حرية – (8/7/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
“هل ماتت مادونا؟” هذا هو السؤال الذي كان ينهال على هاتفي لمدة 48 ساعة. علي أن أذكّر أصدقائي باستمرار أنني لا أعرف مادونا حقاً على رغم أنني كتبت كثيراً عن علاقتي بها على مدى الـ 20 عاماً الماضية.
أنا مجرد معجبة وليست لدي معلومات أكثر منهم عن تلك “العدوى البكتيرية الخطرة” التي أدت إلى العثور على نجمة البوب غائبة عن الوعي في شقتها في نيويورك، ونقلها إلى قسم العناية المركزة يوم السبت، ومثلي مثل بقية الجمهور في جميع أنحاء العالم صدمني الخبر على نحو غريب.
بالمقارنة مع عدد من نجوم البوب، إذ يؤدي أسلوب حياة المشاهير الذي يعيشونه إلى وقوعهم فريسة للإدمان والمرض، لطالما اشتهرت مادونا بوعيها الصحي وتمتعها بلياقة بدنية خارقة.
لما حضرت حفل إصدار كتابها الأول الموجه إلى الأطفال كانت تفصلني عنها بضعة أمتار، وعلى رغم أن بنيتها ضئيلة وكانت ترتدي فستاناً صيفياً مزيناً بالأزهار، فقد كانت عضلات ذراعيها مفتولة جداً مثل مدربة يوغا لدرجة أنها بدت كبطلة أفلام خارقة متخفية في احتفال قروي.
بعد إقامة قصيرة في المستشفى ورد أن أيقونة البوب البالغة من العمر 64 سنة عادت للمنزل يوم الخميس، ووفقاً لمدير أعمالها المتعاون معها منذ فترة طويلة غاي أوشيري فإن “الشفاء التام متوقع”. لكن من الواضح أن العدوى كانت خطرة بما يكفي كي تؤجل جولتها التي تحمل عنوان “احتفال” وتستعرض مسيرتها المهنية، والتي كان من المقرر أن تنطلق من فانكوفر في منتصف يوليو (تموز) الجاري وتصل إلى قاعة “أو تو أرينا” في لندن في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لإحياء أربع ليال.
مع أن أياً من أصدقائي لم يشتر تذاكر للجولة قبل الوعكة الطبية الطارئة التي حصلت لمادونا، بدأت كل أصناف الرسائل تصل إلى هاتفي بمجرد إدراك العالم أنها تجاوزت مرحلة الخطر: “يجب أن نذهب، أليس كذلك؟”، “أعرف أن سعر بطاقات الصف الأول هو 1307 جنيهات استرلينية، لكن يمكننا الحصول على تلك التي تباع بسعر 47 جنيهاً؟”، “هيا يا فتيات! آخر رقصة كبيرة رفقة مادونا؟ هل يمكننا استخراج الصلبان وشرائط الدانتيل؟”
أوه، كانت هذه الرسالة الأخيرة هي التي ضربت على وتر حساس لدي وذكرتني بما تعنيه مادونا بالنسبة إليّ ولعدد من فتيات “الجيل إكس” (المولودين ما بين أوائل الستينيات إلى أوائل الثمانينات) وأعضاء مجتمع الميم.
تذكرت كيف قمت بلف تلك الشرائط المميزة حول معصمي وتجميع شعري فوق رأسي والنظر إلى المرآة عابسة كي “أندمج في روتين الرقص” كما تقول أغنيتها Into the Groove، آملة في كسب شيء من الحضور الرائع والمشحون للمغنية، وتلك النظرة الجاذبة والمنفرة وهي تغني “هيا” ثم “أتحداك”.
إذا كنت تريدين تقليد ما ترتديه مادونا كطفلة نشأت في الثمانينيات فعليك أن تكوني مبتكرة، وكان لابد من صنع الأكسسوارات بأنفسنا، إذ لم تكن لدينا وقتها متاجر كلير.
أخذت قماش الدانتيل من خزانة الخياطة الخاصة بأمي وقصصت قطعاً من الشبك الأسود من بطانة تنورة من زي صنعته أمي من أجل عيد هالوين ووضعته على شعري، وفي كراج منزلنا الكائن في الضواحي تسللت في عتمة الظهيرة ونبشت في صندوق الأدوات المعدني متعدد الطبقات الذي يمتلكه أبي ووجدت بعض الأشياء المطاطية السوداء لأثبتها على الأساور، ولا أزال إلى الآن لا أدري ماهية بعضها، أجزاء من حزام مروحة قديمة؟ مواد لرتق الثقوب في إطارات السيارات؟ أو ما إذا كان أبي بحاجتها (آسفة يا أبي).
