حرية – (25/10/2023)
أصدرت إيران في 15 أكتوبر/ تشرين الأول تحذيراً علنياً وحاداً لإسرائيل عندما قال وزير خارجيتها: أوقفوا هجومكم على غزة وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراء.
وبعد ساعات فقط، خففت بعثة الجمهورية الإسلامية لدى الأمم المتحدة لهجتها المتشددة، وطمأنت العالم بأنّ قواتها المسلحة لن تتدخل في القتال ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها.
ووفقا لتسعة مسؤولين إيرانيين على اطلاع مباشر على طريقة التفكير داخل المؤسسة الحاكمة، فإنّ إيران، الداعمة منذ فترة طويلة للمقاومة في قطاع غزة، تجد نفسها أمام معضلة بينما تحاول إدارة الأزمة المتفاقمة.
وأوضح المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المناقشات في طهران، أنّ الوقوف موقف المتفرج وقت أي اجتياح بري إسرائيلي واسع لقطاع غزة، من شأنه أن يقوّض بشكل كبير الاستراتيجية التي تتبعها إيران منذ أكثر من أربعة عقود والمتعلقة ببسط نفوذها وتعزيزه إقليمياً.
لكن أيضاً من الممكن أن يكبّد أي هجوم كبير ضد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة إيران خسائر فادحة، ويثير غضباً شعبياً ضد النظام الحاكم في دولة تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية، حسبما قال المسؤولون الذين استعرضوا مختلف الأولويات العسكرية والدبلوماسية والداخلية التي تعمل المؤسسة على الموازنة بينها.
وقال ثلاثة مسؤولين أمنيين إنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صناع القرار في إيران في الوقت الحالي، على إعطاء مباركتهم للضربات المحدودة التي يشنها حزب الله اللبناني عبر الحدود ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، على بعد أكثر من 200 كيلومتر من غزة، فضلاً عن هجمات ضيقة النطاق تشنها جماعات أخرى حليفة في المنطقة على أهداف أميركية، مع تفادي أي تصعيد كبير من شأنه أن يجرّ إيران نفسها إلى الصراع.
ونقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن وحيد جلال زاده رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان قوله، يوم الأربعاء، “إننا على اتصال مع أصدقائنا حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله.. وموقفهم هو أنهم لا يتوقعون منا تنفيذ عمليات عسكرية”.
ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب للتعليق على طريقة تعامل البلاد مع الأزمة، كما رفضت السلطات العسكرية الإسرائيلية التعليق.
ويبدو الأمر لإيران أشبه بالسير على خيط رفيع. فقد أوضحت المصادر أنّ خسارة قوة حليفة في قطاع غزة من شأنها أن تحدث صدعاً في خطط إيران التي قامت ببناء شبكة جماعات مسلحة في أنحاء الشرق الأوسط، من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن.
وقالت ثلاثة من المصادر إنه يمكن أن يُنظر إلى التقاعس الإيراني على الأرض على أنه علامة ضعف من جانب تلك الجماعات الحليفة، التي تمثل سلاح نفوذ طهران الرئيسي في المنطقة منذ عقود. وتابعوا أن هذا قد يؤثر أيضاً على مكانة إيران التي طالما دافعت عن القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتبرها محتلاً خسيساً.
وقال آفي ميلاميد المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية والمفاوض خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، “يواجه الإيرانيون معضلة ما إذا كانوا سيرسلون حزب الله إلى القتال من أجل محاولة إنقاذ ذراعهم في قطاع غزة أو ربما سيتركون هذه الذراع ويتخلون عنها”. وتابع “الإيرانيون في هذه النقطة.. حساب المخاطر”.
“البقاء هو الأولوية القصوى”
تواجه الأهداف الاستراتيجية الإيرانية اعتبارات عسكرية آنية، إذ يقوم الاحتلال الإسرائيلي منذ هجوم المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بشن ضربات جوية غير مسبوقة على قطاع غزة أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 4500 حتى الآن.
ويعتقد على نطاق واسع أنّ إسرائيل صاحبة القوة العسكرية الكبرى لديها ترسانة نووية، رغم أنها لا تؤكد هذا أو تنفيه، كما أنها تتمتع بدعم من الولايات المتحدة التي نشرت حاملتي طائرات وطائرات مقاتلة في شرق البحر المتوسط لأسباب من بينها توجيه تحذير لإيران.
وقال دبلوماسي إيراني كبير “بالنسبة لكبار القادة في إيران، خاصة الزعيم الأعلى (آية الله علي خامنئي)، فإنّ الأولوية القصوى هي بقاء الجمهورية الإسلامية”.
