حرية – (12/7/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
مجلات مصورة وأفلام سينمائية وأعمال فنية كثيرة لم تضع حدوداً للفرق الكبير بين الكاوبوي والغرب الأميركي، وأهملت تلك الحقيقة، فالرجل الإقطاعي الذي يمتلك الأراضي الشاسعة التي يعمل فيها عدد كبير من الرعاة المعروفين إعلامياً بـ”الكاوبوي” لا يظهر في الصورة إلا نادراً، وظهوره يشبه ظهور السيدة السوداء السمينة في المسلسل الكرتوني (توم وجيري)، إذ يرى الناس أجزاء من صورته وعليهم أن يتخيلوا الباقي.
الحقيقة أن الرجل الإقطاعي غير معلوم الوجه والهوية إعلامياً كان هو من يدير ببراعة دفة النزاعات سياسياً وعسكرياً، جالباً المستوطنين تارة لزيادة أسعار أراضيه المقحلة، أو من خلال إدارة النزاعات الأخرى على أرض الواقع لما يخدم أهدافه الاقتصادية والتوسعية، وكانت نتيجة هذه السياسة الذكية التي مثل الكاوبوي والهندي الأحمر والمستوطنون عناوينها الرئيسة توسع الغرب الأميركي ليشكل ما نسبته اليوم وفق تعدادات سكانية حديثة 13 ولاية أو ما يعرف بالمنطقة الشاسعة جغرافياً التي تقع غرب نهر المسيسيبي حالياً.
القط والفأر
في مرحلة من المراحل كان مطلوباً من “الكاوبوي” مواجهة السكان الأصليين (الهنود الحمر) وعلاقة هذين الخصمين كانت أشبه بعلاقة الثنائي الشهير (توم وجيري) أو القط والفأر، كما كانت تعرف الحكاية شعبياً إبان فترة ازدهار تلك الثقافة.
فالكاوبوي أو راعي البقر الذي استعمر الغرب الأميركي كان من الطبقة الكادحة والعاملة، فيما كان إقطاعيو تلك الأرض هم من يديرون هذه الثقافة ومعاركها لكن من وراء ستار. الكاوبوي الكادح مع ذلك شكل خيال ووجدان الأمة الناشئة لمدة قاربت ثلاثة قرون من الزمن، وكان يمثل في لعبة القط والفأر شخصية القط توم، الذي استأمنته السيدة السمراء الثرية السمينة صاحبة المنزل غير معلومة الوجه (تمثل إقطاعيي الغرب الأميركي قديماً) على طعامها وجعلته حارساً لثلاجتها ومطبخها حيث تخزن الطعام؟
أما جيري الفأر فكان يمثل أي شخص آخر يريد العبث بطعام السيدة وإفساد منزلها، إذ شاءت الصدف أن يمثل الهندي الأحمر ذلك الشخص غير المرغوب فيه في تلك الحقبة الزمنية.
هذه الثنائية الكوميدية كانت تجسد واقعاً تراجيدياً تحول إلى معارك دموية في كثير من الأحيان، دارت رحاها على أرض الواقع في الغرب الأميركي منذ عام 1800 وحتى مطلع الحداثة، وكانت وظيفة الصراع حينها حسم الجدل حول عدة ثنائيات أخرى لتشكيل نواة الثقافة الأميركية الجديدة ومن تلك الثنائيات الرئيسة بخلاف (كاوبوي شجاع مقابل هندي أحمر متوحش)، كان هناك (مستوطن شجاع مقابل مربي ماشية مفترس)، و(رجال قانون فاضلون مقابل خارجين عن القانون عديمي الرحمة).
التخوم الأميركية
منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى الآن عبر مصطلح التخوم الأميركية عن رحى ذلك الصراع الذي احتضنه الغرب الأميركي. التخوم معناها المناطق التي شكلت حافة التماس مع مناطق الهجرة الأوروبية وغيرها من الهجرات، كانت الحاجة إلى الأرض هي المحرك الرئيس لتلك الهجرات.
بالفعل شكلت الأرض نقطة جذب وإغراء للمزارعين ورعاة الأبقار الذين صاروا يشكلون ثقافة المنطقة الرئيسة، ولم تكن التخوم حينها فارغة من السكان ولكن جرى تفريغها أو إحلال شعوب أخرى محل سكانها الأصليين الذين حاولوا من دون جدوى مواجهة هذه الموجة المرتفعة من المهاجرين للعمل والاستعمار في تلك البقاع.
