حرية – (3/9/2023)
أنشأت الصين أكبر أسطول بحري في العالم، بأكثر من 340 سفينة حربية، وسط قلق أميركي بشأن إمكانية توسع نطاق نفوذ بكين العالمي، حسبما ذكرت شبكة CNN الأميركية.
وقالت الشبكة، إنه حتى وقت قريب كان ينظر إلى البحرية الصينية على أنها “بحرية المياه الخضراء”، أي أنها تعمل في الغالب بالقرب من شواطئ البلاد، لكنها أشارت إلى أن بناء السفن في الصين يكشف عن طموحات “المياه الزرقاء”، كقوة بحرية قادرة على العمل دولياً، وبشكل أساسي عبر المياه العميقة للمحيطات المفتوحة.
وفي السنوات الماضية، دشنت الصين مدمرات صواريخ موجهة كبيرة وسفن هجومية برمائية وحاملات طائرات؛ لديها القدرة على العمل في المحيط المفتوح واستعراض القوة على بعد آلاف الأميال من سواحل بكين.
وللحفاظ على امتداد عالمي، ستحتاج بحرية الجيش الصيني إلى أماكن لسفن “المياه الزرقاء” للتزود بالوقود وتجديد المؤن بعيداً عن البر الرئيسي للصين.
وجاء في تحليل من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، إن جهود بكين المتزايدة في هذا المجال تشمل المساعدة في بناء قاعدة بحرية في كمبوديا، واستكشاف مواقع محتملة أخرى للمواقع العسكرية في أماكن بعيدة مثل ساحل المحيط الأطلسي في إفريقيا.
وبحسب المؤسسة، يجري تعزيز تلك الجهود بمنشآت الجيش الصيني في أماكن مثل الأرجنتين وكوبا، والتي يمكنها القيام بكل شيء من مراقبة الفضاء وتتبع الأقمار الصناعية إلى التنصت على اتصالات الدول الغربية.
ويقول الخبراء إن هذه الجهود تهدف إلى تعزيز التمدد العسكري للصين، والذي يشمل حالياً قاعدة بحرية واحدة فقط في الخارج في جيبوتي.
وتؤكد الصين أن قاعدة جيبوتي تدعم بعثاتها ذات الصلة بمكافحة القرصنة والبعثات الإنسانية في إفريقيا وغرب آسيا.
وشدد المسؤولون الصينيون مراراً، على أن بكين لا تسعى إلى “التوسع أو خلق مناطق نفوذ” في الخارج، ورفضوا تأكيدات مختلفة بأنها تتعاون مع دول أخرى بهدف إنشاء قواعد خارجية على أراضيها.
لكن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جمعت معلومات استخباراتية وتقارير مفتوحة المصدر لدعم استنتاجها بأن الصين تبني المزيد من المواقع البحرية، واستندت في ذلك أيضاً إلى صور الأقمار الصناعية التي تظهر التطور الملحوظ لقاعدة ريام البحرية، التي تقع على شبه جزيرة من الساحل الغربي لكمبوديا على خليج تايلندا.
وذكر تقرير المؤسسة أن “البصمة العالمية الآخذة في التوسع للجيش الصيني والقدرة على القيام بمجموعة واسعة من المهام، بما في ذلك القتال المحدود، تنطوي على مخاطر كبيرة تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالإضافة إلى مسارح العمليات الأخرى”.
وقال معد التقرير، كريج سينجلتون، “إنها مسألة وقت، وليس ما إذا كانت، الصين ستؤمن موقعها العسكري التالي في الخارج”.
“قصة رصيفين”
وشهد مسؤولون صينيون وكمبوديون حفل وضع حجر الأساس لترقية منشأة قاعدة ريام البحرية بتمويل صيني العام الماضي، إذ أشاد مبعوث بكين في كمبوديا بالتعاون العسكري كجزء من “الشراكة الحديدية” بين البلدين.
ونفى وزير الدفاع الكمبودي، تيا بانه، في ذلك الوقت ما تردد عن أن تلك القاعدة ستصبح موقعاً عسكرياً صينياً، مؤكداً خلال الحفل أن المشروع يتماشى مع دستور كمبوديا، الذي يحظر القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها.