لكن رائحة الزيت والصدأ والتمرد كانت تفوح منها، وأطفال اليوم وأطفالي لا يتذكرون أن مادونا قبل أن تصبح علامة بوب عالمية فارقة كانت مغنية موسيقى “بانك” وفنانة صنعت نفسها بنفسها، إذ صاغت فنها من الأصوات المهملة والأفكار المنبوذة والمسروقة وتم إقحامها جميعاً في توليفات متناقضة يتم التخلص منها بعد ذلك عندما تنتقل إلى العمل اللامع التالي. فريدا كاهلو ومونرو وباسكيات وديسكو مثليي الجنس.
لكوني طفلة غير معاصرة تكتفي بسماع التسجيلات التي اقتناها والداي حتى المدرسة الثانوية تعرفت على مادونا في وقت متأخر قليلاً، لكن بعدما عرضت نفسي للسخرية وأنا في الـ 10 من عمري بإخبار فتاة لها شعبية أكبر وتتمتع بمعرفة ثقافية أكثر مني أن ألبومي المفضل هو “آبي رود” Abbey Road لفرقة “ذا بيتلز” وأنني لم أسمع أبداً عن ألبومها المفضل لفرقة “فايف ستار” (بالتأكيد أفهم الآن سبب تلك الضحكة الأخيرة)، ذهب والدي إلى الشارع التجاري واشترى لي مشغل أشرطة كاسيت بلون أحمر كرزي ومجموعة مختارة من الألبومات المعاصرة التي أوصى بها بائع في محال “وولورثس”.
حدث ذلك عام 1986، لذا حصلت على ألبومات “وام” Wham! و “باناناراما” Bananarama و “مخلص حقاً” و True Blue لمادونا، وكان هذا الألبوم الذي جعلني أعشقها.
ربما يكون النقاد متشككين في صوت مادونا وينتقدونه لكونه رفيعاً أو يشبه صوت فتاة صغيرة، وصحيح أنها ليست نينا سيمون لكن يا إلهي، هل هي قادرة على الترويج لقصة ما؟
هذا العنصر هو الذي جذبني إلى “مخلص حقاً”، ولقد استسلمت للميلودراما في أغنية “لا تعط موعظة أيها الأب”
“Papa Don’t Preach” بتوزيع الآلات الوترية الجاد فيها على خلفية أداء المغنية المصمم على مناصرة الحمل غير المخطط له في المراهقة، وقد بدت مادونا مثل الفتاة التي تتمتع بأوسع خبرة في الفصل حتى وقت لاحق، بعد أن نشرت كتابها سيئ السمعة الذي يحمل عنوان “جنس” SEX – لم أكن قد قرأت المقابلات التي قالت فيها إنها انتقلت إلى نيويورك من بونتياك في ميشيغان لما كانت في الـ 17 من عمرها لأن والدها لم يسمح لها بمواعدة صبيان من المنطقة. قالت “لم أر أبداً أجساداً عارية عندما كنت طفلة … يا إلهي، وصلت إلى الـ 17 من عمري ولم أر قضيباً من قبل، لقد صدمت عندما رأيت واحداً للمرة الأولى واعتقدت أنه كان مقززاً حقاً”.
كما أنني كطفلة ارتبطت بذلك الألم العميق الذي كان واضحاً تحت تلك النغمات المرحة، وكانت أغنيتي المفضلة في الألبوم هي “عش لتروي” Live to Tell الملحمية التي ينفطر لها القلب، وفي كل مرة كنت أواجه مشكلة في المنزل بسبب بقع الحبر على زيي المدرسي (كنت مثل مادونا أعيش أحلام اليقظة في الفصل بينما ينسل قلمي إلى أكمامي)، وكنت أركض إلى الطابق العلوي وأقوم بتشغيل الأغنية مراراً وتكراراً وأعبر عن الحزن إلى فرشاة شعري، متخيلة حزم حقيبتي وإظهار ما أنا قادرة عليه للجميع قبل أن أقر مشفقة على نفسي أنني “إذا هربت/ لن أمتلك القوة أبداً للذهاب بعيداً/ كيف سيسمعون دقات قلبييييي؟” لم أكن أعرف ذلك حينها ولم يكن لدينا إنترنت ولم أكتشف الصحافة الموسيقية بعد.
