حرية – (1/6/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
كثيرون يعانون من حالات مزمنة من التوتر والاكتئاب المتفاوت، وغالباً ما يعتبرون سبب هذه المشاعر يكمن في نظام حياتهم اليومي، أو التزاماتهم الثقيلة من أعباء ومهام لا تنتهي، أو حتى لسوء نظامهم الغذائي وعدم الالتزام بممارسة الرياضة باستمرار.
لكن ما لا يعرفه معظم الناس أن نسبة تلوث المدينة التي يسكنها الفرد قد تكون هي العامل الرئيسي في معاناته من المشاعر السلبية المزمنة!
دراسات تكشف ارتباط التلوث بالصحة النفسية والمشاعر
كشفت الدراسات العلمية المتخصصة وجود ارتباط مباشر بين جودة الهواء واعتلال الصحة العقلية، حيث اتضح أن التعرض طويل الأمد لمستويات مرتفعة نسبياً من تلوث الهواء يمكن أن يسبب الاكتئاب والقلق المزمن.
بدأت الفكرة في الاتضاح في نهاية التسعينيات، عندما لاحظ سكان مكسيكو سيتي أن كلابهم تتصرف بغرابة. وفي ذلك الوقت، كانت المدينة المحاطة بالجبال ويبلغ عدد سكانها أكثر من 15 مليون نسمة تُعرف بأنها الأكثر تلوثاً في العالم، مع ضباب دائم بسبب الوقود الأحفوري المحاصر في الهواء.
وبحلول عام 2002، قامت عالمة السموم واختصاصية الأمراض العصبية ليليان كالديرون جارسيا دويناس، بفحص أنسجة دماغية من 40 كلباً عاشوا في المدينة و40 آخرين من منطقة ريفية قريبة تختلف في نسبة نقاء الهواء ونظافته. واكتشفت أن أدمغة كلاب المدينة ظهرت عليها علامات التنكس العصبي، بينما الكلاب الريفية لديها أدمغة أكثر صحة.
ثم بتطبيق الدراسة ذاتها على أشخاص من سكان المدينة والقرية، وجدت النتائج نفسها.
أدى ذلك إلى استنتاج مفاده أن التعرض المزمن لتلوث الهواء يمكن أن يؤثر سلباً على الجسم ويجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض التنكس العصبي، مثل مرض الزهايمر وباركنسون والتلف العقلي، الذي بدوره يساهم في المعاناة من حالات التوتر والقلق والاكتئاب المزمن.
وفي الدراسة الأحدث بهذا الشأن، تم تتبع حالات الاكتئاب والقلق لدى ما يقرب من نصف مليون بالغ في المملكة المتحدة على مدى 11 عاماً، ووجد الباحثون في دراسات البحث المنشور فبراير/شباط عام 2023 الجاري، أن أولئك الذين يعيشون في مناطق ذات نسبة تلوث أعلى كانوا أكثر عرضة للإصابة بالنوبات من القلق والاكتئاب، حتى عندما تكون جودة الهواء ضمن الحدود الرسمية.
وقال الباحثون في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية للطب النفسي، أنه كلما زاد تلوث الهواء زادت حالات الاكتئاب والقلق.
كيف يمكن للتلوث أن يؤثر على أعضاء الجسم الداخلية؟
لطالما تورط تلوث الهواء في عدد من اضطرابات الجهاز التنفسي، لكن لاحظ الباحثون أن مجموعة متزايدة من الأدلة تثبت وجود صلة باضطرابات الصحة العقلية.
واتضح أن الملوث الذي يلعب “الدور الكبير” في التأثير على الجسم بهذا الشكل العضوي الحاد هو الجسيمات الصغيرة التي يمكنها العبور والتأثير على الأعضاء الداخلية والخلايا العصبية، مثل جسيمات التيتانيوم والحديد والنحاس.
إذ تخترق هذه الملوثات أنظمة الترشيح في الجسم، ويتم استنشاقها من خلال الأنف والفم، وتنتقل مباشرة إلى الدماغ. وغالباً ما تحتوي الجسيمات الدقيقة المنبعثة من عادم الديزل، والسخام، والغبار، ودخان حرائق الغابات، من بين مصادر أخرى، على المعادن متناهية الصغر، ما يؤدي إلى تفاقم تأثيرها.
ويتضح أن تلوث الهواء يلحق أضراراً جسيمة بجسم الإنسان ويهدده بالربو وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والوفاة المبكرة والسكتة الدماغية، علاوة على قائمة طويلة من المشاكل.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يأتي التلوث على رأس قائمة التهديدات الصحية على مستوى العالم، ما تسبب في 7 ملايين وفاة في السنة، ويشكل الأطفال والرضع الفئة الأكثر عرضة للتأثُّر بشكل خاص.
التأثير المستدام للتلوث على الدماغ والأعصاب
وقد تم ربط التلوث بالتنكس العصبي، وانخفاض اللدونة الدماغية، وموت الخلايا العصبية، وضعف التعلم والذاكرة، وحدوث أضرار من الالتهابات المزمنة.
لأنه عندما تدخل جزيئات تلوث الهواء إلى الدماغ، يتم الخلط بينها وبين الجراثيم، وتهاجمها الخلايا الدبقية الصغيرة، وهي أحد مكونات الجهاز المناعي للدماغ، ما يؤدي إلى الالتهاب العصبي.
ويُعد الضرر الذي يلحق بالدماغ مؤثراً ومستديماً بشكل خاص لأن الدماغ هو لوحة التحكم الرئيسية للجسم، ويمكن أن يتسبب التلف الناتج عن التلوث في مجموعة من الاضطرابات العصبية والنفسية وعلى مناطق الدماغ التي تنظم المشاعر، مثل اللوزة الدماغية وقشرة الفص الجبهي والحصين. إذ تتحكم اللوزة، على سبيل المثال، في معالجة التجارب المخيفة، ويمكن أن يتسبب ضعفها في المعاناة من القلق والاكتئاب.
كيف يمكنك الحد من تعرضك للتلوث؟
- اعلم أن قربك من السيارات يزيد من المخاطر.
- قم بتصفية وتنقية الهواء المنزلي الداخلي باستخدام معدات تنقية الهواء.
- فكر في استخدام السيارات الكهربائية.
- قلل اعتمادك على المنظفات والشموع والبخور في تعطير المنزل.
ومع ذلك، قد تكون هذه التدابير الفردية بعيدة المنال مالياً لكثير من الناس. ويقول الخبراء إن تحسين جودة الهواء يجب أن يتم بشكل أساسي من خلال السياسة العامة للدول.