حرية – (11/9/2023)
مع تصاعد الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ والمحاولات المستمرة للحد من الهدر الحاصل في الطاقة، برز من جديد الاهتمام باكتساب عقلية فردية صديقة للبيئة، تنحو بصاحبها إلى تبني نهج يضمن تطبيق ممارسات داعمة للبيئة، من تحسين استهلاك الطاقة والمياه وتقليل الهدر في كل مناحي حياته، الأمر الذي ينعكس على الأسرة ثم المجتمع فالكوكب ككل، لذا فالتصميم المستدام يعد اليوم أكثر من مجرد صيحة جديدة، بل يمكن القول إنه أصبح يندرج في إطار “منازل المستقبل” حول العالم.
التفكير في المستقبل
وعندما يتعلق الأمر ببناء منزل جديد، فإن اعتماد نظرة نحو المستقبل يوصل إلى جعله مستداماً، عندما يضع المرء في الاعتبار طريقة استخدام الطاقة والموقع والمواد واستراتيجيات البناء وطرق دمج عناصرها، استخدامها جميعاً سيؤثر بشكل إيجابي في نمط الحياة على المدى الطويل، وسيقلل من تكلفة تشغيل المنزل وتوفير الطاقة والمياه وصيانة الأنظمة والأجهزة، كما أن بناء منزل أكثر استدامة يعني الإسهام في تحسين البيئة.
وعلى رغم تناقل كثير من الأفكار حول ارتفاع تكلفة تشغيل وصيانة المنازل الأكثر استدامة، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فالمنازل الصديقة للبيئة توفر بيئياً ومالياً، بخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم فائدة عيش أسلوب حياة أكثر صحة وانسجاماً على المدى الطويل.
أداء عال ومتانة
يصمم المنزل المستدام بطريقة تراعي الموارد الطبيعية من خلال الاستخدام الأمثل للطاقة والمياه، بحيث يشمل أنظمة جودة تضمن المتانة واستخدم مواد منخفضة التأثير وعالية الأداء تتسم بالكفاءة من حيث التصنيع والنقل والتركيب، وفي المراحل الأولى من التخطيط لبناء جديد، يجب النظر أولاً إلى بعض الميزات مثل الموقع والمساحة والاتجاه، إذ يمكن للضوء الطبيعي والتدفق السلس للهواء، بالتالي تدفئة وتبريد المنزل بشكل طبيعي، أن يجعل التصميم الأكثر استدامة بشكل تلقائي، والأمر ذاته ينطبق على مساحة وتخطيط المنزل، إذ تعد المنازل الأصغر حجماً أكثر كفاءة وأقل استخداماً لمواد البناء وأقل تطلباً للطاقة التشغيلية، لذا من المهم مراعاة الموارد المتاحة والتفكير في مقدار المساحة التي تحتاجها بالفعل للعيش بشكل مريح وليس بشكل أكثر إفراطاً.
إضافة إلى ذلك، فإن التصميم والبناء بعقلية طويلة المدى والاستثمار في ميزات التصميم المستدام، سيساعدان على زيادة عمر المنزل بشكل كبير، كما سيؤديان إلى تحقيق فوائد طويلة المدى لكل من الأسرة والبيئة من خلال الحد من استهلاك الطاقة لأنظمة التبريد والتدفئة.
المتهم الأكبر بالهدر
وفي هذا السياق، يعد اختيار النوافذ أمراً بالغ الأهمية، وعلى رغم أهميتها إلا أن اختيارها غالباً ما يكون عشوائياً أو معتمداً على الشكل الخارجي فقط. فالنافذة واحدة من الاعتبارات المهمة التي يتوجب أن تدرس بشكل جيد بعيداً من الاعتباطية، إذ يقدر الخبراء أن النوافذ والأبواب تكاد تكون مسؤولة عن ما يقارب 70 في المئة من الطاقة المفقودة، وأن 90 في المئة من الفقدان الحراري للنوافذ يحدث من خلال الزجاج، لذا يتوجب عند بناء منزل مستدام التفكير في التقنيات الجديدة مثل الزجاج المزدوج والإطارات والطبقات والمواد الخاصة التي تخدم هذا الغرض، وتفصيل النافذة بما يتلاءم مع المناخ الذي نعيش فيه.
ومن الخيارات الجيدة، النوافذ ذات الزجاج المزدوج وهي نوع من النوافذ تصمم بطريقة لا تسمح لمقدار كبير من الأشعة بالدخول إلى داخل المنزل عبر عكس جزء كبير من الأشعة الواردة، إذ تقلل كمية الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية التي تمر عبر الزجاج من دون تقليل كمية الضوء الداخلة إلى المنزل، بالتالي هي مناسبة بشكل خاص للمناخات الحارة، إذ تجعل المنزل ينظم درجة حرارته تلقائياً وتحوله إلى مكان أكثر هدوءاً من طريق تقليل التعرض للضوضاء الخارجية، وإضافة إلى ذلك تقوم بتوفير ما يصل إلى 20 في المئة من فواتير الطاقة كل عام.
مواد بناء صديقة للبيئة
للمواد الصديقة للبيئة تأثير بيئي منخفض في الإنتاج والتركيب والصيانة، إضافة إلى كونها متينة وسهلة الصيانة ومتعددة الاستخدامات، فعلى سبيل المثال، لا يطلق الحجر الطبيعي مواد كيماوية أو سموماً ضارة بالبيئة ويتوافق مع مختلف المناخات، كما أن معظم أنواعه الملساء لا تتطلب طلاء أو تشطيباً إضافياً. وكذلك يعد الخشب مادة منزلية أساسية لأدائه العالي ومتانته وقابلية إعادة التدوير وسهولة تغيير مظهره وتجديده.
ويعد عزل المنزل أحد السمات الرئيسة للمنازل المستدامة، إذ يحافظ العزل الجيد على الهواء المعتدل في الصيف والهواء الدافئ في الشتاء، الأمر الذي يزيد من كفاءة استخدام الطاقة في المنزل من طريق تقليل الحاجة إلى تكييف الهواء والتدفئة.
الاهتمام بالتفاصيل
تراعي عقلية الاستدامة والتصميم الفعال وضع البيئة الحالية والموقع لإنشاء مساحات أكثر كفاءة، وغالباً ما يكون الانطلاق من تحديد الاتجاهات الأكثر فاعلية للاستفادة من الموارد التي تقدمها الطبيعة بالمجان، واستمداد الضوء الطبيعي مع الحفاظ على درجة حرارة مناسبة ومريحة في المنزل، وكذلك تأخذ هذه العقلية إعادة التدوير في الاعتبار عند مباشرة البناء، عبر التفكير في كيفية حفظ المواد واستخدامها في المستقبل، إذ يمكن مثلاً أن يصمم المنزل ليعمل كلياً أو جزئياً بالطاقة النظيفة والمتجددة عبر تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء تزود المنزل بالطاقة من طريق الألواح الشمسية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الكوكب وفاتورة الطاقة أيضاً.
وأيضاً يعد الاستثمار في الأجهزة الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة وذات التصنيفات الطاقية العالية، خياراً رابحاً، إذ تعد الأجهزة ثاني أكبر مستهلك للطاقة في المنزل، وهنا يتوجب التفكير في تكلفة الشراء والتشغيل معاً، إذ على رغم ارتفاع تكلفتها إلا أنها ستوفر كثيراً من المال على المدى البعيد.