حرية – (16/8/2023)
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” نقلاً عن مصادر مطلعة، الأربعاء، أن الولايات المتحدة تضغط على إيران للتوقف عن بيع طائرات مسيرة مسلحة إلى روسيا في إطار مباحثات على “تفاهم غير مكتوب” أوسع نطاقاً بين واشنطن وطهران لخفض التوتر.
ونقلت الصحيفة عن أشخاص وصفتهم بأنهم “مطلعون”، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن طرحت القضية على النظام الإيراني عبر محادثات غير مباشرة في قطر وسلطنة عمان هذا العام.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إيراني، ومصدر آخر مطلع على المحادثات قولهم إن الولايات المتحدة تضغط على طهران لوقف بيع الطائرات المسيرة المسلحة إلى روسيا التي تستخدمها في الحرب ضد أوكرانيا، وكذلك قطع الغيار لتلك الطائرات المسيرة.
وأضاف المسؤول الإيراني أن طهران، التي تنفي رسمياً استخدام طائراتها المسيرة في أوكرانيا، طلبت مراراً من موسكو التوقف عن نشر طائراتها في الصراع، ولكن واشنطن تريد من طهرات اتخاذ “المزيد من الخطوات الملموسة”.
وذكرت “فاينانشيال تايمز” أن تلك المناقشات تمت إلى جانب مفاوضات لإطلاق سراح 5 أميركيين محتجزين في طهران، وعدد غير معروف من الإيرانيين المسجونين لدى واشنطن، بعد تحويل مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة من البنوك في كوريا الجنوبية إلى قطر، في إطار السماح باستخدام طهران للأموال في الأغراض الإنسانية.
كتفاء ذاتي روسي
من جانبها، قالت وزارة الدفاع البريطانية في إفادتها الاستخباراتية اليومية عن الغزو الروسي لأوكرانيا، الأربعاء، إن روسيا “بدأت نشر طائرات مسيرة انتحارية محلية الصنع، اعتماداً إلى تصميمات مسيرات شاهد الإيرانية”، مشيرةً إلى أن “القوات الروسية تستورد الأنظمة الإيرانية منذ سبتمبر الماضي”.
واعتبرت وزارة الدفاع البريطانية في تقييمها الاستخباراتي أنه “من شأن التصنيع المحلي أن يسمح لروسيا على الأرجح بوجود إمدادات يمكن الاعتماد عليها من الطائرات المسيرة الانتحارية”.
ورجحت الوزارة “سعي روسيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطائرات المسيرة الانتحارية في الأشهر المقبلة”، لكنها أشارت إلى أن “لا تزال تعتمد على القطع والأسلحة القادمة من إيران، والتي يتم شحنها بشكل أساسي عبر بحر قزوين”.
ولفتت الوزارة إلى أن “أداء تلك الأسلحة يتسم بالتباين وأن أوكرانيا أثبتت كفاءتها في تحييد أغلبية الطائرات المسيرة الموجهة نحوها”.
تفاصيل المحادثات
ويأمل المفاوضون في أن تؤدي المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران إلى موافقة كلا الطرفين على إجراءات خفض التصعيد.
وقال مسؤول إيراني وشخص مطلع على المحادثات لـ “فاينانشيال تايمز”، إنه بالنسبة إلى إيران، فإن خفض التصعيد يستلزم موافقتها على عدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 60%، وتحسين تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتعهد بعدم استهداف الأميركيين.
وفي المقابل، “تمتنع واشنطن عن فرض عقوبات جديدة في بعض المجالات باستثناء ما يتعلق بحقوق الإنسان، وعدم مراقبة العقوبات المفروضة على مبيعات النفط بشكل صارم”، وفقاً للمسؤول الإيراني.
إلى ذلك تريد إيران من الولايات المتحدة “إقناع حلفائها الأوروبيين بتخفيف الضغط عن طهران”، حيث يتعرض اقتصادها للاختناق بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها بعد تخلي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن الاتفاق النووي المبرم في عام 2015.
وأوضح المسؤول الإيراني، أن ما يثير قلق طهران هو أن “بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهي الأطراف الأوروبية الموقعة على اتفاق 2015، قد تسعى لفرض بعض العقوبات مجدداً بمجرد انتهاء المهلة المحددة في بنود الاتفاق النووي”، التي تقيد برنامج الصواريخ الباليستية، في أكتوبر المقبل.
وأضاف المسؤول: “نشعر بقلق بالغ كلما اقترب أكتوبر. ونتوقع أن تخفف الولايات المتحدة الضغط عن إيران من جوانب مختلفة”.
