حرية – (31/7/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
: شهدت المحافظات والمدن الإيرانية ارتفاعاً كبيراً في جرائم السرقة خلال السنوات الأخيرة، إذ كشفت إحصاءات رسمية صادرة عن الشرطة أن “سرقة الهواتف المحمولة” و”الدرجات النارية” تصل إلى العشرات يومياً في العاصمة طهران.
تعاني إيران من ظاهرة السرقة على غرار العديد من الدول، إلا أن هذا الأمر بدأ يشكل تحدياً كبيراً على النظام الأمني والاقتصاد للبلاد في الآونة الأخيرة، لا سيما مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، الأمر الذي زاد حاجة بعض الأفراد لتأمين سبل عيشهم بشتى الوسائل والطرق.
أظهرت دراسة حديثة أجراها قسم الاقتصاد في جامعة آزاد في طهران حول بيانات معدل الجريمة بين عامي 1994 و2018 أنه كان للبطالة والتضخم المالي أثر كبير في ارتفاع معدل الجريمة في جميع أنحاء البلاد. وفقًا لمركز إيران الإحصائي، فقد تم توظيف حوالي 37٪ فقط من الإيرانيين فوق سن 15 عامًا بحلول فبراير/شباط 2021.
العاصمة طهران وهي “البؤرة والحاضنة” لمافيا السرقة في إيران أصبحت العديد من مناطقها بل ومعظمها إن صح القول غير آمنة نهائياً للمترددين في أزقتها وشوارع وأسواقها، فقد أضحت جنة للنشالين واللصوص ووجهة سهلة تقصدها عصابات السرقة التي تتخذ من مباغتة المارة والمواطنين وسرقة ممتلكاتهم تجارة تعتاش عليها.
سرقة المنازل والسيارات والمحال التجارية والممتلكات العامة والأهم من هذا والأكثر انتشاراً “الهواتف المحمولة والدراجات النارية” هي أهم ما يستهدفه اللصوص والسارقين في إيران، ففي طهران فقط يسرق يومياً حوالي 160 هاتفاً محمولاً وفي بعض الأحيان يبلغ هذا الرقم ضعفين أو ثلاثة وذلك يعتمد على الوقت (الأعياد والمناسبات) والمكان (العاصمة والمدن الكبرى).
ويختلف نوع ومدى حالات السرقة، حيث تنتشر في بعض الأحياء الإيرانية السرقات الصغيرة، لكن في أحياء أخرى تزداد عمليات السطو المسلح على المنازل، على حد قول وكالة إيلنا.
في مطلع عام 2020، كشفت شرطة العاصمة عن زيادة تتجاوز 50% في معدل جرائم السرقة من جانب أشخاص ليست لديهم سوابق إجرامية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
يلوم الإيرانيون السلطات الحكومية وسوء إدارتها على التقصير في هذا الملف. فمثلاً، في الوقت الذي تبذل فيه أجهزة الدولة والمؤسسات ذات الصلة الكثير من الجهد لإغراق العاصمة والمحافظات الإيرانية الأخرى بالكاميرات لتعقب النساء المخالفات “للحجاب الإلزامي” وهدر مليارات التومانات من خزينة الدولة على هذه الإجراءات، لا تراها تحرك ساكناً يذكر في استحداث سياسات مناسبة أو كافية لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه الإيرانيين وتنهك كاهلهم والتي تؤدي بشكل مباشر وغير مباشر في ارتفاع معدل الجريمة في البلاد.
على الضفة الأخرى، خلصت تحقيقات أجراها مركز الإحصاء الإيراني ومركز أبحاث البرلمان الإيراني أن لانتشار المخدرات والإدمان على تعاطي الدخانيات سبب في الاتجاه الصعودي التي شهدته ظاهرة السرقة وذلك نظراً لحاجة المدمنين للأموال لشراء المخدرات، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر بشأن المستقبل الذي ستخوضه البلاد في ظل جرائم السطو التي ستغزو العاصمة وباقي المدن الإيرانية.
هاتفك ليس بأمن في شوارع طهران
تخيل اليوم أن تعيش ساعة واحدة بدون لمس هاتفك الذكي أو أن تستشعر وجوده بجانبك أو تتفقد شحنه على الأقل. أضحى هذا الاختراع في عصرنا الحالي حاجة ضرورية للعيش لكثير من الأفراد، فكل شيء تحتاجه ستجده فيه بلا أدنى شك.
ومع ازدياد الحاجة هذه ازدادت أسعار الهواتف الذكية بشكل جنوني ليصبح شراء هذا المنتج أمراً عسيراً بل ومأزقاً إن جاز التعبير بالنسبة للكثيريين، إلا أن هذا لم يوقف اللصوص ويكف يدهم عن الإضرار بالناس، بل وأغراهم أكثر على ترويض هذا السوق لخدمتهم متجاهلين المصيبة التي ستلحق بمن سيقع في مصيدتهم. تنطبق هذه العبارات على واقع العديد من الدول، ولعلّ أهمها إيران التي هي مركز حديثنا.