ووصف مسؤولون صينيون، القاعدة، بأنها “مشروع مساعدات” لتعزيز البحرية الكمبودية. ويقول سينجلتون إن تحليله لصور الأقمار الصناعية يظهر أن الرصيف الذي يتم بناؤه في قاعدة “ريام” له أبعاد مماثلة للرصيف الموجود في القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي.
ويتمتع رصيف جيبوتي، بالقدرة على استقبال سفن “المياه الزرقاء” الصينية، وتشير أوجه التشابه هذه إلى أن ريام يمكن أن تدعم مثل هذه السفن أيضاً.
كما أن قاعدة ريام أكثر اتساعاً بشكل عام، ويتساءل سينجلتون وآخرون بشأن إذا كانت تلك القاعدة يمكن أن تكون برنامج عمل لما سيأتي لطموحات الصين العسكرية في الخارج، على الرغم من النفي الرسمي لهذا الهدف.
وقال سينجلتون: “في عام 2016، نفى المسؤولون الصينيون ومسؤولو جيبوتي بالمثل التقارير التي تفيد بأن الصين تعتزم إنشاء موطئ قدم عسكري في القرن الإفريقي”.
وأضاف: “لكن بعد أقل من عام، نشر الجيش الصيني سفناً من أسطوله البحري الجنوبي لفتح قاعدته رسمياً في جيبوتي، وبعد ذلك أجرى الجيش الصيني ستة أسابيع من التدريبات بالذخيرة الحية”.
وتقول CNN إن هذا ليس المثال الوحيد على تعارض أقوال وأفعال الصين، عندما يتعلق الأمر بعملياتها العسكرية.
وتشير إلى أنه في عام 2015، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج بأن بكين لن تقوم بعسكرة الجزر الاصطناعية التي كانت تبنيها في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. لكن بكين تستخدم اليوم المنشآت العسكرية عبر تلك الجزر لتعزيز مطالباتها الإقليمية في المنطقة.
منشآت عسكرية
ولطالما شجبت الصين شبكة الولايات المتحدة العسكرية، التي تضم ما يقدر بنحو 750 منشأة عسكرية في الخارج، متهمة واشنطن بتقويض الأمن العالمي واستخدام هذه المواقع للتدخل في شؤون الدول الأخرى.
لكن بكين أصبحت أكثر حزماً في المناطق المجاورة لها، مستخدمة الجيش للضغط في مطالبها في بحر الصين الجنوبي وترهيب تايوان، وفقاً للشبكة الأميركية.
ومع احتدام تنافسها مع الولايات المتحدة، يقول الخبراء إن بكين أصبحت تركز بشكل متزايد على إيجاد طرق لكسر ما تعتبره “تطويقها” المادي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، مع إبراز قوتها العسكرية ورؤيتها للأمن العالمي في الخارج.
مصالح خارجية
وأكد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الصينية في عام 2019، على حاجة الجيش الصيني إلى حماية “مصالحه الخارجية”، بما في ذلك من خلال “تطوير مرافق لوجستية في الخارج”، على غرار اللغة التي استخدمها لوصف قاعدة جيبوتي.
ويقول الخبراء إن نفوذ الصين العالمي المتزايد والتوسع السريع في عملياتها التجارية البحرية على مدى العقد الماضي أدى إلى نهج أكثر قوة في مجال الأمن البحري.
وكانت مبادرة الرئيس الصيني الشاملة لتمويل مشروع البنية التحتية “الحزام والطريق” نقطة انطلاق للشركات الصينية، للحصول على حصة في ما يقول الخبراء إنها عشرات الموانئ في جميع أنحاء العالم، والتي يمكن أن تدعم أيضاً بعض الخدمات اللوجستية والتزود بالوقود للبحرية الصينية، ويمكن أن تستضيف قواعد عسكرية في المستقبل.