يمكن لمادونا، مثل إحدى بطلات طفولتي الأخريات، دوللي بارتون، أن تتمتع بروح فتاة في جسد امرأة، وتختار لنفسها ملابس تشبه دمية باربي وتمثل تخيلات حالمة عن الشهرة والجنس والقوة والمال، غير مفكرة أبداً في أن الوقت قد حان للنضج والتوقف عن الرغبة.
لكن الألم الأعمق الذي كنت أعلق عليه أحداث طفولتي الدرامية جاء من حزن مادونا التي ماتت والدتها عندما كان عمرها 12 عاماً فقط، وأعتقد أن الصدمة تجمد بعض أجزاء الروح.
لطالما اعتقدت أن جزءاً من مادونا سيبقى في سن الـ 12 إلى الأبد، ولذا ارتبط الأطفال في سني بها كنظيرة بدرجة معينة تقف على خشبة المسرح مثل بطلة أخرى من بطلات طفولتي، دوللي بارتون (التي صممت صوتها وصورتها طوال حياتها على أفكار الجاذبية والسحر من طفولتها)، يمكن لمادونا أن تمتلك روح فتاة في جسد امرأة ترتدي ملابس مثل دمية باربي وتمثل خيالات حالمة عن الشهرة والجنس والسلطة والمال، غير مفكرة أبداً في أن الوقت قد حان للنضج والتوقف عن الرغبة.
فجيعة الطفولة تلك التي تردد صداها لاحقاً بموت أصدقائها مثليي الجنس خلال وباء الإيدز تركت جزءاً من مادونا غير ناضج بينما أحرقت الجزء الآخر.
عندما أدركت أن الحياة هشة عقدت العزم على اغتنام كل فرصة، ولأن الأسوأ قد حدث بالفعل فقد أصبحت لا تعرف الخوف وربما انفصلت قليلاً عن الواقع، وأخذت ما أرادته من الأصدقاء والعشاق والمتعاونين ومضت قدماً من دون ضغينة. في عصر كانت قيمة المرأة تقدر بمدى إرضائها الناس من حولها كان تصرفها ثورياً، فبعدما شاهدت والدتها التي ملأت منزلهم بتماثيل مريم العذراء والقديسين الكاثوليك تموت في سن باكرة على رغم صلواتها، طورت مادونا عيناً متفحصة للهراء والنفاق الاجتماعي.
قالت “كانت تلك هي القواعد ببساطة، كانت هناك قواعد كثيرة ولم أتمكن أبداً من معرفة ماهيتها جميعاً، ولو أعطاني أحدهم إجابة لما كنت متمردة جداً. “لا يمكنك وضع المكياج ولا يمكنك قص شعرك”. لا يمكنك، لا يمكنك، لا يمكنك”. ولهذا فعلت وفعلت وفعلت.
بعد “مخلص حقاً” كنت أدخر مصروف جيبي واشتريت أول ألبومين لها: “مادونا” Madona الصادر عام 1983 و “مثل عذراء” Like a Virgin الذي أطلقته في العام الذي تلاه.
في عام 1989 كنت في الـ 14 من عمري أزور منزل إحدى صديقاتي بعد المدرسة عندما شاهدت للمرة الأولى فيديو كليب أغنية “مثل صلاة” Like a Prayer. كنت في جوقة مدرستي، وكنا نغني يومياً في كاتدرائية ليستر، ولذا كانت الحناجر المنتفخة والتخيلات المتمردة مثيرة، وكنت قد أعلنت إلحادي في ذلك الوقت لكن كثيراً من الموسيقى الدينية التي غنيتها كانت تلامس قلبي وأشعر بالاقشعرار عندما ينضم صوتي إلى أصوات الآخرين المحلقة بين المقاعد القديمة في الكاتدرائية، بينما كنا نناشد المسيح أن يرحمنا.
من ناحية أخرى كانت صديقتي تنتمي إلى عائلة كاثوليكية متدينة ولذلك كان أول نقاش فلسفي مهم نجريه جميعاً هو ما إذا كان ينبغي علينا تقليد ما ترتديه مادونا وإضافة بعض الصلبان إلى علب المجوهرات الخاصة بنا، وبدا الأمر مثل معضلة أخلاقية جسيمة.