والتخوم الآن بعد حسم الصراعات القديمة التي كان أطرافها الرئيسون الهنود الحمر والكاوبوي والجنود البريطانيون والإسبان، ما هي إلا أراض واسعة من نهر المسيسيبي حيث الحد الشرقي للغرب الأميركي، وتضم أيضاً جبال روكي والحوض العظيم والساحل الغربي، وذلك بحسب التعداد السكاني الأميركي في القرن الحادي والعشرين، الذي بين أيضاً أن كلمة الغرب الأميركي حالياً تدخل في 13 ولاية أميركية.
يقول المؤرخ فريدريك چاكسون تيرنر في “أطروحة التخوم” عام 1893 إن التخوم كانت عملية تحويل الأوروبيين إلى شعب جديد، الأميركيين، الذين تركزت قيمهم على المساواة والديمقراطية والتفاؤل، وكذلك الفردانية والاعتماد على الذات وحتى العنف، وهكذا أعلنت أطروحة التخوم الغربية لتكون عملية محددة للتاريخ الأميركي.
التوسع غرباً
“الولايات المتحدة الأميركية توسعت غرباً” هذا ما أجمع كل المؤرخين لتلك الحقبة وما تظهره الخرائط الحديثة والإحصاءات الحالية، وقبل عام 1800 كانت قمم جبال الأبلاش هي الغرب الأميركي، مع ذلك جعل الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت ثقافة الكاوبوي مرادفاً للأميركي العدواني الأرعن.
أما الثقافة الأميركية الحالية فتجمع وفق منصات تروج للهجرة والعيش في الولايات المتحدة “بين ما هو أوروبي بخاصة على مستوى اللغة الإنجليزية والأصالة المحلية للسكان الأصليين”، ومع أن الكاوبوي خرج منتصراً من نزاعه مع السكان الأصليين كما صورت كثير من وسائل الإعلام إلا أن ثقافته غير ممثلة حالياً ضمن الواقع، إلا من خلال ما يمكن تسميته التوسع الجغرافي الكبير الذي حققه الغرب الأميركي اعتماداً على ثقافة الكاوبوي التي سادت لأجيال عديدة.
يقول الشاعر ريمنغتون، الذي واكب تلك الحقبة في رثائية شهيرة عن الغرب “أنا عرفت أن راكبي البرية والأرض المقحلة كانوا على وشك الاختفاء للأبد”. وتشير المرثية إلى أن الكاوبوي الكادحين كان مقدراً لهم الانقراض مع ثقافتهم التي لم تكن تمثل سوى ثقافة دخيلة على أرض الغرب، وكان هناك من تولى صنع أسطورتها لمجابهة أسطورة الهندي الأحمر، من خلال ما عرف إعلامياً وقتها بروايات (الدايم).
روايات (الدايم) هذه عبارة عن مجلات مصورة صغيرة زهيدة الثمن ومثيرة كان من أشهرها رواية (سيث غونز – عام 1860) وهي من تأليف إدوارد أس إليس، إذ روجت نخبة من الكتاب الشرقيين في أواخر القرن التاسع عشر للمعرفة الغربية واحتفت بها، وفي ذلك قال ديڤيد مردوك “لم تتخذ أية أمة أخرى زماناً ومكاناً من ماضيها وأنتجت خيالاً يساوي خلق أميركا للغرب”.
مفهوم البرية
تركز مفهوم البرية في الغرب الأميركي حول أربعة مفردات رئيسة هي “استكشاف واستيطان واستغلال وصراعات”، ويصف المؤرخ وليام كرونون هذا المفهوم حينها بقوله “مفهوم البرية كان سلبياً للغاية ونقيض التدين قبل الحركة الرومانسية في القرن التاسع عشر”.
يذكر أن “كاوبوي” هي كلمة مستمدة من الريف البريطاني، إذ عرفت معظم الثقافات الغربية رعاة بقر كانوا يتميزون بصغر العمر والشجاعة والجسارة، فيما يعبر مصطلح راعي البقر عن علاقة الفلاح أو المزارع المباشرة مع الأرض، لأن البقرة كانت تستخدم للحراثة إلى جانب التغذي على لحمها وحليبها واستخدام جلودها في صناعات عديدة أهمها صناعة الملابس.