حرية – (6/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
أماني الطويل
تحت مظلة الاشتباكات المسلحة الراهنة في السودان، فإن حجم تصاعد المهددات الأمنية بات مقلقاً، وإمكانية أن تتحول الساحة السودانية إلى ميدان جديد لتهديدات الجماعات الأصولية، لم تعد بعيدة، بل إن تحول البلاد إلى ملاذ أفريقي للتنظيمات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود ربما يتنامى ليكون حقيقة علينا مواجهتها.
أوضاع تلقي على عاتق دول الجوار المباشر للسودان، خصوصاً مصر وتشاد وإثيوبيا، أعباءً كبيرة في المرحلة المقبلة، وترتبط بكلفة حماية كل من الأمن الداخلي والحالة الاقتصادية في الداخل، مما يفسر طبيعة التدابير الاحترازية التي تتخذها الدول الثلاث لحماية نفسها من إمكانية تسلل عناصر إرهابية لها، وسط أفواج الهاربين من جحيم الصراع المسلح.
المؤشرات المرتبطة باحتمال أن يكون السودان من الحواضن الأفريقية للمهددات الإرهابية متعددة، فمنها ما يرتبط بممارسات الجبهة القومية الإسلامية السودانية منذ عام 1989، ويتعلق بأداء تنظيم “الإخوان المسلمين” المصري بعد عام 2013، أو يتلاقى مع سيولة وهشاشة الدول المجاورة، ووجود بؤر لتنظيمات متطرفة ونشاطات إرهابية في نطاقي كل من شرق وغرب القارة، وأخيراً يتماهى مع وجود تنظيم “داعش” عبر خلايا نائمة محتملة بهذا البلد.
عباءة واسعة
ببساطة، يمكن القول إن صعود الرئيس عمر البشير إلى سدة الحكم في الخرطوم 1989، عبر تحالف مع تنظيم الجبهة القومية، شكل متغيراً رئيساً في التاريخ السوداني الحديث من حيث طبيعة تفاعل النظام السياسي مع التنظيمات الإسلامية في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا.
فبعد فترة وجيزة من رئاسة البشير، أسس حسن الترابي زعيم الجبهة وأحد جناحي السلطة “المؤتمر الشعبي الإسلامي” في أبريل (نيسان) 1991، وهو العباءة التي تفاعلت تحتها “التنظيمات الإسلاموية العربية والشرق أوسطية”، بداية من أفغانستان، وحتى الشواطئ الغربية لقارة أفريقيا على ساحل الأطلسي، حيث عقد هذا المؤتمر ثلاث دورات حتى عام 1995، وحضره نحو 500 عنصر من 45 دولة، وكان يهدف إلى توحيد التنظيمات الإسلامية المهزومة في كابول وما حولها، ويكون بديلاً لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد شكل ضلوع السودان في دعم فواعل “إسلاموية” مصرية في محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك 1995، وكذلك الضلوع في الإسناد اللوجيستي لتفجيرات السفارات الأميركية في شرق أفريقيا 1997، أحد عوامل الانتباه العالمي للدور السوداني في دعم الممارسات الإرهابية، خصوصاً مع استضافته لزعيم تنظيم “القاعدة” الراحل أسامة بن لادن.
ويمكن القول إن هذا الانتباه العالمي لم يقتصر فقط على الدول، ولكن امتد ليشمل التنظيمات الأصولية، مثل “الإخوان” في مصر، وربما يكون ذلك مؤسساً على طبيعة الدعم الذي قدمه السودان لهم، خصوصاً عند وصولهم إلى سدة الحكم 2012.
وربما يفسر أيضاً لجوء “الإخوان” إلى السودان بعد أحداث 2013 في مصر، خصوصاً تنظيم سواعد مصر “حسم”، الذي أداره في هذا التوقيت محمد كمال عضو مكتب الإرشاد لـ”الإخوان”، وهو المدان من قبل القاهرة بممارسة أعمالاً إرهابية.
ووفقاً لتقارير صحافية نشرها الباحث المتخصص في الإسلام السياسي، منير أديب، فقد تم تدريب شباب جماعة “الإخوان” في السودان بأعداد وصلت إلى ثلاثة آلاف عنصر على إعداد العبوات الناسفة وحمل السلاح. وقد أسهم وقوع تفجير في إحدى البنايات السودانية بمنطقة أركويت، في فبراير (شباط) 2017، واعترف به “الإخوان”، في تقليص أعداد عناصر التنظيم من المصريين، الذين تم توزيعهم على كل من الصومال وكينيا.
فرص الإرهابيين
لكن، ما بدا لافتاً هنا مقاومة السلطات السودانية، تسليم العناصر الإخوانية المتبقية على أراضيها لمصر حتى بعد سقوط نظام عمر البشير، بل واستعادة الجبهة القومية الإسلامية قدراتها بسرعة في التنظيم السياسي والعسكري معاً والظهور في واجهة التفاعلات العسكرية الراهنة بين كل من قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اللذين يتبادلان الاتهامات في شأن تبعية العناصر التي تمارس عنفاً وإرهاباً ضد المدنيين، وذلك بارتداء الزي العسكري لكل منهما، بل إن هذه الفاعلية تصل إلى حد تحميل الجبهة القومية الإسلامية وواجهتها السياسية (المؤتمر الوطني) مسؤولية تفجير الوضع الراهن بالتحريض على الاشتباك بين طرفي المكون العسكري السوداني.