أثارت المرأة التي رفضها والداي باعتبارها “مغنية بوب سخيفة” أول معضلة أخلاقية كبيرة ومثيرة للانقسام نواجهها كمجموعة، وقررت ألا أرتدي الصلبان لأنني لست مسيحية، بينما اختارت صديقاتي المسيحيات الانسحاب لأنهن مؤمنات.
في النهاية أتذكر تنازل اثنتين منا وقبول ارتداء بعض الصلبان الفضية ذات النهايات متساوية الطول حتى “نستحضر” الصليب من دون نسخه بأبعاده الدقيقة، وكنا سعيدات جداً بحل كان من شأنه إضحاك مادونا لو علمت به.
ومع أن أصدقائي الذكور وحبيبي الأول ظلوا يزدرون مادونا (أعتقد أنهم أحبوا أغنيتي موسيقى إندي روك “ساخرتين” أدتهما بصوتها)، أصبح ألبوم “المجموعة النقية”The Immaculate Collection الصادر عام 1990 الموسيقى التصويرية التي ترافق جلسة تجريب الملابس ما قبل الحفلات لكل فتاة، وكنا نختلس المشروبات الكحولية العشوائية التي اشتراها أهالينا كتذكارات من عطلاتهم، ونضع الكحل لبعضنا بعضاً على أنغام الأغاني الراقصة الناجحة المحفزة في الألبوم، وقلدنا حركات الرقص في أغنية “فوغ” Vogue، بينما تدحرجت الفتيات الضليعات أكثر على الأسرة بملابسهن الداخلية على ألحان “لتبرر حبي” Justify my Love.
سكرت من شراب ليمونتشيلو الكحولي الإيطالي وضحكت ملء قلبي، وكانت هناك حرية رائعة وصبيانية في التجربة. احتجت لأعوام لأدرك أنني استمتعت دائماً بذلك التضامن الآمن الذي ساد جلسات “مجموعة نقية” أكثر بكثير من الحفلات الفعلية وما يرافقها من ضغط، إذ كان من المفترض أن نكون لطيفات وألا نقوم بإيماءات نحو حمالات الصدر أو نقفز على ألحان “فتاة مادية” Material Girl تحت وابل من الأوراق المالية المزيفة في لعبة مونوبولي.
قلدنا حركات الرقص في أغنية “فوغ” بينما تدحرجت الفتيات الضليعات أكثر على الأسرّة بملابسهن الداخلية على ألحان “لتبرر حبي”.
سكرت من شراب ليمونتشيلو الكحولي الإيطالي وضحكت ملء قلبي وكانت هناك حرية رائعة وصبيانية في التجربة.
في أواخر سن المراهقة والعشرينيات من عمري كنت أجد شيئاً من الأجواء المرحة نفسها في بارات المثليين، وكنا نحتفل على أغنيات ألبوم “إيروتيكا” Erotica (1992) محولين كلماتها المثيرة إلى قصيدة سخيفة حول ممثل كوميدي ملتح يهوى مراقبة الطيور قائلين “بيل أودي، بيل أودي، ضع يديك على جميع أنحاء جسدي”.
هناك تعلمت أصول رقصة فوغ المثلية، وخلال تسعينيات القرن الماضي التي سادها رهاب المثلية أدركت أن حلبة الرقص كانت المكان الوحيد الذي يمكن أن يتصرف فيه بعض أصدقائي على طبيعتهم الحقيقية، فلقد كانوا نجوماً تحت الأضواء المتلألئة في شوارع ميدلاند الجانبية، ثم يعودون لمنازلهم في مجموعات خشية تعرضهم لهجوم. كانت امرأة سحاقية مسترجلة أكبر سناً التقيت بها في حانة للمثليين في كوفنتري تواجه المتعصبين في الشارع باقتباس المقطع المتحدي الذي تغنيه مادونا في بداية أغنية “فوغ”: “ما الذي تنظر إليه؟”
مع بلوغ جيلي الثلاثينيات من العمر فقد بعضنا ولعه بمادونا وأحب معظمنا ألبوم “شعاع ضوء” Ray of Light الصادر عام 1998 الذي أعاد ابتكار مادونا بفضل عمل الموسيقي ويليام أوربيت، لكن بطلتنا كانت تثير الجدل مرة أخرى.
