حرية – (20/8/2023)
اتسعت رقعة المساحات الصحراوية في العراق بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب التغيرات المناخية التي ضربت مساحات زراعية واسعة من بلاد الرافدين، مما يشكل منحى خطراً على الأمن المائي والغذائي وتأثيراته في الخطط الزراعية تزامناً مع الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة في البلاد، تزامناً مع انحسار الإطلاقات المائية لدول المنبع.
انتشار التصحر
وأكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق أن مناطق الأهوار هي الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، مشيراً إلى أن بلاده تفقد نحو 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) من الأراضي الزراعية سنوياً بسبب التغيرات المناخية.
وقال الممثل المقيم للبرنامج أوكي لوتسما إنه “تم تصنيف العراق في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر عرضة للتأثر بالتغير المناخي”، مشيراً إلى أن “درجة الحرارة تزداد بمعدل اثنتين إلى سبع مرات أسرع من الدرجات العالمية القياسية”.
وأضاف ممثل البرنامج الأممي أن “مناطق الأهوار الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي”، منوهاً بأن “السنوات الأخيرة شهدت زيادة في درجات الحرارة ووصولها إلى أكثر من 55 درجة مئوية، مما زاد من تواتر وشدة نوبات الجفاف”.
ونوه لوتسما بأن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق يعمل مع الحكومة العراقية في مجال العمل المناخي، ويدعمها في أولوياتها الوطنية، إذ أدركت أن تغير المناخ يمثل تهديداً مباشراً للبلاد، ويمكن رؤية هذا التهديد في شح المياه والعواصف الترابية وموجات الحرارة الشديدة والتصحر والأمن الغذائي، وكذلك فقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي، إذ يفقد العراق نحو 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) من الأراضي الزراعية سنوياً”.
تعتمد الزراعة على مياه دجله والفرات بنحو 80 في المئة
وأشار لوتسما إلى “بذل الحكومة العراقية جهوداً وطنية بدعم من المجتمع الدولي، لاتخاذ خطوات جادة للتصدي للتغير المناخي، وتعزيز قدرتها على الصمود وضمان التعامل مع الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية”.
تضرر زراعي
في حين قالت نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب العراقي زوزان كوجر إن الجفاف يشكل خطراً على الأمن الغذائي والاقتصادي والمجتمعي في البلد، سواء كان بسبب التغيرات المناخية وندرة الأمطار والاحتباس الحراري أو قلة الواردات المائية في نهري دجلة والفرات وتأثرها بقلة الإطلاقات من تركيا.
وأضافت كوجر أن القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، إذ أصاب الجفاف 70 في المئة من الأراضي الزراعية، إذ إنه يعتمد على مياه دجله والفرات بنحو 80 في المئة، لافتة إلى أن المحافظات الجنوبية تضررت بصورة أكبر، إضافة إلى أن كثيراً من العائلات العراقية وبخاصة في مناطق الأهوار نزحت وهاجرت بسبب تردي أحوالهم المادية لأنهم يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، وكلا القطاعين تأثر بالجفاف، محذراً في الوقت نفسه من تأثير الأزمة في السلم المجتمعي والأمن الاقتصادي.
ونوهت كوجر بأهمية أن يكون هناك خطط استراتيجية وتعاون بين كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في تلك المناطق لمواجهة هذه المشكلة، وكذلك التفاوض مع دول الجوار على زيادة الإطلاقات المائية ومنح العراق حصة عادلة، إضافة إلى نشر وعي الترشيد في استهلاك المياه ومنع التجاوزات على حوضي الأنهار، إلى جانب إلزام المزارعين استخدام التقنيات الحديثة للري، مع وجود دعم حكومي للمزارع وتوفير التقنيات بأسعار مدعومة للفلاحين.
إلى ذلك اعتبر الخبير المائي عادل المختار أن الجفاف وشح المياه أسهما في انخفاض المساحات المزروعة بشكل كبير جداً، مما أدى إلى زيادة مساحات الأراضي المتصحرة، إذ يفقد كل دونم إنتاجيته الاقتصادية ويصبح عديم الفائدة بعد فقدان حصص مياه الأنهار، لا سيما أن مستوى تدفق المياه القادمة من تركيا أقل 200 متر مكعب بالثانية في حوض نهر دجلة و150 متراً مكعباً في الثانية بالفرات بعد أن كانتا 500 متر مكعب خلال الثانية.
تأثيرات الجوار
وأضاف المختار أن الإطلاقات المائية تتأثر بحاجات تركيا، فإذا كانت تحتاج إلى توليد الكهرباء فإنها تزيد إطلاقاتها، وإذا لم تكن في حاجة إليها يقل إطلاق المياه وهو ما يتم بالفعل حالياً، لافتاً إلى أن نسبة تخزين مياه دجلة والفرات في العراق هي الأسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مؤكداً أن الخطة الزراعية للموسم الشتوي ستقل على رغم توقعات هطول الأمطار.
الخبير البيئي رمضان حمزة يرى بأن العراق في موقف حرج وخطر جداً بالنسبة إلى الأمن المائي والغذائي، مبيناً أن ما ذكر على 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) سنوياً هو رقم قليل، لكنه هو المسجل فعلاً بينما الأرقام الحقيقية كارثية وستنعكس سلباً على البلاد.
تفقد الأرض إنتاجيتها الاقتصادية بفقدان حصص مياه الأنهار
ولفت حمزة إلى أن العراق فقد كل مقومات الزراعة، كما منع هذا التوجه زراعة الشلب والرز والذرة الصفراء بداعي قلة المياه، منوهاً بأنه يدفع البلاد نحو استيرادها من تركيا وإيران.
تغيرات مناخية
وفي السياق قالت الخبيرة البيئية إقبال لطيف إن الزراعة ليست 400 ألف دونم (400 كيلومتر مربع) بل مساحة قدرها 30 مليون دونم (30 ألف كيلومتر مربع) كانت مستغلة لكن مع ظروف الحروب والتغيرات المناخية بدأت تتناقص تدريجاً، مشيرة إلى عوامل عدة منها على سبيل المثال تقطيع الأشجار وتحويلها إلى أراض سكنية، وكذلك عوامل الجفاف الذي حدث نتيجة انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات.
ولفتت لطيف إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤثر في تبخر المياه السطحية، وارتفاع درجات الحرارة الذي لا يؤثر فقط في كميات المياه وإنما في نوعيتها من حيث ترسبات العناصر المعدنية السامة والأملاح بها.