حرية – (23/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
يمكن القول: إن صاحب إمبراطورية شوكولاتة هيرشي كان تاجراً من النوع اللطيف، ولعلّه الألطف؛
فقد وُلِد ميلتون هيرشي وسط مزارع الألبان في قلب ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وجَنى ثروته من اكتشاف طريقةٍ لإنتاج الشوكولاتة بكمياتٍ كبيرة، في وقتٍ كانت تُعد فيه تلك الحلويات فاخرة ولا تُصنع إلا سرّاً في سويسرا وألمانيا.
قبل تأسيس شركة شوكولاتة هيرشي، امتهن هيرشي صنع الحلويات في شبابه، وسرعان ما أدرك أنه يريد أن يصبح مدير نفسه. فأسَّس شركتين للحلوى السكّرية في أواخر القرن الـ19، لكنهما أغلقتا أبوابهما سريعاً.
لم يؤثر ذلك في عزيمة هيرشي، بل حاول مرة ثالثة أسفرت عن تأسيس شركة كراميل، سرعان ما باعها هي الأخرى رغم ازدهارها، عندما قرّر أن يركز جهوده على الشوكولاتة، فكان مصنع هيرشي الذي ما زال يُنتج، حتى يومنا هذا، مليارات حبوب الشوكولاتة سنوياً.
وللرجل التقدّمي، جانبٌ إنساني لا يعرفه كثيرون. وفضلاً عن إرثه المذهل في العطاء لمحيطه القريب والبعيد، الذي ظلّ قائماً لأكثر من قرنٍ كامل؛ فقد وهبَ جزءاً كبيراً من أمواله للأيتام، وساهم في تمويل أعمالٍ خيرية متنوّعة، بدءاً من مشاريع النقل، مروراً بالمراكز الطبية، ووصولاً إلى المدارس.
ولأنه عجز عن إنجاب الأطفال؛ أسّس مدرسةً للأيتام المحليّين لخدمة الأسر منخفضة الدخل في ولاية بنسلفانيا، ولا تزال أبوابها مفتوحة حتى يومنا هذا تحت اسم مدرسة “ميلتون هيرشي”.
قبل شوكولاتة هيرشي.. محاولات فاشلة
وُلِدَ ميلتون سنافلي هيرشي في 13 سبتمبر/أيلول 1857 ببلدة ديري في ولاية بنسلفانيا، ونشأ يتحدث الألمانية البنسلفانية.
والداه مزارعان ينتميان إلى طائفة المينونايت، وهي طائفة تعتنق التقاليد القديمة للجماعة الكنسية، ومعروفة باسم طائفة المينوناتية المسيحية، وقد غرسا في هيرشي الانضباط الذي اشتهر به. بينما وُلدت شقيقته في عام 1862، ثم توفيت بشكلٍ مأساوي بعد 4 سنوات.
لم يتلقَّ هيرشي أي تعليمٍ منهجي بعد الصف الرابع؛ لأنه كان يعمل أجيراً في إحدى المزارع وهو لا يزال تحت السنّ القانوني. ثم حصل على تدريبٍ في صحيفةٍ ألمانية – إنجليزية، وهو في الـ14 من عمره، لكنه لم يستمتع بالمهنة.
والدة هيرشي هي من اقترحت عليه اختبار مهاراته في الحلويات، بعدما ثار غضب والده حين عَلِم أن ابنه قد فُصِلَ من الصحيفة. فأخذ بنصيحتها ودرس طريقة صنع الحلوى السكرية والمثلجات على يد جوزيف روير في لانكستر بولاية بنسلفانيا، طيلة 4 سنوات، قبل أن يفتتح متجره الخاص.
وفي عام 1876، انتقل إلى فيلادلفيا في الوقت الذي قام فيه المعرض العالمي الأول بأمريكا. وكان يأمل هيرشي أن يؤدي تدفق السياح على المعرض إلى نجاح متجره، إلا أن أولى مشاريعه التجارية مُنِيَت بفشلٍ كبير؛ وقد أفلس المتجر في عام 1882، رغم مساعدة والدته وعمته المالية.
لكن الإفلاس لم يُحبط هيرشي، بل على العكس، شجّعه على المضيّ قدماً. انتقل لاحقاً إلى دنفر في ولاية كولورادو، نزولاً على نصيحة والده. ولأن المدينة كانت وسط حالةٍ من الكساد الاقتصادي، فقد عثر هيرشي على وظيفةٍ، بدلاً من إنشاء مشروعٍ خاص.
اغتنم هيرشي عمله موظّفاً، وتدرّب على صنع الكراميل بالحليب. ثم انطلق مرةً أخرى في عام 1883 لتأسيس مشروعه الثاني في نيويورك.
حقق المشروع الجديد النجاح في البداية، لكنه انهار لاحقاً بسبب مشكلات تدفق السيولة النقدية؛ كما صادرت الشرطة معدّات صنع الحلوى خاصته، بعدما تخلّف عن سداد ديونه.
وبحلول عام 1886، أصبح هيرشي على وشك الإفلاس وهو في الـ29 من عمره. حينها، استخدم آخر أمواله ليستقلّ القطار عائداً إلى لانكستر، حيث كان يُنظر إليه كشخصٍ فاشل، خصوصاً في تلك الفترة.
الرحلة نحو إمبراطورية شوكولاتة هيرشي
في لانكستر، صبّ ميلتون هيرشي كامل اهتمامه على إجراء تجارب خاصة، برفقة زميلٍ قديم وعمّته وأمه؛ بهدف ابتكار نوعٍ جديد من الكراميل. نجح في ذلك، وأطلق عليه اسم Crystal A.
