإن الغرف المخفية تعد خياراً مثالياً.
يمكن الحصول على مساحة مخفية من خلال تقسيم إحدى الغرف ذات المساحة الكبيرة إلى قسمين وتزويد الجدار الفاصل بينهما بباب من دون مقبض ويتحرك على مزلاج للفتح والإغلاق، ويجري إخفاؤه بطرق عدة، كأن يكون وراء خزانة أو مكتبة أو مرآة أو مدفأة أو قطعة أثاث قابلة للسحب بحيث لا يوحي الأمر بوجود باب خلفها.
إن طريقة فتح هذه الأبواب غالباً ما تكون ممتعة، مثل الضغط على كتاب، أو سحب شمعدان، أو لف زجاجة نبيذ، أو الضغط على زر مخفي، وفي الغرف التي تحتاج إلى حماية وسرية تستخدم تقنيات أكثر تطوراً، مثل أجهزة المسح العاملة ببصمات الأصابع أو قزحية العين وغيرها.