حرية – (28/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
يعبر فيلم “أكوامان” الذي أنتج عام 2018 عن أحدث التحولات الفكرية التي طرأت على علاقة الإنسان بالبحر حديثاً، إذ شهدت هذه العلاقة، أخيراً، تراجعاً كبيراً سببه الرئيس دخول الإنسان زمن العولمة والتطور العلمي والتقني الهائل، ويدلل الفيلم على أن الصراع بين الطبيعي والاصطناعي في وقتنا الراهن انتقل إلى أعماق البحار والمحيطات، بعدما سهلت التكنولوجيا للبشر بلوغ أعماق المحيطات، وأصبحوا قادرين على الوصول إلى العمق ونهب ثروات هذا الكائن الذي كان في زمن طروادة الإغريقية 3000 ق. م ملاذاً لأحلام العاشقين والنبلاء قبل أن يتحول إلى مركز نزاع شرس عكس مخاوف الإنسان وهواجسه من التقدم العلمي الذي يكون غير أخلاقي في كثير من الأحيان.
البحر في زمن “أكوامان” أو رجل الماء الخارق بات فقط منبعاً للشرور التي تريد أن تصل إلى الأرض للانتقام من الناس بسبب ممارسات وسلوكات خاطئة يمارسها بعض ساكني سطح الكوكب ضده، إذ تعرضت المحيطات لتلوث كبير نتيجة تسرب النفط من الناقلات العملاقة، وكذلك التفجيرات والتجارب النووية، إضافة إلى تحويل البحر إلى مصب للنفايات.
حبكة الفيلم
عام 1985 أنقذ حارس منارة “مين توماس كوري” ملكة مملكة “أطلانطس” تحت الماء “أتلانتا” فوقعت في حبه وأنجبت منه “آرثر”، وهو المولود الذي يمتلك القدرة على التواصل مع الكائنات البحرية والذي ترفضه مملكة الماء لأن نصفه من سلالة أخرى، أي بسبب جنسه الهجين، إذ إن “أورم” أخوه غير الشقيق يريد توحيد أطلنطس لمهاجمة سطح الأرض بسبب تلويث الحياة البحرية، حيث يعد تلوث البيئة البحرية من سطح الأرض من أقدم مصادر التلوث البحري، خصوصاً مع بحث الإنسان عن وسيلة للتخلص من مخلفات النشاطات الصناعية والنفايات التي تتراكم على وجه الأرض.
ما قبل أكوامان
قبل عرض “أكوامان” عبرت هوليوود والمخيلة الإنسانية عن علاقة الإنسان بالبحر من خلال أعمال شهيرة مثل “كاست أواي” و”جزيرة الكنز” و”موبي ديك” وصولاً إلى “تروي-2004″، وعكست هذه الأعمال دخول العلاقة في أطوار مهمة بدأت باعتبار البحر مصدراً للغذاء أثناء العزلة “كاست أواي”، ثم كونه مصدراً للثروات عبر جزره وشواطئه التي يصل إليها البحارة والصيادون والقراصنة، ثم انتقل النزاع ليكون شخصياً بين الحوت، أكبر مخلوقات البحر، والإنسان.
تلوت المحيطات بالنفايات محور صراع البحر مع الإنسان
وبغض النظر عن العامل الزمني أو وقت إنتاج العمل، إلا أن كل هذه الأعمال قبل “أكوامان” بما فيها “تروي” عبرت عن علاقة خارجية بين الإنسان قديماً والبحر، علاقة طبيعية يخسر فيها البحر أحياناً، وأحياناً أخرى البشر سواء كانوا صيادين أو بحارة أو حتى قراصنة بشكل منصف، إذ من الوارد جداً أن يبتلع البحر الإنسان أو ألا يعود أمهر الصيادين من رحلتهم.
شعبية واسعة
يتميز “أكوامان” بميزتين جديدتين هما سبب شعبيته الواسعة مع أنه آخر أفلام الأبطال الخارقين وحطم أرقام العائدات القياسية، وهما أنه نقل الصراع إلى أعماق البحار والمحيطات، كما أنه أول فيلم سينمائي حديث يحذر من مخاوف الإنسان وهواجسه من انتقام البحر ومخلوقاته من سكان سطح الأرض.
ويؤكد المخرج جيمس وان أن الفيلم الذي كتبت حبكته بأسلوب “شكسبيري” يلفت الأنظار إلى الخطر والشر اللذين يأتيان من البحر بعدما كانت أنظارنا منصبة على الأخطار التي تأتي من السماء “غزو الفضائيين للأرض”.
مملكة تحت الماء
“أطلنطس” قارة إغريقية مختلف على وجودها حتى الآن، ويستدعيها الخيال العلمي عبر “أكوامان” بوصفها مركزاً لمملكة رجل الماء “آرثر” الذي يقدر له أن يحكم من سطح الأرض أعماق المحيطات في المملكة المائية، ولكي يكون جديراً بذلك عليه أن يحقق معادلة الرمح الثلاثي الشهير الذي يرمز إلى قدرة حامله على ضبط السطح وإيقاف ممارسات الإنسان في تلويث هذه المملكة.
ومملكة تحت الماء هي تعبير عن المدن والقارات القديمة التي ابتلعها المد فتحولت إلى عوالم افتراضية تقود مخيلة الإنسان إلى أزمان غابرة، بدءاً من الحضارة الإغريقية وحتى وقتنا الراهن، وإذا كان مخرج العمل أراد لعقدة الفيلم أن تكون شكسبيرية بمعنى أنها تعتمد على الحبكة الروائية والمجاز، تحديداً، فإن المؤثرات البصرية والسمعية ذات الحضور الطاغي والتي صاغت، من خلال التقنيات الحديثة، مشاهد قوية عوضت ما يعد تكراراً في نصوص الأبطال الخارقين الذين يولدون مع مواهب طبيعية مثل رجل الماء الذي ولد بقدرات خارقة.
تحول في شخصيات الأبطال الخارقين
ويعد التفات صناع الفيلم إلى هذه الفكرة نجاحاً نوعياً لأنه ربط بين الحبكة الشكسبيرية والأحداث الحقيقية من خلال التقنيات التي شكلت هوية العمل السينمائي الخاصة والتي هي في الوقت ذاته السبب الرئيس في النزاع بين الإنسان والبحر واقعياً، والمرتبط عملياً بالتقدم العلمي والتقني بعد العولمة، تحديداً بعد الثورة الصناعية الحديثة.
أرقام وحقائق
لم يكن من المتوقع صناعة فيلم سينمائي جديد يتناول شخصيات خارقة ذات طابع حديث، ومع ذلك حطم “أكوامان” أرقاماً قياسية في الإيرادات، فعائد الفيلم المالي في العالم تجاوز مليار دولار وموازنته من 160 إلى 200 مليون، وجاء الفيلم بعد سلسلة طويلة من الأفلام حول أبطال خارقين مثل “بات مان” و”سبايدرمان” و”سوبرمان” و”آيرون مان” وغيرهم، والفيلم لـ”دي سي كومكس” والمخرج جيمس وان، وهو من بطولة جايسون موموا ودولف لاندغرين ونيكول كيدمان ويحيى عبدالمتين.