حرية – (28/5/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
تحفل إثيوبيا بمجموعة قوميات موزعة على امتداد أراضيها التي تحتوي على غرائب وتتميز بألوان من الطبائع، وتقطن بعضها في بيئات متعددة الثروات وتحتفظ بنكهة تعاطيها مع الحياة من دون تغيير لآلآف السنين.
ويعيش معظم تلك القوميات منغلقاً، بينما انفتاح بعضها لم يغير من تميزها في تقاليدها سواء في الملبس أو المأكل أو العادات، تمارس الحياة بفطرة الطبيعة، لها خصوصياتها في مختلف الطقوس، أتراحها كأفراحها تجمع الغرائب وتحفز الاندهاش.
إقليم معبر النيل
وقال الرئيس الأسبق لإقليم بني شنقول- قمز، التوم مصطفى محمد إن “إقليم بني شنقول- قمز من أهم الأقاليم الإثيوبية لما يحظى به من ثروات، ويقع في الجزء الشمالي الغربي من البلاد وتقدر مساحته بـ 65 ألف كيلومتر مربع وتمثل مدينة أصوصا عاصمة له، ويشكل الإقليم معبر النيل الأزرق عند خروجه وتدفقه إلى السودان. وتتميز أراضيه بالانبساط على خلاف معظم البيئات الإثيوبية الأخرى ذات الطبيعة الجبلية، كما تتخلله تلال خضراء تهطل الأمطار عليها على مدار العام”. وأضاف “يشتهر الإقليم بفاكهة المانغو وتحتوي أرضه على معدن الذهب والرخام. ويمثل الذهب مصدر دخل لكثير من الأهالي الذين يمتهنون التقاط حبيباته بوسائل بدائية من التربة والبرك المائية ومجاري المياه، إلى جانب بعض الشركات التي تعمل على تعدينه. كما اشتهر إقليم بني شنقول – قمز باحتضانه لسد النهضة الذي تبنيه الحكومة الإثيوبية على حدود الإقليم مع السودان. ويشهد الإقليم حالياً تطوراً كبيراً نتيجة إقبال عدد من جهات الأعمال للاستثمار سواء في الزراعة أو التعدين.”
قبائل الإقليم
من جهة أخرى، أوضح رئيس المجلس الإسلامي في الإقليم محمد سراج أن “قومية قمز أو القماز هي إحدى القوميات الإثيوبية وأدرج اسم قمز ضمن تسمية الإقليم الذي ظل يعرف تاريخياً باسم بني شنقول لأنها القومية الثانية تعداداً بعد قومية البرتا، القومية الرئيسة في الإقليم، إلى جانب دواعٍ سياسية فرضها التقسيم الفيدرالي الذي اعتمدته إثيوبيا في عهد رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي، ويتشكل الإقليم من قبائل رئيسة هي البرتا والكومو والماو والشناشا والقمز وبعض المجموعات من خارج الإقليم، إضافة إلى جماعات أخرى أقل عدداً كالجعليين والوطاويط والمغاربة والمحس والشايقية والبديرية، وهي عبارة عن بويتات في الإقليم لقبائل رئيسة داخل السودان”.
وأضاف سراج “تشكل قبائل البرتا النسبة الغالبة من سكان إقليم بني شنقول وتنتسب عرقياً إلى بطون قبائل النوبيين وترجع إلى عهد الملك السوداني تهراقا، ولتلك القومية وجود كبير في ولاية النيل الأزرق بالسودان وهم من السكان الأصليين في كل من بني شنقول والنيل الأزرق.”
وتابع “وكما لقومية البرتا تمددها داخل السودان، تتوزع قومية قمز هي الأخرى بين إثيوبيا والسودان على الشريط الحدودي في محافظة كماشي الواقعة شمالاً، كما ينتشر أهلها في معظم المناطق الشمالية من الإقليم، ولها وجودها على الشريط الحدودي إلى داخل السودان في منطقة النيل الأزرق وتنتشر في كل من مناطق يا بشر ويا ريدا وبمبدي ألمان وكرمه”، مشيراً إلى أن “تلك المنطقة تشهد استقراراً وتعايشاً سلمياً بين مختلف السحنات كما تشهد تطوراً كبيراً في ظل احتفاظ بعض قبائلها بعاداتها وطبائعها الخاصة”.
ويعمل القمز بالزارعة، كمعظم سكان الإقليم، وينشطون في زراعة محاصيل حبوب الذرة والدخن والذرة الشامية والسمسم. ويعيش أفراد تلك القومية حياة بسيطة، معتمدين على ما وهبته الطبيعة سواء في الزراعة التي لم يطوروها وكرعاة للأبقار والماعز وممارسة الصيد بطرق بدائية، إلى جانب جمع الصمغ العربي الذي تنتشر بعض الشجيرات المنتجة له في الإقليم، ويسكن أفراد القبيلة في منازل تبنى من الطين وسيقان الأشجار”.
وزاد سراج “تمثل الذرة الشامية الغذاء الرئيس لقومية قمز وتؤكل كعصيدة ومرق إلى جانب بعض أوراق النباتات والبطاطا الحلوة التي تطبخ بطرق معينة، وتعتبر القومية من القبائل ذات الطبائع الزنجية في السحنة والعادات ويدين بعض أفرادها بالديانات الوثنية”.