واقترحت دراسة حديثة أجراها مختبر الأبحاث AidData التابع لجامعة وليام وماري في ولاية فرجينيا الأميركية، قائمة بالمواقع التي قد تنشئ فيها بكين قواعد بحرية جديدة، والتي استثمرت فيها موارد كبيرة وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع النخب فيها.
وجاء على رأس تلك القائمة هامبانتوتا في سريلانكا، تليها باتا في غينيا الاستوائية، وجوادر في باكستان، وكريبي في الكاميرون، وريام في كمبوديا، وفانواتو في جنوب المحيط الهادئ، وناكالا في موزمبيق، ونواكشوط في موريتانيا.
ولطالما اعتبر ميناء هامبانتوتا التجاري في سريلانكا مرشحاً رئيسياً لقاعدة بحرية صينية. وسيطرت بكين على الميناء في عام 2017، عندما وقعت شركة صينية تديرها الدولة عقد إيجار لمدة 99 عاماً مع كولومبو لتشغيل المنشأة، بعد أن عجزت سريلانكا عن سداد القروض الصينية التي بنتها.
وترى الشبكة الأميركية أنه “لا ينبغي أن يكون ظهور غينيا الاستوائية في المرتبة الثانية في القائمة مفاجئاً”. وحذر قادة عسكريون أميركيون في أكثر من مناسبة العام الماضي من أن بكين تتخذ خطوات هناك.
طريق غامض
ومع ذلك، فإن طريق الصين لتطوير قواعد دائمة في الخارج، إذا كان هذا هو هدفها بالفعل، ليس واضحاً.
وتشترك العديد من الدول التي تستضيف القواعد الأميركية في معاهدات دفاعية مع واشنطن، لكن الصين لديها سياسة طويلة الأمد تتمثل في عدم وجود حلفاء رسميين، مما يثير تساؤلات بشأن الحافز للدول للترحيب بقواعد بكين على أراضيها.
وعلى الرغم من أن الصين تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير، قد يساعد في هذا الصدد، فإن الحكومات التي توافق على استضافة قاعدة عسكرية صينية يمكن أن تعرض علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلفائها الكثيرين للخطر، وسط تزايد التنافس والتوتر بين القوتين.
كما أن تشغيل قواعد في الخارج يعرض بكين لمخاطر أمنية أخرى، بما في ذلك الانجرار إلى صراعات داخلية في البلدان المضيفة.
أولويات عسكرية
فعلى سبيل المثال، في 13 أغسطس، هاجم مسلحون مركبات تقل مهندسين صينيين في جوادر في باكستان، وهي واحدة من الأماكن التي يقول الخبراء إن الصين قد تتطلع إلى منشآت لموانئ عسكرية.
ومع ذلك، قال باحثون في أكاديمية الأبحاث البحرية في بكين في تقرير في عام 2014 إن القوة البحرية الصينية يجب أن تمتد إلى المحيط الهندي لـ”دعم توسيع المصالح الوطنية للصين”.
وفي حين أن النقاش العام بشأن القواعد العسكرية في الخارج قد اكتسب زخماً في الصين في السنوات الماضية، لا تزال هناك “أولويات عسكرية أعلى” للجيش الصيني، وفقا لإسحاق كاردون، وهو زميل بارز للدراسات الصينية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن.
وأضاف أن “القادة الصينيين يرون التهديدات الأكثر حدة في مياه شرق آسيا، تايوان وبحر الصين الجنوبي والشرقي، ومن غير المرجح أن يخصصوا موارد كبيرة أو اهتماماً قيادياً للمواقع النائية التي تخدم أغراضاً استراتيجية محدودة”.
وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تواصل الصين تفضيلها للاعتماد على “خيارات الاستخدام المزدوج الأقل تكلفة” المرتبطة ببنيتها التحتية التجارية في الخارج، مثل الموانئ، وفقا لكاردون.
وقال كاردون إنه لا يزال “هناك حجة متزايدة لبضع قواعد عسكرية أخرى لدعم وجود أكثر قوة”، مضيفاً أن الصين ستكون “انتهازية بشأن ترتيبات القواعد عندما يمكن الحصول عليها”.
