حرية – (1/8/2023)
اشترك في قناة حرية الاخبارية على التيليكًرام ليصلك كل جديد
باربي ملكة الصيف. لطالما كانت الدمية ذات 64 سنة، واسمها الكامل باربرا ميليسنت روبرتس، رمزاً عالمياً قوبل بالإعجاب والذم على حد سواء. لكن بفضل فيلم غريتا غيرويغ الذي يسند دور فتاة ماتيل الذهبية إلى مارغو روبي فيما يمثل راين غوسلينغ دور شاب اسمه كين، تحظى الدمية باهتمام غير مسبوق في الثقافة الشعبية.
لكن سحر هذه الدمية ليس بأمر مستجد بالنسبة إلى هواة جمع دمى باربي القدامى. “فكرت في بعض لحظات حياتي أنه علي أن أنضج وأتخلى عن (هذه العادة) أو أن أبعد نفسي عنها. لكنني كنت دائماً أعود إلى باربي”، كما يقول جوي، الشاب الثلاثيني من لندن الذي يعمل في جمعية خيرية معنية بالمسرح ويدير قناة “بيوتي إنسايد أي بوكس” Beauty Inside a Box (جميلة في علبة) على “يوتيوب” المختصة بكل ما يتعلق بالدمية.
ويعتقد جوي أن مجموعته “يفترض أن تضم آلاف (الدمى)” الآن، وبدأ تجميعها بدمية بوكاهونتاس التي أهداها إياها والده بعد جولة صحافية في ديزني لاند، في باريس، خلال تسعينيات القرن الماضي. “أخبرني بعدها بسنوات أنه فكر في شراء شيء مناسب أكثر ‘للفتيان’ لكنه علم إلى أية درجة أحببت بوكاهونتاس وقال لنفسه ‘سأشتري له الدمية'”.
بعد ذلك، حصل على دمية باربي راقصة الباليه، التي أهدته إياها صديقة جدته بعدما لاحظت شجاره مع حفيدتها على لعبتها أثناء إحدى الزيارات (“بلغ الأمر درجة من السوء اضطرتهم إلى وضع الدمية في أعلى رف الكتب لكي لا نقدر على الوصول إليها”).
لكن مع ختام المدرسة الابتدائية “فكرت أنه علي أن أتوقف عن اللعب بالدمى. لذلك بعت كل الدمى التي أملكها على موقع إي باي”. ويقول إن المرحلة الثانوية “لم تكن رائعة، لم أكن أستمتع بوقتي، ولم أنسج أية صداقات” إضافة إلى ذلك، قوبل كل ما يخالف المعايير الجندرية التقليدية عندها بـ”رد فعل عكسي”. ويضيف أن “الناس تعاملوا بلؤم شديد مع اهتماماتي، لذلك اضطررت إلى أن أتستر على كل شيء. أعتقد أن الدمى كانت مصدر راحة كبير في فترة حزني ووحدتي”. وبدأ بإعادة تكوين مجموعته، فعاد لموقع “إي باي” لشراء النماذج التي كان يمتلكها في السابق وأخرى جديدة من مصروفه الخاص.
والحنين هو الحافز الرئيس وراء مجموعات عدة لهواة باربي من جيل الألفية. وتشرح تينا ذات الـ32 سنة من إيستبورن، التي تعمل في مكتب محاماة “امتلكت بعضاً منها في طفولتي لكننا لم نكن ميسورين مادياً أثناء نشأتي، لذلك هذا تعويض عما كنت لأملكه في طفولتي، نوعاً ما”. وهي ميالة إلى تصاميم ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وتشارك صوراً بارزة من كنزها الذي يضم حوالى 500 دمية على حسابها على “انستغرام”.
أما مصمم الأقمشة الثلاثيني، آيدن، الذي يشغل منصب مساعد في المتحف، فهو المسؤول الإبداعي عن حساب barbiefashionfun على “انستغرام” الذي ينشر عليه صوراً تعرض دمى باربي بأسلوب روائي [صور مرفقة بنص]، بتسريحات شعرها ومكياجها الجريء، وملابسها المنسقة بحسب صيحات مستقبلية للموضة.
بعد عودته للمملكة المتحدة التي عاش فيها قبل أن ينتقل إلى إيرلندا من أجل الحصول على درجة الماجستير، كان العمل في التصميم [تصميم الصور] “اتجه نحو الحنين وإعادة تخيل الذكريات”، لذلك بدأ تلقائياً بالتفكير بالألعاب – ومنها الدمى على وجه الخصوص. “استخدمت تقنية الطباعة بالشاشة الحريرية لطباعة صور باربي وبيتي سباغيتي على أغطية المخدات” كما يشرح (وبيتي سباغيتي هي الدمى المطاطية التي انتشرت في بداية القرن الحالي وكان لديها أطراف وثياب يمكن تبديلها وشعر مطاطي منسدل).