وبطبيعة الحال، فإن هذه البيئة السودانية الصراعية، والتي تضعف في حماية حدودها الدولية بين دول هشة، فيما عدا مصر، ستشكل فرصة هائلة لكل من “القاعدة” و”داعش”، خلال هذه المرحلة، وذلك بدافع رئيس من معطيات متنوعة منها احتمال لجوء كتائب الجبهة القومية الإسلامية المسلحة لطلب الدعم والعون من هذين التنظيمين في محاولة لحسم الصراع الحالي في الخرطوم لصالحها، بعد أن شكلت الثورة وتجلياتها السياسية مهدداً لقواعد نظام البشير السياسية والاجتماعية التي لا تزال تسيطر على مفاصل الدولة العميقة.
أما ثاني المعطيات فهو أن هناك عدداً يقدر بثمانية آلاف “مرتزق سوداني”، قد مارسوا أعمالاً عسكرية في ليبيا ودول الساحل الأفريقي، قد انفرطوا من قوات الدعم السريع في مراحل سابقة، ويمثلون حالياً وقوداً بشرياً مناسباً للتنظيمات الداخلية السودانية المنخرطة في الصراع الراهن.
ولا يمكن تهميش ثالث المعطيات، ويرتبط بالتأثير في معادلات تحول السودان إلى بؤرة للتنظيمات المتطرفة، وهو الفقر والجوع، ليلعب دوراً رئيساً في دعم القوى البشرية للتنظيمات الإرهابية، طبقاً للأدبيات السياسية الميدانية الحديثة، فحقيقة أن ثلث سكان السودان يحتاجون إلى مساعدات غذائية، وهم المقدرون بنحو 12 مليون نسمة، يدفع نحو ارتفاع مستوى المخاوف في شأن طبيعة إنحيازات هؤلاء في هذه المرحلة التي تغيب فيها وظائف الدولة بشكل شامل عن رعاية مواطنيها.
كما تشكل فرص وسهولة الحصول على مورد الذهب من جانب تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في دولة هشة مثل السودان، عاملاً اقتصادياً جاذباً لتمويل أنشطتهما الإرهابية.
ثم يأتي ثالث هذه المعطيات، ويتجسد في القرب الجغرافي بين نقاط تمركز التنظيمين وبين السودان، وذلك أن لتنظيم “القاعدة” المعنون في الصومال بـ”حركة الشباب الإرهابية”، نقطة ارتكاز كبيرة ورئيسة مكنته من السيطرة على معظم الريف الصومالي، وكذلك اختراق كل من كينيا وإثيوبيا وتنفيذ عمليات إرهابية فيهما خلال العقد الأخير.
خريطة مهددة بالاشتعال
وفي هذا السياق، تم رصد اهتمام “القاعدة” بالسودان في هذه المرحلة، حيث أصدرت دار نشر إرهابية، يعتقد أنها مرتبطة بالتنظيم، كتاباً يتألف من مقولات وكتابات “أبو حذيفة السوداني”، وهو منظر متطرف، حرص على توفير مبرر أيديولوجي للتحريض ضد الخرطوم، فضلاً عن المبادئ التوجيهية والقواعد التي من المطلوب اتباعها من الإرهابيين المحتملين.
وقد تكون التحولات الشاملة التي تشهدها أفريقيا في العقود الأخيرة والمرتبطة بتردي الأوضاع الأمنية بشكل عام، معطى رئيساً لتحول السودان إلى بؤرة إرهابية جديدة، وهي بذلك تحول إقليم وسط القارة كله من سواحل البحر الأحمر وحتى المحيط الأطلسي إلى أحد المهددات المباشرة والرئيسة لكل دول شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، وذلك مع ظهور متغير تحول الجماعات الرعوية العابرة للحدود من أدوارها التقليدية في مبادلة البضائع من مواد غذائية وحاصلات زراعية وسجائر وغيرها بالإبل والماشية إلى شراكة مع التنظيمات الإرهابية.
فالجيل الثاني من المجموعات الرعوية، خصوصاً من القبائل الصغيرة، أصبح يشكل حالياً حاضناً سكانياً لهذه التنظيمات بعد أن تخلى الجيل الشاب منها، لأسباب تتعلق بتعظيم الأرباح، عن تحفظات جيل الآباء الذي رفض هذه الشراكة الآثمة بين الرعويين والإرهابيين.
إجمالاً، يشكل الاشتباك المسلح الراهن في السودان واحتمالات الانزلاق لحرب أهلية شاملة، سيناريو مرعباً للإقليم وللعالم معاً ومؤشراً قائداً فيما يتعلق بارتفاع مستوى المخاطر الشاملة في أفريقيا، وذلك بطبيعة انعكاس الحالة الصراعية السودانية المباشرة في دعم قدرات التنظيمين الإرهابيين الأكبر في القارة، وهما “القاعدة” و”داعش”، وذلك في ضوء بروز نظريات سياسية حديثة أصبحت تملك أدلة واقعية عن ضعف قدرات الدولة كفاعل رسمي في مواجهة الفواعل غير الرسمية مثل الشركات الأمنية والتنظيمات المتطرفة.