حرية – (10/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
تبرز في العراق الصناعات اليدوية لاسيما المنتوجات الجلدية المتنوعة والمختلفة التي صمدت أمام التطور التكنولوجي ومنافسة الاستيرادات الخارجية. وينتشر في سوق السراجين وسط العاصمة العراقية بغداد، أصحاب تلك المهنة التي تعود إلى مئات السنين التي تتوارثها الأجيال.
ويعود قدم سوق الجلديات إلى العهد العباسي في زمن الخليفة العباسي أبو جعفر المستنصر بالله (1126-1242)، الذي أسس في وقتها أسواقاً متخصصة كالوراقين والبزازين وغيرها، باتت اليوم معلماً بغدادياً يقاوم الاندثار. وفي العهد العثماني تحولت السوق إلى مكان للمسافرين حيث كان الطابق الأرضي يستخدم لإسطبلات الجمال والخيول أما الطابق الثاني فهو مخصص للمسافرين القادمين إلى العاصمة العراقية بغداد.
اقترنت كلمة “السراجة”، وتعني سرج الخيل، بتلك المهنة وأصبحت اليوم متداولة ومتلازمة للسوق التي باتت مقصداً للعراقيين من المحافظات كافة.
تغيرت ملامح سوق السراجين عبر السنين وأصبحت رفوفها خزائن لتكدس البضاعة
مهنة الأجيال
ويقول أحد حرفيي صناعة الجلود حسين محمد، إن هذه الصناعة اليدوية تعد متوارثة عبر الأجيال، إذ بدأت في صناعة السرج ووصلت إلى صناعة مختلف الجلود منها الأحزمة والحقائب والمحفظات وغيرها، مبيناً أن هذه الصناعة تدخل فيها ثلاثة أنواع من الجلود وهي جلد البقرة والجاموس والماعز.
وزاد “وقد نجحت هذه الصناعة الحرفية في الحفاظ على روادها عبر السنوات، إذ ستجد اليوم أصحاب المحال ورثوا المهنة ومتاجرهم عن آبائهم وأجدادهم، في سوق تغيرت ملامحها عبر السنين وأصبحت رفوفها خزائن لتكدس البضاعة”.
وتابع “هذه المهنة تعتمد اليوم على الزبائن العراقيين والسياح الذين يأتون من الخارج لزيارة شارع المتنبي والتجول فيه، وتفتقد إلى التصدير خارج العراق نتيجة الصعوبات والمعوقات فضلاً عن المنافسة الشرسة للبضائع المستوردة”، موضحاً أن أسعار المنتوجات رخيصة ومشجعة للتصدير.
وانتشرت في العراق أخيراً ظاهرة إهداء محفظة نقود نسائية في المناسبات كأعياد الميلاد وغيرها، إذ أخذت حيزاً كبيراً إلى جانب العطور والساعات وغيرها، تعبيراً عن الحب.
وأمام محل لبيع محفظة نقود جلدية نسائية منقوش عليها عبارات وآيات، يقف محمد زاهر (38 سنة) لطلب شراء محفظة نسائية ليقدمها إلى زوجته وأم أولاده في عيد زواجهما، طالباً من صاحبه أن يكتب عليها “زوجتي حبيبتي” تعبيراً عن حبه لأم أولاده، مبيناً أنها ستحملها في الأماكن العامة وعند الأهل.
حقائب جلدية منقوش عليها أسماء أشخاص وعبارت
وتتنوع الكلمات المنقوشة على المحفظات النسائية سواء بالأسماء والألقاب، إذ قال النقاش سعد رياض، صاحب محل لبيع المحفظات، إن “هذه المهنة قديمة ويكثر عليها الطلب حين تأتي مناسبة معينة سواء للمتزوجين أو العشاق، حيث تقدم كهدية بعد أن يطلب الزبون نقش اسم معين”.
وتابع “هذه المهنة تقاوم الاندثار ولها زبائن من مختلف المحافظات العراقية، هذا جزء من الفن الذي يتميز به العراق”.
وأكمل “نصنع مختلف المنتوجات الجلدية التي يرغب فيها الزبون التي تتميز بها بعض المحال الموجودة في السوق”.
بدوره قال الحرفي رمضان علي إن “صناعة الجلود كانت تعتمد في وقت سابق على العمل اليدوي ولكن التطور التكنولوجي شكل نقلة نوعية في العمل. هناك كثير من الزبائن يطلبون منتجاتنا لبيعها في مناطق بغداد والمحافظات”.
الذوق الفني
إلى ذلك تكشف التشكيلية العراقية ميسون الربيعي عن أن هذه الصناعة تعود إلى مئات السنين، وكانت تتعامل مع المنتجات الحيوانية من جلود أبقار وماعز وأغنام بما يؤمن حاجات الناس من سروج الخيل والمقتنيات الشخصية للأحزمة والحقائب والمحافظ والمعاطف إضافة إلى متطلبات السكن من المعلقات الجدارية والأعمال الفنية.
وذكرت أن هذه الصناعة كمهنة حرفية تناقلتها عائلات من الحرفيين من دون اللجوء إلى المكننة والمعامل الكبيرة، مشيرة إلى أن المهنة تتطلب شرطي توارث الخبرة والذوق الفني، لذلك فإن عمليات الكي الحراري أو الكهربائي تتطلب مهارة فائقة في التشكيل الفني للرموز وفي إعطاء الألوان المتباينة في درجات الكي.