ثم ضربت الجائحة. “لا أعلم إن كان الملل هو السبب، لكنني بدأت أبحث عنها وأشتري مزيداً من دمى التسعينيات التي كنت أملكها… بعدها وجدت نفسي أبحث في تصاميم الثمانينيات والستينيات وكل عقد. تحول الأمر إلى ضرب من الهوس. كان شريكي يقول لي ‘هناك طرد جديد على الباب، إنها باربي مجدداً!”.
باربي وصديقها كين
يعد موقع “إي باي” للمزايدات مكان بحث دائم على الإنترنت لهواة الجمع – يعتقد جوي أنه يزور الموقع كل يوم، وحفظ بعض عمليات البحث عن “دمى معينة أريدها بسعر محدد”، حرصاً على تلقيه إخطاراً في حال توفرها.
قد يغنم المرء كذلك بعد زيارة إلى متاجر الأغراض المستعملة التابعة لجمعيات خيرية أو أسواق البيع من صندوق السيارة، مع أن موظفة مراقبة الامتثال آبي سيلفرمان، البالغة من العمر 52 سنة، التي تقطن بارنيت، شمال لندن، تعلمت بعد مشقة أنك لو رأيت دمية من المحتمل أن تكون قيمة، عليك أن تمسك بها وتتمسك بها كذلك. هي تجمع الدمى منذ أكثر من 13 سنة، بعدما أثارت أم أخرى في مدرسة ابنها هذا الاهتمام لديها، وهي تتشارك تاريخ عيد الميلاد نفسه مع إحدى دمى باربي.
خلال إحدى الزيارات المحفورة بذاكرتها لمتجر خيري يبيع أغراضاً مستعملة، وجدت خزانة آيكيا مليئة بدمى باربي، لكن فيما كانت تتأكد مع الموظفين من أن الدمى أصلية، “خطفت متسوقة أخرى الدمية التي كنت سأبتاعها وهرعت إلى آخر المتجر” كي تشتريها. لا شك في أن هذا النوع من التصرف يعرف بـ”كين-إيرجي” [تيمناً بكين] ويتسم بالطاقة السلبية.
لكن جمع الدمى في المملكة المتحدة أصعب قليلاً منه في الولايات المتحدة أحياناً، كما تلفت آبي، لأن حركة العرض أدنى. وتشرح أن “المشكلة في هذا البلد هي الحصول على السلع. تمر ببعض المراحل التي لا يمكن أن تجد فيها أي ملابس أو قطع إضافية”.
ويضيف آيدن أن العثور على القطع القديمة مهمة صعبة بشكل خاص لأن دمية باربي لم تكن تحظى بشعبية كبيرة في هذا الجانب من المحيط الأطلسي خلال سنواتها الأولى حين هيمنت منافستها المصنوعة في بريطانيا على السوق. ويلفت إلى أن “الجميع كان يملك دمية سندي Sindy”.
ومع ذلك، ما يزال من الممكن الوقوع على كنوز. أكبر ضربة ناجحة قام بها آيدن حتى اليوم كانت عندما وجد بالصدفة مجموعة من 10 ألعاب من سبعينيات القرن الماضي على موقع “غمتري” Gumtree، في علبها الأصلية، بسعر 100 جنيه استرليني في مقابل المجموعة بأكملها. اشتراها كلها.
“كنت عاطلاً عن العمل عندها، وفكرت أنني سأعرض واحدة على الإنترنت وأرى بكم يمكنني بيعها، حصلت على 600 جنيه استرليني لقاء دمية واحدة من بينها”. بعدها بقليل بدأ هواة جمع الدمى من كل أقطار العالم يسألونه إن كان يملك دمى أكثر. “أردت دميتين فحسب من المجموعة… لذلك بعت كل الدمى المتبقية على امتداد الأشهر التالية وأمنت [جنيت قيمة] إيجاري بهذه الطريقة عندما كنت عاطلاً من العمل”.
كل هاو لديه مقاربته الخاصة لبناء [تشكيل] مجموعته. تصف تينا نفسها بأنها “(تنشد) الكمال في الجمع: إن اشتريت دمية من خط إنتاج معين، أحاول الحصول عليها جميعاً”. لدى آيدن دميتين في علبتيهما، لكنه يحب إجمالاً أن يكيفها بحسب رغبته، ويغير ملابسها ويصطحبها معه حول العالم كي يأخذ لها صوراً. “أحب أن أفكر أيضاً أنه عندما أكون عائلتي الخاصة، لن يخافوا من اللعب بالدمى كذلك لأن عنصر اللعب هو المغزى من الموضوع”.
تينا لديها شغف بجمع دمى باربي من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي
أما آبي فتحب “شراء الدمى الأقدم بقليل، كي يتسنى لي أن أغسل شعرها وأنظفها… حتى لو نقصها إصبع أو كانت عليها بقعة صغيرة، لو نظفتها ورتبت شعرها وألبستها ثياباً من ذلك العصر… ستبدو مذهلة”. لكن مرور الوقت لم يكن أثره طيباً في كل النماذج، إذ تشرح بأن بعض دمى باربي من ستينيات القرن الماضي مصابة بظاهرة اسمها “الأذن الخضراء” بسبب تفاعل كيماوي بين أقراطها الحديدية ووجهها المصنوع من مادة الفينيل vinyl.
