حرية – (4/9/2023)
جبار زيدان
“استكان الشاي” رفيق العراقيين الدائم صيفاً وشتاءً، صباحاً ومساء، وهو مرتبط بالموروث الشعبي لبلاد الرافدين منذ عقود طويلة، فلا بيت في العراق يخلو من الشاي. وعلى رغم الارتفاع الشديد في درجات الحرارة والتي تجاوزت الـ 50 درجة مئوية، لا يزال العراقي يقاوم الحرارة بشرب الشاي عند الظهير أي في ذروة الحر الشديد.
وفي الأفراح والأتراح وبعد كل وجبة طعام أو زيارة ضيف يلجأ العراقي إلى تقديم الشاي كنوع من التقليد ولتقليل الصداع، لما يحتويه من منبهات، ويعد العراق من أكثر دول العالم استيراداً للشاي.
وعرف العراقيون الشاي في العهد العثماني على رغم تسيّد القهوة آنذاك، ولم يكن رائجاً إلا بعد الحرب العالمية الأولى عندما كان العراق تحت الاحتلال البريطاني، وقد أصبح اليوم الشراب الأحمر (الشاي) والذي لا يستغرق تحضيره سوء دقائق معدودة، جزءاً من تقاليد الضيافة والترحيب في البلاد.
“استكان الشاي”… شريك العراقي صيفاً وشتاءً
رزق لكثير من العوائل
وفي أماكن العمل وأزقة الشوارع والمقاهي وصولاً إلى التقاطعات المرورية، ينتشر بيع الشاي الذي يعد مصدر رزق الكثير من العوائل.
وفي إحدى مناطق بغداد القديمة التي تكتظ بالسكان والمحلات التجارية، يشير محمود محمد الذي تجاوز عقده الخامس إلى مهنة بيع الشاي بالقول، منذ صغري وأنا أعمل في مكان صغير فيه بعض معدات العمل كصحون الشاي والسكر وغيرها. يعد الشاي عنصراً أساسياً بالنسبة للمواطن العراقي إذ لا يمر يوم من دون شاي والذي عادة يتم شربه في فترات الصباح والظهيرة والعصر وصولاً إلى الليل، وتختلف حسب الشخص وقابليته.
ويقول “لدي زبائن قدماء معتادون على شرب الشاي الذي أصنعه والذي لا يأخذ تحضيره الكثير من الوقت”، معتبراً أن مهنة بيع الشاي تعد مصدر رزق لكثير من العائلات وقد انشأت عائلة وربيت أولاداً من هذه المهنة”.
يلجأ العراقي إلى تقديم الشاي كنوع من التقليد ولتقليل الصداع
وتابع أن “ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية خلال هذا الشهر لم يمنع العراقي ولاسيما زبائني من شرب الشاي في أي وقت من أوقات اليوم”، مبيناً أن لديه زبائن يشربون ثلاثة أكواب شاي في عز الظهيرة وبذروة الحر.
وفي هذا السياق، يشير المواطن البغدادي، أنور موسى إلى أن شرب الشاي صباحاً وبعد كل وجبة طعام عادة وتقليد أحرص عليهما لانه يعد منبهاً لي ويقلل من الصداع، مبيناً أن الطقس الحار لا يمنعني من الشراب الأحمر.
وأضاف يتميز شرب الشاي في العراق بالكثير من الطقوس والتي تختلف من عائلة إلى أخرى، لكن ما يجمعها جو العائلة والأهل والأصدقاء.
المشروب “السحري”
وفي هذا الإطار، يصف الباحث في الشأن العراقي، باسم رعد، أن الشاي الأصلي بات مشروب العراقيين في كل الأوقات وهوى مذاقهم المستمر، فعلى رغم الأجواء الحارة والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، إذ تسجل المدن العراقية أعلى درجات حرارة في العالم، إلا أن الشاي لا يزال مشروبهم الساخن المفضل بل وقد ازداد الإقبال عليه.
ولفت إلى أن المقاهي العامة تشكل مركزاً لتجمع العراقيين وتناول الشاي وتداول النقاش في الأمور العامة السياسة والاجتماعية، وتناول هذا المشروب الذي يمنح الطاقة والتركيز في بيئة حارة مشمسة دوماً.
وبحسب رعد، بات الشاي الذي يتم تحضيره بطريقة عراقية خاصة، ماركة مسجلة للعراقيين أمام شعوب المنطقة ودول الجوار، وأينما حللت في دول الجوار ستجد المقاهي والمطاعم العربية تقدم الشاي العراقي كعلامة تجارية لها، بالإضافة إلى الأكلات العراقية المشهورة، والتي باتت تمثل لغة تواصل العراقيين مع شعوب المنطقة.
حب وصيف لاهب
من جهته يقول المواطن لفتة صالح، “ليست مسألة مقاومة حرارة بل إنه حب الشعب العراقي للشاي وتعلقهم به وشربهم له قبل الأكل وبعد الأكل، هو مشروب الأغنياء والفقراء، يقدم للضيوف في أفراحهم وأحزانهم وجميع مناسباتهم صيفاً وشتاءً، لذلك لا تمنعهم الأجواء الحارة وانقطاع التيار الكهربائي من شرب الشاي”.
وتحدث عن متعة شرب الشاي في الأجواء الباردة، لكن العراقيين اعتادوا على شربه خلال الصيف اللاهب وتحت الشمس الحارقة، فقد بات جزءاً من المشروبات الشعبية التي تورث من الآباء للأبناء.
طقوس في العصاري البغدادية
وتختلف طرق تحضير المشروب الأحمر، فمحبو الشاي العراقي كثر عربياً ودولياً حتى أن القصائد والأغاني أشادت وتغزلت به لاسيما الأغنية الشهيرة “خدري الشاي خدري”، حيث بات مطلباً رئيسياً للسائح العربي والأجنبي عند قدومه لبلاد الرافدين.
وفي السياق، قال الكاتب والشاعر عبد الرزاق الربيعي، إنه لم يرد ذكر الشاي في نصوصي ربما لأنني لست مع مذهب الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، الذي كان مغرماً بالشاي حتى أنه قال “يا للجو الجميل اليوم! لا أستطيع إما أشرب الشاي أو أشنق نفسي”، بل أقرب ما يكون إلى مذهب برنادشو الذي لم يكن من محبي الشاي والقهوة ولا التدخين ولا الكحول.
وقال الربيعي “هذا لم يمنعني من ترديد الأغنية الشهيرة (خدري الجاي خدريه)، عيوني المن أخدره وأتدفأ به في الأيام الباردة مع الأصدقاء”، مشيراً إلى أنه “حين أخيّر في الزيارات أختار الشاي الأخضر، وكذلك في الدعوات، كجزء من طقس اجتماعي”.
واستذكر طقوس تناول الشاي في العصاري البغدادية قديماً، فقد كانت تقام دعوات لشرب الشاي ويتحلّق المدعوون حول السماور والماء المغلي، وتكون (صينية الاستكانات) جاهزة لتكون لتريرها على الضيوف الذين يحتسون الشاي بتلذّذ.