حرية – (23/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
السؤال الذي يشغل كثيرين الآن حول مسألة تقدم الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري هو هل سيتوقف هذا الذكاء عند حد معين؟ أم أنه سيظل من دون حدود حتى يصل ذات يوم إلى مرحلة لا يمكن بعدها ضبطه وتوجيهه باتجاه فائدة البشر والإنسانية، فولادة “تشات جي بي تي” و”بارد” اللذان يعدان أول مخلوقين إلكترونيين في العصر الحديث عززت مخاوف الناس لتظهر أخيراً “فوبيا” حديثة خاصة بهذا الذكاء، لا سيما أن تحذيرات في هذا الشأن وردت على لسان بعض عرّابي التقدم التكنولوجي.
وتشير المقالات الصحافية المتعاقبة حول “بارد”، وهو مولود العملاق “غوغل”، إلى أنه أكثر تقدماً من شقيقه الأكبر “تشات” على رغم أنه يصغره بأعوام عدة، عدا أن “بارد” سيتغلغل في تطبيقات “غوغل” كلها، مما أثار مزيداً من المخاوف حول خصوصية ملايين إن لم يكن مليارات المستخدمين لهذه التطبيقات حول العالم.
مقارنة بسيطة وسؤال بريء
لو أردنا أن نجري مقارنة بسيطة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري في لحظتنا هذه، فمن المؤكد أن هذا الذكاء الذي من المفترض أن يمثل امتداداً طبيعياً لذكاء البشر، يمر في مرحلة خطرة، وهي مرحلة التخلق من جديد بما يرشحه لأن يسبق ذكاءنا بعشرات إن لم يكن مئات السنين، فالعقل الآلي عقل جمعي يضم كل معارفنا تحديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكمية المعلومات والمعادلات المعرفية التي قد تتكون عبر “سيرفرات” الإنترنت هائلة. والسؤال هو إلى أين سيقودنا هذا الذكاء؟ وتكمن الخطورة في عدم وجود إجابة محددة مما يدفعنا إلى التفكير بعامل الربح التجاري كمبرر وحيد لولادة هذه الكائنات “تشات” و”بارد”، وما قد يأتي بعدهما، أضف إلى ذلك عاملاً حاسماً في هذه المعادلة وهو التنافس المحموم على الريادة وعدم خسارة المستخدمين.
تقدم غير مفهوم
التقدم الذي نتحدث عنه لا يمكن أن يبرر إلا من خلال كونه فرصة لتحقيق أحلام كبرى للبشرية أو الإنسانية جمعاء، أحلام من نوع تحقيق الخلود للإنسان أو استعمار الفضاء أو أي حلم بهذا الحجم يراود الإنسان منذ ملايين السنين، لكن الواقع يقول غير ذلك حتى الآن لأن القراءة عن إمكان توظيف هذا الإنجاز الإنساني لمصلحة حلم أو مشروع استعمار الفضاء الخارجي مثلاً، تؤكد أن الأمرين لا يلتقيان في الوقت الراهن ولا حتى في المستقبل القريب، لأن فكرة تقدم الذكاء الاصطناعي لا تكفي لحل مشكلات الحلم المذكور الذي بدأنا نسمع عنه منذ ما يزيد على قرنين من الزمان من خلال العالم الروسي ورائد الملاحة الفضائية كونستانتين تسيولكوفسكي، الذي كان أول من تصور هذا المشروع عام 1895، فالكلفة المالية الخيالية لهذا المشروع عالية جداً، إضافة إلى المعوقات الطبيعية التي لا تعد ولا تحصى مما جعل كلاً من “ناسا” و”إيسا وكالة الفضاء الأوروبية” ووكالتي الفضاء الصينية والروسية تتنازل مع مرور الوقت عن هذا المشروع، وليصرح رئيس “ناسا” قبل عقد من الزمان بأن المشروع هو بحكم الملغي، بينما تفكر أوروبا والصين وروسيا فيه لكن بعد 2025.
مشاريع أقل شأناً وأصغر حجماً
وإذا كان التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي سيوظف لمصلحة الإنسان، فإنه في الأقل يجب الإعلان عن نيات رواد هذا التقدم في كيفية توظيفه لمصلحة الناس وليس لمجرد تحقيق مزيد من المجد والثروات لفئة قليلة من الناس في مقابل العصف بأحلام ومصائر ملايين البشر، بخاصة المتوجسين من فكرة التقدم التقني تحديداً أو المعارضين لنمط الحياة المبني على هذه الفكرة في الحداثات البشرية وما بعدها، ولعله من المفارقات الإشارة إلى أن التقنيات تسير في اتجاه العلم تماماً، إذ بدأ العلم كونه فكرة لمصلحة البشرية وإنجازاً إنسانياً، ثم تداولته قلة من المتنفذين حتى أصبح شديد التطور ولكن في مجالات نخبوية لا يستفيد منها غير أصحاب الثروات الطائلة.
والدافع إلى قول ذلك هو كون شركات التقانة العملاقة فشلت فعلياً في حل مشكلات أقل شأناً مثل إنهاء الجريمة، وهو الحلم الذي راود الإنسان منذ مقتل “هابيل” منذ ملايين السنين، بينما توجه على ما يبدو كل طاقتها إلى تحقيق أرباح مالية، غير أن هناك من يتحدث عن السعي إلى الوصول لهذا المبتغى.
العلم والفن والدين
يتقدم الذكاء الاصطناعي تحت شعار العلم، فيما الفنون تشكل غطاء شعبياً له، فكثير من الأعمال السينمائية والأدبية الخيالية حول الذكاء الاصطناعي التي استندت إلى فكرة الخيال العلمي وأمطرتنا بها شركات الإنتاج في هوليوود منذ قرن من الزمن، لعبت بشكل غير مقصود دوراً سلبياً في الصراع بين العلم والحياة، فنظرية المخلوق الآلي الشرير الذي يلاحق البشريين ليقتلهم والتي عرضت في أفلام مثل “تيرمنيتر” و”ماتريكس” وغيرها، على أهميتها، تعزز هذه الفوبيا حالياً مع أنها نجحت في وقتها بتجسيد هذه المفارقة التي تدور رحاها اليوم بين الذكاءين البشري والاصطناعي.