وتقول تينا إن “الود” يجمع بين معجبي باربي على وسائل التواصل الاجتماعي، فلديها صديقة “ترسل لي روابط لأشياء تعتقد أنها قد تعجبني عندما تعثر على عروض”. بدأ جوي بالنشر على “انستغرام” في 2014 وأطلق قناته على “يوتيوب” بعدها ببضع سنوات. ويقول “في طفولتي كنت صريحاً بشأن جمع الدمى [لم أخف هوايتي]… لكن عندما كبرت في السن، بدأت أتستر على الموضوع. اعتقدت فعلاً أنني المراهق أو الشخص البالغ الوحيد الذي يجمع الدمى. لم أعلم بوجود مجتمع بأكمله على الإنترنت”.
كان من بين الفيديوهات التي صنعها واحد يسبر أغوار تاريخ منزل باربي، وتعريف قصير بميدج، صديقة باربي المفضلة المثيرة للجدل (عندما طرحت ماتيل الدمية الحامل، مع بطنها القابل للفك والتركيب، أثارت امتعاضاً في الولايات المتحدة لأسباب منها عدم ارتدائها خاتم زواج). عندما ذكر جوي في أحد المنشورات أنه يحاول العثور على نسخة ميدج من باربي الحورية بشعرها المليء بالمجوهرات (وهي من الدمى المفضلة في التسعينيات) أرسل له أحد المشاهدين دمية من الولايات المتحدة.
لا يعد شراء البالغين ألعاباً اهتماماً فرعياً: فهو تجارة ضخمة. في عام 2022، قدرت شركة أبحاث السوق، مجموعة إن بي دي،The NPD Group قيمة “مبيعات الصغار / الكبار” في السوق الأوروبية، أي الألعاب التي يشتريها من هم فوق 12 من العمر، بمبلغ 4.6 مليار يورو (نحو 4 مليارات جنيه استرليني).
لكن جوي يضيف بأن بعض العلامات المتعلقة بهؤلاء “الصغار البالغين” kidulthood مقبولة أكثر من غيرها. ويقول “أشعر بأنه في حالة الشخصيات من دوائر متمحورة حول الذكور، مثل مارفل، لا يخجل الناس كثيراً من الإعجاب بها بعد بلوغهم مرحلة الرشد. فلا بأس بجمع الليغو وشخصيات فانكو بوب! Funko Pop! أو غيرها.
لكن لسبب ما، يضع الناس وصمة على هواية جمع الدمى ويعتبرونها غريبة. أجد في ذلك (موقفاً) معادياً للأنوثة. (فباربي) منتج أنثوي بامتياز وهم يتعاملون بغطرسة معه بعض الشيء”. لكنه يضيف بأن فيلم غيرويغ، يعد “أول مرة نحصل فيها على فيلم مبهرج وكبير ووردي اللون بموازنة عالية”، وتسويق يضاهي أفلام مارفل كذلك.
ربما عزز الفيلم سمعة باربي لكن الدمية ما تزال تشغل موقعاً معقداً [شائكاً وملتبساً] في الثقافة الشعبية. إذ سارت على سطح القمر وترشحت للانتخابات الرئاسية وكانت مغنية الراب، وشغلت موقع مبرمجة حاسوب وطبيبة بيطرية ومئات الوظائف الأخرى – مع أنها كانت حتى وقت قريب كذلك مرادفاً لمثال ضيق جداً عن الجمال.
وتقول تينا “حظيت بسمعة سيئة بسبب صورتها التي أخذت طابعاً جنسياً وشكل جسمها البلاستيكي لكنني اعتقدت دوماً أنها مثال أعلى جيد بسبب كل المهن التي شغلتها”. وتؤيد آبي هذا الرأي “يمكنها أن تكون طبيبة أو رئيسة جمهورية – يمكن أن تكون ما تشاء [لا حواجز أمامها وتستطيع شغل كل المناصب]”.
في عام 2016، طرحت ماتيل في السوق مجموعة متنوعة من الأجسام المختلفة وألوان البشرة وأنواع الشعر في عالم باربي. ويشير آيدن إلى أنه “من العدل أن يرى الجميع انعكاساً لهم في هذه العلامة التجارية”، مضيفاً أن باربي “إحدى الدمى القليلة التي برهنت على قدرتها على التغيير” على مر السنين.
ويوافق جوي على أنها “لينة ومرنة كثيراً. كل خمس أو 10 سنوات، تتغير كلياً… إنها تشبه كبسولة الوقت التي ترى فيها مختلف العصور والثياب التي كان الناس يرتدونها كما اهتماماتهم، والأمور التي تعتبر جدلية اليوم لكنها كانت عادية عندها”. هي تعكس، من بعض النواحي، عالمنا، كما المرآة الصغيرة – لكن سحرها لا يستند إلى الواقع كلياً بلا شك. ويقول جوي “أعتقد أن هذا أحد أسباب استمرار أهميتها، لأنها مبهرجة وبراقة. إنها تشبه فن الدراغ. فهي العالم الحقيقي، لكن على نحو معزز”.