أفراح غريبة
من جهتها، قالت الباحثة الاجتماعية حواء يوسف بكاري إن “قومية القمز تتميز بثقافتها وعاداتها وطقوسها الفريدة، لها أزياؤها الخاصة التي يغلب عليها اللون الأبيض عند الرجال، وللنساء أزياؤهن الملونة، إلى جانب اقتناء النساء والفتيات زينة الخرز التي تصنع في أشكال دوائر تحيط الرقبة، ويقتنين كذلك الأحجار اللامعة، شبه الكريمة التي تنحت من بعض الصخور المحلية.” وأضافت “للقمز عادات مختلفة عن القبائل الأخرى، ففي أفراحهم وفي مناسبات الزواج والمناسبات الوطنية يتغنون بالأغاني الشعبية التي ترافقها الآت موسيقية غريبة الأشكال كالمزمار الطويل المصنوع من قرون الأبقار، إلى جانب الطبول المصنوعة من نوعيات معينة من الأشجار، وتستمر أفراح القبيلة عادة لأيام عدة تذبح فيها الذبائح ويصنع فيها الطعام بطرق بدائية تحت ظلال الأشجار”.
وأشارت بكاري إلى أنه “لنساء الإقليم ما يميزهن في الرقص، إذ تربط المرأة على قدميها أدوات نحاسية تصدر أصواتاً أثناء الرقص لتجذب الانتباه. كما للمناسبات مشروبات تقليدية يتقدمها مشروب يعرف بـاسم ’بوردي‘، يصنع من أنواع معينة من الذرة.”
وتابعت “الأغاني عند قومية قمز متعددة، فما من مناسبة إلا ولها أغنياتها الخاصة. ومن الممارسات الغريبة عند بلوغ الفتاة القمزية سن البلوغ وتحسسها ما طرأ عليها من تغيرات جسدية، تخبر الفتاة أمها بذلك، وينتشر الخبر وسط الأهل والأقارب ويعتبر الأمر تطوراً للأسرة وتتجهز القرية بأكملها للاحتفال الذي يشارك فيه الناس من مختلف القرى. ويوزع الأكل التقليدي من عصيدة ولحوم ومشروبات وتدق الطبول وينفخ في المزامير بأغاني خاصة ببلوغ الفتاة. وفي ختام الفرح يتسابق الفتيان إلى الفوز بقلب الفتاة. وتعتبر عادة الاحتفال ببلوغ الفتاة مناسبة سابقة للزواج”.
المرأة القاضية
وذكرت بكاري “من غرائب القمز أيضاً أن للمرأة القمزية مكانة تنافس مكانة الرجل في القبيلة، بخاصة في أهم القضايا الاجتماعية المتعلقة بالخلافات وفي حل المشكلات بين الأفراد، بحيث يوكل للمرأة إبرام المصالحات بين الخصوم. فعند أي خلاف أو شجار بين شخصين أو أكثر من أفراد القبيلة تعرض المشكلة أولاً على عقلاء النساء لحلها.” وأضافت “يبدأ حل المشكلة عادة باجتماع مصغر للنساء المعنيات بهذا الدور، يتداولن في ما بينهن قضية الخلاف، ويتحاورن ويتفقن على أنسب الحلول لها. ومن ثم تبدأ الخطوات العملية بأن يرسلن إحداهن أولاً لزيارة المتخاصمين، وهي تحمل فوق رأسها عشباً أخضر وبعض الفاكهة أو قليلاً من الحبوب، إلى جانب عظم حيوان يرافق هذا الدور.”
وأوضحت “يقدَم العشب الأخضر كخطوة أولى لقبول حل المشكلة من الخصوم. وفي حال قبول الخصوم العشب تبدأ الخطوة الثانية بتقديم الثمار لأكلها، وفي حال أكلها يكون الأمر وصل إلى مرحلة الثقة بين الطرفين المتنازعين واقتربا من الصلح. وباكتمال المرحلة الثالثة التي يتشارك فيها الخصوم في كسر العظم الذي تحمله المرأة القاضية معها تكون المشكلة انتهت.”
وتابعت حواء بكاري “وبعد ذلك تتم زيارات ودية متبادلة بين الأطراف يتشارك فيها الحضور الشراب. وتعتبر طقوس المرأة القاضية مما تتميز به قومية قمز، كما تعتبر من أهم العوامل المحققة للاستقرار في مجتمعاتهم من دون تدخل لأي جهات رسمية في المشكلات بين الأفراد وحتى الجماعات عند مستويات معينة”.
طبول وغناء للميت
وزادت “كذلك من غرائب قومية القمز أنه في بعض أحزانها تبث أغاني خاصة بتمجيد الميت عند تشييع جنازته، إذا كان من زعماء القومية، أو أعيانها، أو من كبار السن، فيتم ذبح عدد من الأبقار بحسب مكانة المتوفى ويجتمع الأهالي من كل أطراف المنطقة. وبعد تناول الطعام يتغنى فنانو المنطقة والمشاركون بأغنيات تعبر عن دور المتوفى وما قام به من أعمال إنسانية ونشاطات في وسط القبيلة، ويتحول المأتم إلى فرح بعد أن حفته البواكي من النساء”.