حرية -27/5/2023
ياسين البكري
تبدو فكرة طريق التنمية جذابة على الورق، ومهم نظرياً على مستوى الإنعكاسات السياسية الإيجابية في منطقة متصارعة منذ عقود طويلة، ومتشابكة المشاكل ومتوارثة ومتعددة المشارب والمرجعيات السياسية ومتناقضة في طموحات الزعامة والهيمنة والقيادة،
من المنظور هذا، يبدو ان طريق التنمية مفيد نظرياً وقد يخفف جزء من إحتقان المنطقة ولكن باشتراط.
المنظور السياسي وحده لا يصمد تسويقياً إن لم يرافقه منظور اقتصادي يشد المتصارعين لمصلحة حقيقية، ويحيل علاقات الصراع لتعاون وهي أهم أهداف الدبلوماسية للدول.
دون منظور اقتصادي تصبح المؤتمرات مجرد مظاهرة خطابية تلفزيونية وتسويق شعبوي داخلي، وكلمات مجاملة رومانسية، إما عن، ما يجب أن يكون، وما يجب، ليس دائماً ما هو كائن فعلياً في علاقات شرق أوسطية ملتبسة ، أو عن روابط زائفة لم تمنع عملياً من تفكيك أزمات المنطقة وصراعاتها التي دفعت ثمنها الشعوب؛نزيف بشري وتنموي طويل أنهك بلدان الشرق الأوسط حتى عادت كالعرجون القديم متيبسة محنية.
سياسياً، طريق التنمية مهم للعراق في أن يصبح مرتكزاً في المنطقة ومتوازناً مع جيرانه ويسد ثغرات وفجوات الفراغ الستراتيجي الهائل الذي خلفه تراجع دور العراق حين أصبح دولة هشة، ودائماً تملئ، وملئت منطقة الفراغ بعوامل عدم استقرار، حين بحثت دول المنطقة عن ساحة لعب لتصفية حساباتها البينية، وطريق التنمية كفكرة مهم لدول المنطقة التي يبدو انها أدركت إنها أنهكت بصراع طويل لا يمكن أن يحسم لطرف على حساب طرف أخر؛
غير ان الحساب السياسي مشروط بمنفعة اقتصادية، وهو السؤال المطروح عراقياً على مستوى المراقبين والشارع، الذي ما زالت إجابته غائبة، ويستعاض عن لغة الأرقام الباردة الحيادية، عن (الكلفة والعوائد والتمويل والتنمية) المحسوبة بدقة بجمل عائمة ضبابية أقرب للشعارات السياسية الحارة التعبوية التسويقية، الأمر الذي انعكس على مناقشات المؤيدين والمعارضين للمشروع، فكلاهما يعرض وجهة نظر سياسية تنتهي في الغالب بتخوين واتهامات أقلها حدة ان الطرف الأخر غبي.
مشروع مهم كفكرة، مثل طريق التنمية، لا يحتاج لمجرد تنظير سياسي؛فهو يحتاج لبيان جدوى اقتصادية تختصرها (الكلفة الإستثمارية المطلوبة، والمساهمين والعائد المتوقع مالياً وفرص عمل وتنمية إجتماعية وحضرية).
بيان الجدوى الاقتصادية هو الإجابة العقلانية لأسئلة معلقة ومشروع يحتاج أن يخرج من حيز التنظير السياسي لحيز علم الاقتصاد ومنفعته.