أكثر من مجرد قواعد
وفي حين أن الجزء الأكبر من الاهتمام بطموحات الجيش الصيني في الخارج يركز على المنشآت البحرية، فإنه يبحث أيضا في مرافق للتنصت والاتصالات، وفق مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
وقالت مصادر لشبكة CNN في وقت سابق من العام الجاري، إن الصين تتجسس على الولايات المتحدة، من منشآت في كوبا منذ سنوات. وقال مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية إن بكين لديها أيضاً اتفاق من حيث المبدأ لبناء منشأة تجسس جديدة في الجزيرة، يمكن أن تسمح للصينيين بالتنصت على الاتصالات الإلكترونية عبر جنوب شرق الولايات المتحدة.
ويقول سينجلتون، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن الجهود الكوبية تظهر مدى تمدد الجيش الصيني بالفعل.
ويشير سينجلتون أيضاً إلى المحطة الأرضية الصينية للفضاء في منطقة باتاجونيا الصحراوية في الأرجنتين، والتي قالت الأرجنتين إن الجانبين اتفقا على أنها “لأغراض مدنية حصراً”.
وتدير المنشأة المنظمة العامة الصينية لإطلاق الأقمار الصناعية ومراقبة التتبع، والتي تظهر السجلات الحكومية أنها مرتبطة بقوة الدعم الاستراتيجي التابعة للجيش الصيني.
ويشير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إلى سبب قلق العسكريين الأميركيين. وقال المركز في تقرير العام الماضي: “المحطات الأرضية المساعدة في تتبع عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية والأجسام الأخرى في مدار الأرض هي أمر بالغ الأهمية للقتال وكسب الحروب في ساحات المعارك الغنية بالمعلومات”.
تقييم واشنطن
في واشنطن، ينتبه بعض أعضاء الكونجرس إلى التحركات الصينية، ويحثون وزارة الدفاع على عدم التردد في اتخاذ تدابير لمواجهة البصمة المتنامية للجيش الصيني، سواء عن طريق إغراء مضيفي القواعد الصينية المحتملين للنظر إلى الولايات المتحدة كبديل عن الصين، أو عن طريق تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المناطق التي يوجد فيها الجيش الصيني.
وقال النائب روب ويتمان، وهو جمهوري من فرجينيا، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى CNN: “سيواصل الحزب الشيوعي الصيني توسعه الاستراتيجي للقواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم مع إمكانية الوصول إلى الممرات البحرية الرئيسية والمضائق البحرية وطرق استيراد النفط والغاز”.
وأضاف: “يجب على وزارة الدفاع تعزيز مشاركتها مع الدول التي تستهدفها بكين لتقدم لتلك الدول الولايات المتحدة كشريك اقتصادي وأمني أقوى”.
وقال النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس، سيث مولتون، للشبكة، إنه يجب على واشنطن أن تنخرط بشكل أكبر في الدول التي تحاول فيها بكين تحقيق تقدم، “لأنها تقدم ما لا تستطيع الصين تقديمه”.
وأضاف مولتون: “يجب أن يكون ردنا الأول هو مضاعفة الدبلوماسية لأن أميركا توفر الحرية والأمن والفرص الاقتصادية، أما الصين تريد السيطرة”.
وتابع: “هدف الصين هو الهيمنة على العالم من خلال السيطرة الاستبدادية. والاستبداد هو ما يصدرونه إلى دول ومناطق أخرى من خلال توسيع بصمتها العسكرية”.
ويتردد صدى هذا الرأي في البنتاجون. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية اللفتنانت كولونيل مارتن مينرز لـCNN “ما يثير القلق بشكل خاص بشأن أنشطة (الصين) هو الافتقار إلى الشفافية والوضوح بشأن الشروط التي تتفاوض عليها مع الدول المضيفة والأغراض المقصودة من هذه المنشآت”.
وأضاف: “تريد الولايات المتحدة ضمان أن دول المحيطين الهندي والهادئ يمكنها اتخاذ خيارات بشأن مستقبلها الاقتصادي والأمني الذي يخدم أفضل مصالحها”.