وأشارت الربيعي إلى أن معظم الحرفيين عمدوا إلى استحضار التراث العراقي الغني في تشكيل الرموز التاريخية على المقتنيات الشخصية، منها رموز أسد بابل ومأذنة الملوية ومعابد أور إضافة إلى التشكيلات الهندسية المتوارثة عن العمارة الإسلامية للنجمة الثمانية والقبب والمآذن والرسم القرآني وغيرها.
واعتبرت الربيعي أهم معوقات تطور هذه الصناعة الحرفية هو عدم اهتمام أجيال جديدة بهذه المهنة، وقلة المردود المالي بسبب ضعف السياحة المقبلة من العالم الغربي المعجب بحضارة وادي الرافدين، إضافة إلى عدم وجود قنوات تسويق إعلامية لهذه المهنة العريقة التي تحاكي تراث الأجداد، واستغربت عدم نشر منتجات هذه الصناعة على منصات وسائل التواصل لكي يتم تعريف جيل الشباب عليها.
وأكملت في السنوات الأخيرة دخلت العراق منتجات منافسة أسعارها منخفضة نسبياً مصنوعة من مادة “الجلد الاصطناعي” أو “مادة الپوليمر”، وهي من مشتقات النفط منشأها صيني وآسيوي، هذا الأمر أثر سلباً في سوق السراجين بسبب ضعف الحوافز الاقتصادية لدى الحرفيين.
وطالبت الربيعي “بدعم حكومي لديمومة هذه المهنة، وأخص بالذكر وزارة الثقافة لوجود الصلة القوية بين رموز التراث العراقي وبين وجود حرفيين متمرسين قادرين على الإنتاج والإبداع للحفاظ على هذه الصناعة من الاندثار”.
دور مهم للصناعات اليدوية
إلى ذلك يشير أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي إلى أن الصناعات اليدوية تلعب دوراً مهماً في اقتصاديات دول عدة، ولكون العراق اليوم من الدول الاستهلاكية بامتياز، بات من الضروري جداً أن يلتفت ويدعم المشاريع الصغيرة أو المشاريع الناشئة وبخاصة الصناعات اليدوية والحرفية، لما لها من أهمية كبيرة في دعم الاقتصاد من خلال توفير فرص عمل حيث يعمل عديد من الأشخاص في هذا المجال، سواء كانوا حرفيين أم منتجين أم بائعين.
تلعب الصناعات اليدوية دوراً مهماً في اقتصاديات عديد من الدول
وأقر السعدي بأن الصناعات اليدوية تساهم في تعزيز التنمية المحلية وتنمية الاقتصاد المحلي، وذلك من خلال دعم الحرفيين والمنتجين المحليين وتعزيز الصناعات المحلية، إضافة إلى أن الصناعات اليدوية جزء مهم من التراث الثقافي للشعوب، وتساعد في الحفاظ عليه وتنميته. ويعتبر الحرفيون والمنتجون الذين يمارسون هذه الصناعات محافظين على التقاليد والمهارات القديمة، ناهيك عن توفير دعم اجتماعي للمجتمعات، حيث يتم دعم الأسر المنتجة وتشجيع النساء على العمل والإنتاج وتوفير فرص عمل لذوي الاحتياجات الخاصة.
معوقات
أما الجانب الأهم وفقاً لأستاذ الاقتصاد الدولي فيتعلق في دعم السياحة المحلية، إذ يتم استخدام المنتجات اليدوية كهدايا تذكارية، مما يساهم في نشر الثقافة المحلية والتراث الثقافي. لكن للأسف هناك عديد من المعوقات التي أدت إلى انخفاض العاملين في هذا المجال، منها لجوء عديد من الشباب إلى الوظائف، إضافة إلى دخول السلع الصينية بأسعار رخيصة جداً أدت إلى تراجع الطلب بشكل كبير على المنتجات المحلية.
ولدعم تلك الصناعات والمشاريع الصغيرة طالب السعدي الحكومة بتوفير الدعم المالي عن طريق توفير التمويل اللازم لها من قبل المصارف والجهات المانحة والحكومية، ويمكن أيضاً تقديم الدعم المادي اللازم للمشاريع الناشئة من خلال برامج التمويل الرأسمالي الاستثماري والقروض التي تقدم بأسعار فائدة منخفضة، كذلك توفير المساحات الجيدة والمناسبة لتنفيذ المشاريع الصغيرة والصناعات اليدوية، حيث يمكن للعمال والموظفين العمل بكفاءة وجعل المشاريع أكثر إنتاجية.
وشدد على أنه يجب على المشاريع الصغيرة والصناعات اليدوية الترويج لمنتجاتها وخدماتها، والتسويق لها عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والمواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية، كما يمكن تحسين جودة المنتجات المصنوعة بواسطة المشاريع الصغيرة والصناعات اليدوية من خلال تقديم التدريب والتطوير للعمال في هذه المشاريع، والتدرب على الإنتاج والتصميم والإدارة والتسويق والتمويل.