تجادلنا حول زجاجات مياه الكابالا وتبني أطفال من أنحاء العالم وكم الجراحة التجميلية التي كانت تخضع لها، وكانت أكبر منا بـ 15 عاماً، وكنا نحاول معرفة ما سنفعله عندما نصل إلى سنها.
قال أحد الأصدقاء “لا يجب أن تعني الشيخوخة بشكل طبيعي الشيخوخة ببهاء، انظروا فقط إلى الفنانات النسويات الحقيقيات مثل فيفيان ويستوود”.
تبنى آخرون موقفاً أكثر حداثة يقترح أن النسوية الجيدة تعني السماح للمرأة باتخاذ خياراتها الخاصة في شأن جسدها، ولطالما اشتهرت مادونا بكونها تعمل بجد، وإذا كان جزء من عملها كفنانة تصنف نفسها “فنانة أداء” فذلك يعني تحمل جراحة مؤلمة ومكلفة، إذ لم يكن هذا شأن أحد سواها.
استأنف بعض أبناء “الجيل إكس” ازدراءهم تجاه النزعة التجارية لمادونا وكل تلك الأموال. (في عام 2023 وصفتها مجلة ’فوربس‘ بأنها أغنى فنانة موسيقية في التاريخ، إذ وصلت قيمة ثروتها الصافية إلى حوالى 850 مليون دولار، وهو أمر ليس سيئاً بالنسبة إلى فتاة وصلت إلى نيويورك وفي جيبها 30 دولاراً فقط).
لكن في أوائل العقد الأول من القرن الـ 21 (عندما اعتقدت بعض صديقاتي أن الحاجز غير المرئي الذي وقف في طريق وصولهن إلى وظائف معينة قد تحطم منذ فترة طويلة) أجريت مقابلة مع رئيس تنفيذي أخبرني أن مادونا وضعت إعلاناً عن وظيفة لرئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في شركتها، وذهلت النجمة عندما لاحظت عدم وجود متقدمات إناث للوظيفة وقامت بتجربة نشر الإعلان نفسه للمنصب عينه وبعدد الساعات والخبرة ذاتها، لكنها خفضت الراتب المعروض إلى النصف فراحت النساء تتقدمن إلى الوظيفة.
كم هذا محبط، أدركت أنني كصحافية لم أبذل جهداً أبداً من أجل الحصول على أموال أكثر مما عرض علي أو طلبت أجراً في مقابل الظهور في التلفزيون أو الإذاعة، واتضح أن أصدقائي الذكور كانوا يفعلون ذلك ولذا بدأت في تشغيل أغنية “فتاة مادية” عنما كنت أتعامل مع أقسام الحسابات في الصحف لأستجمع شيئاً من طموح مادونا الشقراء الصريح.
لقد استجمعت بعض القوة وأعتقد أن مادونا فعلت ذلك قليلاً لبعض الألبومات اللاحقة بما في ذلك “موسيقى” Music (2000) و”حياة أميركية” American Life (2003) و”حلوى قاسية” Hard Candy (2008). لكنني أحببت “اعترافات على حلبة الرقص” loved Confessions on a Dancefloor (2005).
لدي ذكريات رائعة وأنا أرقص في شقتي بلندن على أنغام الديسكو الشبيهة بألحان بعض أغنيات فرقة “آبا” مع زميلتي الناقدة الموسيقية برناديت مكنالتي التي توفيت عن عمر 43 سنة عام 2018. كانت تطالب بلكنة سكان برمنغهام الجافة التي تتمتع بها: “وقت العلاج بالرقص… البسي جوارب الرقص يا هيلين”.
مع تقدمنا في العمر، سواء خضعنا لحقن البوتوكس أم لا، رفضت مادونا الاعتزال وقالت إن أشجع وأروع شيء فعلته على الإطلاق هو البقاء على الساحة بانتظام محبط منذ عام 1990 فصاعداً، وأعلن المعلقون أنها تجاوزت تاريخ صلاحيتها. لقد سقطت من السلالم وهي تغني أغنية “العيش من أجل الحب” الجديدة في حفل توزيع جوائز بريت عام 2015، لكنها نهضت وواصلت الغناء: “لقد مكنتني، وجعلتني قوية/ لقد بنيتني، ولا يمكنني أن أخطئ”.