بناء على تحقيقات جديدة أجرتها شرطة العاصمة طهران، فإن سرقات الهواتف المحمولة هذا العام تزايدت بشكل غير معهود، لكن المثير في الأمر حسب تقرير الشرطة أن نصف الهواتف التي تسرق لا يتم العثور عليها مطلقاً، إذ يقوم اللصوص بتحطيمها أو تهريبها عبر الحدود، الأمر الذي دفع مافيا السرقة للجوء إلى الهواتف المحمولة باهظة الثمن لجني أكبر مبلغ من المال من كل عملية لها.
أين تذهب الهواتف المسروقة؟
لسنوات عديدة، تُباع جميع أنواع الهواتف المحمولة المسروقة في إيران في أسواق المدن الأفغانية بسعر زهيد. يقول بائعو الهواتف المحمولة المستعملة في كابول، الذين يصل عددهم إلى الآلاف، إن الهواتف المسروقة من إيران “ومعظمها من نوع آيفون” يتم نقلها أولاً إلى المحافظة المتاخمة لإيران، بما في ذلك هرات ونيمروز، ثم يتم توزيعها في جميع أنحاء أفغانستان مقابل “ثلاثة إلى أربعة ملايين تومان” لكل قطعة.
وفي هذا الصدد، يقول قائد شرطة طهران خلال حديث مع جام جم: “إلى جانب بيع الهواتف المحمولة المسروقة داخل البلاد، قام اللصوص خلال السنوات الأخيرة ببيع مسروقاتهم للرعايا والمهاجرين الأفغان ليقوموا بدورهم بنقلها إلى أسواق بلادهم وبيعها بسعر أعلى، كذلك، قام بعض اللصوص بنقل الهواتف وأشياء أخرى مسروقة إلى كردستان العراق”.
وبحسب آخر إحصائية نشرتها شرطة العاصمة في عام 2021، فقد تم ضبط حوالي 23 ألف و313 هاتف مسروق من النشالين واللصوص في طهران، علماً أن هذه الأرقام هي نصف الهواتف المسروقة خلال تلك المدة.
ويقول الخبراء في هذا الشأن أن هذا الوضع يتطلب تحركاً حكومياً وإلا ستتجاوز هذه الأرقام عتبة الـ 60 ألف هاتفاً محمولاً في طهران وحدها، وهو رقم كبير للغاية يثير مخاوف المواطنين ويزيد من قلقهم تجاه الوضع الأمني في العاصمة.
لصوص الهواتف
لا يفلت اللصوص دائمًا من أيدي الشرطة، فأحيانًا تنجح عمليات الشرطة في القبض عليهم، وبحسب الإحصائيات، يتم اعتقال حوالي 17 شخص يومياً من قبل شرطة طهران بتهمة سرقة الهواتف المحمولة، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول صمت السلطات الحكومية على رقم مهول كهذا والذي يتجاوز الـ 4 آلاف و500 شخص خلال 9 أشهر فقط.
إجراءات حكومية متواضعة
تفرض البلاد عقوبات صارمة على جرائم السطو بموجب الشريعة الإسلامية، بما في ذلك بتر الأطراف والجلد. في سبتمبر/أيلول 2020، ورد أنه تمت محاكمة ثلاثة أحداث إيرانيين من مدينة أرومية في محكمة خاصة بالأطفال والأحداث، وصدر بحقهم حكم يقضي ببتر أصابعهم بتهمة السرقة. ويشير الارتفاع المتواصل في معدل الجريمة إلى أن مثل هذه العقوبات القاسية ليس لها تأثير رادع حقيقي على مرتكبي الجرائم للمرة الأولى، كما أنها لا تقلل من العودة إلى الإجرام.
تحدث كبار مسؤولي الشرطة الإيرانيين مؤخرًا عن خطط للسماح للمواطنين باستخدام محققين خاصين بهدف التسريع في التحقيقات ومساعدة قوات الشرطة التي تعاني من نقص الموظفين.
وقال مدير شرطة طهران إن إدخال محققين خاصين من شأنه أن يقلل من الاستدعاءات الأولية للشرطة. كما أصبح من الشائع استخدام الحراس الشخصيين بين الأثرياء من الإيرانيين. ويسمح بهذا السلوك بموجب القانون الإيراني فقط بموافقة المحكمة والمجلس المحلي.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى ازدياد عدد شركات الحراسة الشخصية الخاصة، التي تقدم مثل هذه الخدمات دون الحصول على تلك الموافقات. ويبدو أن خصخصة حماية المواطنين، من خلال إتاحة استخدام حراس شخصيين ومحققين خاصين أو السماح بذلك ضمنيًا، تهدف إلى تقليص مسؤولية الحكومة في توفير الخدمات المناسبة لحماية المواطنين. ونظرًا لأن أغلبية الإيرانيين لا يستطيعون دفع أتعاب الحراس الشخصيين أو المحققين الخاصين، فإن هذا يهدد بتعميق الانقسامات في المجتمع بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لتصاعد انعدام الأمن.