حرية – (9/5/2023)
قالت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية إن تجار العملة المحليين بالعراق يجدون صعوبة في الوصول إلى الدولار، بسبب المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة لمنع تدفق الدولار بصورة غير قانونية إلى إيران، ومن ثم يلجأ هؤلاء إلى السفر للبلاد القريبة وبحوزتهم أكوام من البطاقات المصرفية؛ لسحب العملة الصعبة هناك.
حيث أُلقي القبض خلال الشهرين الماضيين، على أكثر من 24 عراقياً يحملون نحو 1200 بطاقة مصرفية وبحوزتهم أكثر من 5 ملايين دولار، وذلك في المطارات والمعابر الحدودية في أثناء محاولتهم مغادرة البلاد، وفقاً لما أفاد به علاء الدين القيسي، المتحدث باسم هيئة المنافذ الحدودية العراقية.
كما احتجزت السلطات، الجمعة 5 مايو/أيار، مسافراً عراقياً آخر يحاول تهريب 300 بطاقة مصرفية داخل علب سجائر في المطار الدولي الكائن بمدينة النجف وسط العراق.
تكتيك جديد
وقال القيسي: “هذا الاستخدام للبطاقات الائتمانية [المصرفية] في تهريب الدولارات، تكتيك جديد بدأ عندما شرعت الحكومة في حملتها”.
في حالة أخرى مشابهة، أُلقي القبض على شخص في مطار بغداد بعد أن سلمه موظفٌ حقيبةً تحتوي على 300 بطاقة مصرفية بعد تجاوزه الفحص الأمني، وذلك وفقاً للقيسي.
كان العراق على مدى سنوات، اقتصاداً مدفوعاً بالأموال النقدية يعتمد اعتماداً كثيفاً على معاملات الدولار الأميركي، مما جعله مصدراً كبيراً لتدفقات الدولار غير المشروعة إلى إيران وبلاد الشرق الأوسط الأخرى التي تخضع لعقوبات غربية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت وزارة الخزانة الأميركية والبنك المركزي العراقي ضوابط أشد صرامة على المعاملات الدولارية الدولية التي تنفذها المصارف العراقية؛ في محاولة للحد من غسيل الأموال وتهريبها.
وبسبب خطوات قادتها الولايات المتحدة، ارتفع سعر الدولار أمام الدينار العراقي في السوق الرمادية، مما أدى زيادة الطلب على الدولار. حيث بيع الدولار مقابل 1750 ديناراً عراقياً في الصرافات خلال شهر فبراير/شباط الماضي، بزيادةٍ نسبتها 20% أعلى من السعر الرسمي المعلن البالغ 1460 ديناراً في ذلك الوقت.
صحيحٌ أن المواطنين العراقيين يمكنهم حيازة الدولار لدى الصرافات بسعر السوق، لكن المصارف العراقية أتاحت للمودعين إصدار بطاقات نقدية مغطاة بما يعادل 10 آلاف دولار بسعر الصرف الرسمي، ويمكن استخدامها خارج البلاد لسحب المال نقداً.
قيود من البنك المركزي
يقول تجار العملة والمسؤولون العراقيون، إن الشهور الأخيرة شهدت تقديم تجار العملة طلبات لاستخراج عشرات البطاقات المصرفية وإعطائها إلى المسافرين الذين يسافرون إلى بلاد قريبة لسحب الدولارات.
وقالت السلطات مطلع هذا الأسبوع، إنها احتجزت عراقياً كان يحاول إخراج 128 بطاقة مصرفية خارج البلاد عبر معبر حدودي بري مع إيران.
وقال التجار إن العملة الصعبة تباع بسعر أعلى في السوق الرمادية. وأوضحوا أن بعضاً من هذه الأموال تُستخدم لشراء السلع من الخارج.
صحيحٌ أن قيمة الأموال المهربة عبر مسلك البطاقات المصرفية قليلة مقارنة بما يتدفق عبر الاقتصاد الشامل، لكنها تبين حجم الطلب على الدولار في العراق.
واستجابة للجوء العراقيين إلى هذا الطريق، فرض البنك المركزي العراقي قيوداً على السحب من البطاقات المصرفية، ليصبح بواقع 250 دولاراً يومياً لكل بطاقة، مما يجعل عملية سحب إجمالي الأموال النقدية الموجودة في البطاقة الواحدة تستغرق وقتاً طويلاً.
“فرص مربحة”!
بدوره، قال علي محسن العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي: “كلما يزيد الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق، تجد بعض الأطراف فرص مراجحة مربحة”. وأضاف أنَّ خطوة فرض حد السحب اليومي سوف تضع نهاية لهذه الفرص.
فيما قال الدكتور عبد الرحمن المشهداني، أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية بالجامعة العراقية، إن خطوة البنك المركزي نجحت في تقليص تدفق الدولارات إلى الخارج عبر هذا المسلك، لكنها لم تنجح في منعها كلياً. وأوضح: “تجار العملة لا يزالون يفعلون الأمر. والأموال ما زالت تخرج من البلاد”.
وأوضح المشهداني أن تجار العملة، في واحدة من الحيل التي تُتبع لتجاوز القيود، اشتروا مجموعة كبيرة من تذاكر الطيران للحصول على الدولارات. إذ يُسمح للعراقيين بتحويل الدينار إلى دولار في المصارف الخاصة والصرافات لتغطية مصروفات السفر، ما دامت لديهم تذاكر طيران توضح أنهم يخططون للسفر خارج البلاد.
يُذكر أن البنك المركزي العراقي رفع كمية الأموال المحولة لتغطية مصروفات السفر، من 5000 دولار إلى 7000 دولار في شهر فبراير/شباط الماضي، لكنه عاد وخفض المبلغ إلى 2000 دولار فقط في مارس/آذار؛ لكبح فورة شراء تذاكر الطيران.
وتراجع سعر الصرف في السوق الرمادية ليصل إلى نحو 1410 دنانير مقابل الدولار الواحد في الأسابيع الأخيرة، مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ 1320 ديناراً الآن. كذلك زادت التحويلات البرقية من المصارف العراقية، مما يشير إلى أن العراقيين يتكيفون مع القواعد الأشد صرامة.
في ميناء أم قصر العراقي المطل على الخليج، توقف تقريباً تفريغ الحاويات في أبريل/نيسان الماضي، لأن كثيراً من المستوردين، المعتادين على تراخي تطبيق قواعد الاستيراد، افتقروا إلى الوثائق اللازمة للإفراج عن بضاعتهم المشتراة بالدولار من الجمارك، وذلك وفقاً لحميد أبو فاطمة، وكيل التخليص الجمركي في الميناء.
وقال أبو فاطمة: “لم يحُز التجار الوثائق الملائمة؛ [مما] أدى إلى تكدس حاويات البضائع في الميناء وتوقف العمال تقريباً”. وأضاف أنه جرى تخفيف الدعم مؤخراً بعد أن تكيف المستوردون مع القواعد الجديدة، وخفف المسؤولون تطبيق القواعد.