لكن معظمنا كان لديه الشعور نفسه تجاهها، الممكّنة والمحرضة الرئيسة لموسيقى البوب، امرأة اعتزت بتناقضاتها في أغنية “أنقذني” Rescue Me الصادرة عام 1990 التي لا تزال واحدة من بين أغنياتها المفضلة لدي.
غنت عن كونها “شرسة وضعيفة وسخيفة وغريبة الأطوار” واحتضنت كونها “فتاة صغيرة” و “رجلاً” في جزء منها، وكان هدف “قلبها الصغير الغاضب” هو “غزو العالم من حولها وإرشاده واحتقاره”.
من الممكن رؤية الروابط اللاواعية العميقة التي أقامتها مع جمهورها بشكل أكثر إثارة للاهتمام في كتاب “أنا أحلم بـ مادونا: أحلام النساء حول آلهة البوب” الذي أصدرته كاي تيرنر عام 1993، إذ يحتفي الكتاب بالطريقة التي تتخيل النساء بها وجود علاقة “أخوية” مع النجمة، معربات عن الحاجة إلى حمايتها بينما تنعم بمجدها الذي ينعكس عليهن.
“أثارت المرأة التي رفضها والداي باعتبارها “مغنية بوب سخيفة” أول معضلة أخلاقية كبيرة ومثيرة للانقسام نواجهها كمجموعة”
إنها تتسلل إلى جميع زوايا النفس الغريبة، ويبدو أن جانيت (33 سنة) رأت حلماً مقلقاً كانت مادونا وساندرا برنارد فيه تعملان في مصنع للدجاج المجمد، بينما ميشيل (27 سنة) رأت نفسها في الحلم تجلب شاة للمغنية، وكانت مونيكا (27 سنة) هي الأخرى تحلم بأنها تعرض على مادونا إنقاذها من حياة المشاهير التي تعيشها، بينما كانت إحدى الجدات تبلغ من العمر 61 سنة تحلم بأن مادونا تخبرها بحيوية أن مظهرها يبدو فوضوياً.
عندما وصلت إلى عقدها السادس استمرت مادونا التي صنعت نفسها بنفسها في تحدي حدود ما يعتبر مقبولاً وصناعة الفن الرقمي والتدرب لمدة 12 ساعة يومياً بحسب ما ورد من أجل جولتها الموسيقية “احتفال”، وفي الـ 18 من يونيو (حزيران) الماضي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أنها “متعبة” وظهرت في آخر منشور لها قبل دخولها المستشفى ممددة على الأرض مع تعليق يقول إنها تعيش الآن “الهدوء الذي يسبق العاصفة”.
خلال تصفحي الإنترنت رأيت أشخاصاً يعلنون بثقة أن مادونا في سن أكبر بكثير مما تحاول القيام به وأنه يجب عليها أن تتروى، لكن هذا الأمر ليس شأنهم بل شأنها، وإضافة إلى ذلك فلا أحد يطلب منهم استخراج أساور الدانتيل الخاصة بهم وشراء التذاكر.
رد أحد المعجبين الغاضبين على مثل هذه الاقتراحات المتعلقة بالعمر على “تويتر” قائلاً إن مادونا ابتكرت النموذج الأصلي لكل نجمات البوب اللواتي جئن بعدها، وهذه نقطة قابلة للنقاش، وأود الإشارة إلى أن أخريات مثل بيونسيه وبيلي آيليش وإيمي واينهاوس وتايلور سويفت فعلن الأشياء بطريقتهن الخاصة، لكن مادونا مهدت الطريق من خلال رفع المعايير، ولقد فعلت أكثر من أية فنانة أخرى لتحدي القواعد الاجتماعية للنساء وأبناء مجتمع الميم عندما غنت أغنية “كلبة غير آسفة” “Unapologetic Bitch” عام 2015 التي تقول فيها: “أعلم أنك ستفضل لو أنني بقيت في المنزل وبكيت/ لكن هذا لن يحدث … قلت ذلك، فعلته، أحببته، كرهته/ أنا لا أهتم بعد الآن”، ثم تضيف غامزة: “أخبرني كيف تشعر عندما يتم تجاهلك؟”. أتمنى حظاً سعيداً للطاقم الطبي الذي يحاول إخبار مادونا أن تأخذ الأمور بروية، وآمل أن تستمع إليهم وأن تتحسن قريباً وتقدم لنا “رقصة مادونا الشهيرة” تلك عندما تكون في وضع جيد ومستعدة.