توافقات أميركية إيرانية
وأشار المسؤول إلى أن الولايات المتحدة وإيران “توصلتا إلى اتفاقات بشأن معظم القضايا”، ولكن النقاشات التي تجري من خلال وسطاء ستستمر في قطر وعمان، خاصة ما يتعلق بروسيا.
وقال الشخص المطلع على المحادثات لـ “فاينانشيال تايمز”، إن “تبادل السجناء لم يكن مشروطاً بتدابير التهدئة”، ولكنه أضاف أن “هذا الإجراء قد يساعد على بناء الثقة بين الطرفين”، فيما شدد مسؤول غربي على أن اتفاق تبادل السجناء كان “شرطاً مسبقاً لإحراز أي تقدم على صعيد خفض التصعيد النووي”.
وبالنظر إلى مدى التقدم الذي أحرزته إيران على صعيد ملفها النووي، أشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن ثمة إجماع بين المسؤولين والمحللين على أن الاتفاق النووي 2015، “تجاوز حدود الإصلاح”.
ونتيجة لذلك، تسعى إدارة بايدن إلى احتواء الأزمة النووية حتى الانتهاء من انتخابات الرئاسة الأميركية في 2024. وفي حال فوز بايدن، فقد تسنح الفرصة لتأمين اتفاق “أكثر شمولاً”.
وفي السياق، قال الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، هنري روم، لـ”فاينانشيال تايمز”، إن “السيناريو الأفضل من وجهة نظر السياسة الأميركية هو منع الأمور من التدهور وتجنب حدوث تصعيد كبير”، قبل أن يستدرك قائلاً: “لكن هناك الكثير من المخاطر، والكثير من أسباب القلق من أن تظل الأمور على حالها لفترة طويلة”.
تخصيب اليورانيوم
واعتبر روم، أن الجهود الدبلوماسية السابقة لدحر برنامج إيران النووي “باءت بالفشل”، فيما حذر مسؤولون أميركيون من أن ما أحرزته إيران من تقدم على صعيد تخصيب اليورانيوم يعني أنها قد تستغرق “أسبوعين فقط” لإنتاج مواد انشطارية تكفي لصنع سلاح نووي، وفقاً لما أوردته الصحيفة.
وتخصب إيران اليورانيوم بنسبة 60%، وهو أعلى معدل وصلت إليه على الإطلاق، وقريب من مستوى تصنيع الأسلحة النووية، منذ عامين، بعد أن كثفت بقوة نشاطها النووي رداً على التدابير العقابية التي اتخذها ترمب بحقها.
وخاضت الإدارة الأميركية الحالية، محادثات بوساطة أوروبية مع طهران عقب تولي الرئيس بايدن منصبه بفترة وجيزة في محاولة لإنقاذ اتفاق 2015. ولكن إيران رفضت مرتين مقترحات كان الغرب يعتقد أن من شأنها إحياء الاتفاق.
وحذر المحللون من أنه حتى في حال اتفاق واشنطن وطهران على تدابير لنزع فتيل التوتر، تبقى القضية الأساسية المتعلقة بمواجهة الطموحات النووية الإيرانية “شائكة ومعقدة أكثر من أي وقت مضى”.
في هذا السياق وصفت سانام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز “تشاتام هاوس” للأبحاث، صفقة تبادل السجناء بين واشنطن وطهران بأنها “مجرد إسعافات أولية”، مشيرة إلى أنها “ستعيق إسرائيل وتقلل حدة التوتر، وتدرء خطر الدورة النووية “.
وأضافت أن الصفقة لن تعيد الاتفاق النووي إلى الحياة، ولن تخفف العقوبات عن إيران”.
تخفيف التوتر
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، إنه “سيرحب بأي خطوات إيرانية لخفض تصعيد تهديدها النووي المتنامي”، لكن شدد على أن بلاده تواصل تطبيق استراتيجية “الردع والضغط والدبلوماسية” في تعاملها مع طهران.
ووصف بلينكن إطلاق سراح السجناء بأنه “خطوة إيجابية”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنَّ الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ جميع عقوباتها المفروضة على إيران، وأنَّ طهران لن تحصل على أي تخفيف للعقوبات.
واعتبر بلينكن أن الإفراج عن هؤلاء السجناء “مجرد بداية لعملية ستفضي إلى عودتهم لديارهم في الولايات المتحدة”.
وفي المقابل، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، عن تفاؤل بلاده بشأن الإفراج عن جزء آخر من أصولها المجمدة في إطار اتفاق تبادل السجناء مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن القضية “ليست مرتبطة بشكل مباشر” بمفاوضات الاتفاق النووي، لكن “القضايا يمكن أن تؤثر على بعضها”.