حرية – (24/7/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
بينما لا تزال دراسات تؤكد أن الأشخاص الذين نجوا من القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي يواجهون مخاطر أكبر للإصابة بالسرطان، فإنه من المفارقات أن يتجرع جوليوس روبرت أوبنهايمر، الرجل الذي ينسب له اختراع تلك القنبلة من نفس الكأس.
وتمتلأ حياة أوبنهايمر، الملقب بـ”أبو القنبلة الذرية” بالعديد من المفارقات، التي صنعت سيرة ذاتية ثرية للغاية، سردها الكاتبان كاي بيرد ومارتن شيروين في كتاب حصل على جائزة “بوليتزر” المرموقة، ثم حول المخرج كريستوفر نولان، تلك السيرة الذاتية إلى فيلم يحقق حاليا نسب عالية من المشاهدات والإيرادات في دور العرض حول العالم.
javascript:false
وتبدأ رحلة حياة أوبنهايمر في 22 أبريل / نيسان 1904، حيث نشأ في منزل بمدينة نيويورك يجمع بين النزعة العمالية التي يمثلها الأب، الذي كان مهاجرا ألمانيا عمل في استيراد المنسوجات، وبين النزعة الرومانسية الحالمة التي تمثلها الأم، إيلا فريدمان، وهي رسامة تعيش عائلتها في نيويورك منذ أجيال.
وتفتحت أعين أوبنهايمر على الحياة وهو يشاهد لوحات فان جوخ وسيزان وغوغان، التي كانت تزين حوائط المنزل بحكم عمل الأم، ليتسلل إلى نفسه حب الآداب والفنون، غير أن القدر كتب له مسارا مختلفا، ليصبح خلال فترة وجيزة، واحدا من أشهر علماء الفيزياء عالميا، ولم تجد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من هو أفضل منه لتوظيفه في مشروع صناعة القنبلة الذرية لقمع تهديد ألمانيا النازية.
بداية رحلة صعود أوبنهايمر
وبدأت قصة هذا الصعود السريع بعد أن تخرج في عام 1921، من مدرسة الثقافة الأخلاقية في نيويورك على رأس فصله، ومع التحاقه بجامعة هارفارد، وخلال دورة في الديناميكا الحرارية قام بتدريسها بيرسي بريدجمان، أستاذ الفيزياء بجامعة هارفارد، تعرّف أوبنهايمر على الفيزياء التجريبية، التي لفتت انتباهه بسرعة، ليتخرج في الجامعة بامتياز عام 1925، ثم ذهب بعد ذلك إلى مختبر كافنديش بجامعة “كامبريدج” كمساعد باحث لعالم الفيزياء النظرية “جوزيف جون طومسون”، ثم ذهب إلى جامعة “غوتنغن” في ألمانيا لدراسة فيزياء الكم، وفي عام 1927، حصل على درجة الدكتوراه.
مشروع مانهاتن
وبدأت قصة أوبنهايمر مع القنبلة الذرية، مع صعود الزعيم النازي أدولف هتلر في ألمانيا، حيث دفع ذلك علماء الفيزياء مثل ألبرت أينشتاين وليو زيلارد ويوجين فيجنر، إلى تحذير حكومة الولايات المتحدة من الخطر الذي تتعرض له البشرية إذا تمكن النازيون من صنع قنبلة نووية أولاً.
ورداً على ذلك، قامت حكومة الولايات المتحدة بتجميع فريق من علماء الفيزياء الذرية، برئاسة أوبنهايمر، الذي كان اكتسب سمعة دولية لأبحاثه في الجسيمات دون الذرية، فيما أصبح يعرف باسم “مشروع مانهاتن”.
ونقل أوبنهايمر وفريقه أبحاثهم إلى موقع بعيد في لوس ألاموس في نيومكسيكو، وفي يوليو/ تموز 1945، حدث أول انفجار نووي تجريبي في العالم، وبعد أقل من شهر، في 6 و9 أغسطس/ آب 1945، ألقى الجيش الأمريكي قنابل ذرية على هيروشيما وناغازاكي، مما أسفر عن مقتل 110 آلاف على الفور وعشرات الآلاف خلال العام، وفي أكتوبر من نفس العام، استقال أوبنهايمر من منصبه.
ماذا فعل أوبنهايمر بعد ذلك؟
وفي عام 1947، أصبح أوبنهايمر رئيسا لمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون، بولاية نيو جيرسي، ومن عام 1947 حتى عام 1952، شغل أيضا منصب رئيس اللجنة الاستشارية العامة لهيئة الطاقة الذرية، التي عارضت في أكتوبر 1949 تطوير القنبلة الهيدروجينية.
وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما دخل العالم الحرب الباردة، اشتبهت المخابرات الأمريكية في أن أوبنهايمر له علاقات مع الشيوعيين، وارتبط هذا بتصميم أوسع على قمع التسلل الشيوعي المفترض في مناطق مختلفة من حكومة الولايات المتحدة.
وواجه أوبنهايمر اتهامات بعدم الولاء بسبب معارضته لإنشاء القنبلة الهيدروجينية، وكذلك صداقته في الثلاثينيات مع الطلاب الشيوعيين الذين يدعمون قضية مناهضة الفاشية في الحرب الأهلية الإسبانية، ونتيجة لذلك، في عام 1954، فقد منصبه كمستشار للحكومة الأمريكية.
رد الاعتبار لأوبنهايمر
وفي أبريل 1962، قامت الحكومة الأمريكية برد الاعتبار لـ “أوبنهايمر”، عندما دعاه الرئيس كينيدي إلى عشاء في البيت الأبيض للفائزين بجائزة نوبل في عام 1963، منحه الرئيس جونسون أعلى وسام من هيئة الطاقة الذرية، وجائزة إنريكو فيرمي.
وأمضى أوبنهايمر بقية سنواته في قلق متزايد بشأن الصراع بين الأخلاق والتقدم العلمي، وتقاعد من معهد الدراسات المتقدمة عام 1966، وتوفي في العام التالي عن عمر يناهز 62 عاما، متأثرا بإصابته بسرطان الحلق.
وفي العام الماضي، وصفت وزارة الطاقة الأمريكية اتهامات عدم الولاء التي لاحقت “أوبنهايمر” بأنها كانت “معيبة”، وقالت وزيرة الطاقة جينيفر جرانهولم في بيان صدر في ديسمبر/ كانون الأول: “مع مرور الوقت ظهر المزيد من الأدلة على التحيز والظلم في الاتهامات التي تعرض لها الدكتور أوبنهايمر بينما تم تأكيد المزيد من الأدلة على ولائه وحبه للوطن”.