انطلق هيرشي بعدها في محاولةٍ منه لترويج الكراميل، وكان يَعِد كلّ من يستمع إليه بأنه “سيذوب في فمه”. مستورد حلوى بريطاني أُغرِم بهذا المُنتَج، وطلب من هيرشي تحضير طلبيةٍ كبيرة بالجملة.
لاحقاً حصل هيرشي على قرضٍ من بنك لانكستر الوطني لشراء كلّ ما يلزم من أجل افتتاح شركة مخصّصة للكراميل. وبالفعل، افتتحت الشركة أبوابها في عام 1886 تحت اسم Lancaster Caramel Company، وكانت تبيع للعملاء الذين يشترون بكميّاتٍ كبيرة.
حقّقت الشركة نجاحاً باهراً، لدرجة أن هيرشي وظّف 1.300 عامل في مصنعَين، بحلول تسعينيات القرن الـ19.
ومع امتلاكه سيولةً نقدية في جيبه للمرّة الأولى، قرّر ميلتون هيرشي الاستمتاع بوقته. فزار المكسيك وإنجلترا ومصر، وقام بجولةٍ في أوروبا. كما قامر بأمواله في مونت كارلو، قبل أن يزور حجر بلارني في أيرلندا.
حينها، انطلق هيرشي أيضاً في رحلةٍ لزيارة المعرض العالمي الكولومبي في شيكاغو عام 1892، حيث شاهد آلاتٍ لصنع الشوكولاتة من ألمانيا، وقرّر أن يشتريها. وكان، حتى تلك اللحظة، يستخدم الشوكولاتة لتزيين الكراميل فقط، لكنه بدأ بعدها يفكر في إجراء تحوّلٍ كبير.
في عام 1898 تزوّج من كاثرين سويني، الأمريكية من أصل أيرلندي، التي تسكن نيويورك، والتي كان لها الفضل الجوهري في تشكيل أعماله الخيرية مستقبلاً.
وفي عام 1900، باع ميلتون هيرشي شركة Lancaster Caramel Company مقابل مليون دولار، متخلّياً بذلك عن حقوقه في علامة Crystal A وجميع مصانع الكراميل خاصته. ولكنه كان ذكياً بما يكفي، ليحتفظ بالحقوق الملكية لوصفات الشوكولاتة الخاصة به التي ستصبح فيما بعد وصفة شوكولاتة هيرشي.
استخدم هيرشي أموال البيع من أجل تأسيس Hershey Chocolate Company، واشترى قطعة أرض قرب مزرعة والديه، لعلمه بأن مزارع الألبان ستشكّل إمداداً قوياً. فافتتح مصنعه الجديد في عام 1903؛ وبعد عامين فقط، وصل منتج Hershey’s Kiss الشهير إلى الأسواق محققاً أرباحاً خيالية.
هيرشي وإرثه الخالد
بعد أن أصبح لديهما ثروة طائلة، افتتح هيرشي وزوجته مدرسة “هيرشي للأيتام” في العام 1909، سيما أنهما كانا عاجزين عن إنجاب الأطفال.
في عام 1912، نجت عائلة هيرشي من الموت غرقاً على متن سفينة تيتانيك بعدما قرّرا في اللحظات الأخيرة ألا يخوضا الرحلة. لكن لاحقاً في عام 1915، توفيت كاثرين نتيجة الالتهاب الرئوي.
دفن ميلتون هيرشي نفسه في العمل بعد موت زوجته، وبدأ في إنتاج وتسويق أكثر من 100 نوع شوكولاتة على المستوى الوطني في أمريكا. ومع ازدهار التجارة، بدأ يفكر في تحويل أراضيه الزراعية إلى بلدة خاصة، هدفها إيواء العاملين.
وبالفعل، حوّل المهندس هنري هير بلدة هيرشي في بنسلفانيا إلى بلدةٍ تضمّ شركة مزدهرة، ومصرفاً، وفندقاً، ومدرسة حكومية، بالإضافة إلى كنيسة، ومنتزهات، وملاعب غولف، وحديقة حيوان. كما دشن هير نظام عرباتٍ، يربط هيرشي بالبلدات المجاورة. ويصل عدد سكان هيرشي اليوم إلى 14 ألف نسمة.
وبعد أن قضى هيرشي ثلاث سنواتٍ أرمل؛ قام بتحويل 60 مليون دولار من أسهم شركته إلى صندوق هيرشي، الذي كان مسؤولاً عن تمويل المدرسة التي أنشأها مع زوجته الراحلة. ثم أطلق مشروعات بناء في بلدته خلال الكساد العظيم، ليحافظ على قوت سكانها، ولم يتوقف عن العطاء يوماً.
وبحسب موقع ati، دعم هيرشي الحرب الأمريكية ضدّ النازيين في الحرب العالمية الثانية، حين زوّد القوات المسلحة بألواح شوكولاتة هيرشي، صنعها خصيصاً للجنود كي لا تذوب في أيديهم. وقد كان هيرشي مسناً بدرجةٍ تمنعه من القتال وقتها، لكن أدرك أن النفوذ المالي يمكن استخدامه في أي وقت.
توفي هيرشي مليونيراً في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1945، تاركاً وراءه إرثاً من الأعمال الخيرية، التي تجعله خالداً حتى اللحظة. وبين حلوى Twizzlers وReese’s وشوكولاتة Cadbury وAlmond Joys، ستجد ملايين الأطفال الذين يعشقون الرجل المسؤول عن هذه الحلويات.