وأضاف: “ولهذا السبب تستخدم السلطات الإيرانية لهجة قوية ضد إسرائيل منذ بداية الهجوم، لكنها تمتنع عن التدخل العسكري المباشر، على الأقل حتى الآن”.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تبادل حزب الله إطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية في اشتباكات أسفرت عن مقتل 19 من مقاتلي الحزب.
وقال مصدران مطلعان على تفكير حزب الله إنّ هذه الدرجة المنخفضة من العنف تهدف إلى إبقاء قوات الاحتلال الإسرائيلي منشغلة دون فتح جبهة جديدة كبيرة، ووصف أحدهما هذا التكتيك بأنه كشنّ “حروب صغيرة”.
ولم يلق زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي عادة ما يطلق تهديدات ضد إسرائيل في خطاباته، أي كلمة علنية منذ اندلاع الأزمة.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، ومصدر أمني غربي لـ”رويترز”، إنّ إسرائيل لا تريد مواجهة مباشرة مع طهران، وأنه على الرغم من قيام الإيرانيين بتدريب “حماس” وتسليحها فإنه لا يوجد مؤشر على أن الجمهورية الإسلامية كانت على علم مسبق بهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ونفى الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي تورط إيران في الهجوم، لكنه أشاد بما حققته المقاومة.
وقالت المصادر الأمنية الإسرائيلية والغربية إن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية من إيران، لكنها حذرت من أن الوضع قابل للاشتعال، وأن أي هجوم على إسرائيل يتسبب في خسائر فادحة من جانب حزب الله أو الجماعات الإيرانية في سورية أو العراق يمكن أن يقلب هذه المعادلة.
وأضاف أحد المصادر الإسرائيلية أن أي سوء تقدير من جانب إيران أو أي من الجماعات المتحالفة معها لنطاق أي هجوم بالوكالة سيكون كفيلاً بتغيير نهج إسرائيل.
“لا توجد قوات أميركية على الأرض”
أوضح مسؤولون أميركيون أن هدفهم هو منع تفاقم الصراع، وردع الآخرين عن مهاجمة المصالح الأميركية مع إبقاء الخيارات متاحة أمام واشنطن.
وفي طريق عودته من زيارة إلى إسرائيل يوم الأربعاء، نفى الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل قاطع تقريراً إعلامياً إسرائيلياً ذكر أنّ مساعدي الرئيس الأميركي أوضحوا لإسرائيل أنه إذا بدأت جماعة حزب الله حرباً، فإنّ الجيش الأميركي سينضم إلى نظيره الإسرائيلي في قتال الحزب اللبناني.
وقال بايدن، للصحافيين في أثناء توقفه للتزود بالوقود في قاعدة رامشتاين الجوية الألمانية، بخصوص التقرير الإسرائيلي “هذا غير صحيح.. لم يُصرح بذلك قط”.
وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي مجدداً أنّ واشنطن تريد احتواء الصراع. وقال للصحافيين في أثناء التزود بالوقود “لا توجد نية لنشر قوات أميركية على الأرض في القتال”.
وقال جون ألترمان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية والذي يرأس الآن برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنّ القادة الإيرانيين سيشعرون بالضغط لإظهار دعم ملموس لحركة حماس، وليس مجرد إطلاق خطابات رنانة، لكنه حذر من احتمال تطور الأحداث وخروجها عن السيطرة.
وأضاف: “بمجرد دخولك هذه البيئة، تحدث أشياء وتكون هناك عواقب لم يكن أحد يريدها.. الجميع في حالة تحفز”.
وزادت الأزمة أيضاً من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية في الولايات المتحدة وخارجها، مما عزز الطلب على أصول “الملاذ الآمن” مثل الذهب والسندات الحكومية الأميركية والفرنك السويسري.
ولا يزال رد فعل السوق ضعيفاً حتى الآن، لكن بعض المستثمرين يحذرون من أن ذلك قد يتغير تغيراً جذرياً إذا تصاعدت حرب غزة وتحولت إلى صراع أوسع في المنطقة.
“لا غزة ولا لبنان”
أدى اتفاق المصالحة الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية إلى تعقيد الأمور بالنسبة للقادة في طهران الذين يريدون تجنب تعريض هذا “التقدم الهش” للخطر، وفقاً لمسؤول كبير سابق مقرب من كبار صناع القرار في إيران.
وفي الوقت نفسه، يمكن للشعب الإيراني نفسه أن يلعب دوراً في الأحداث التي تتكشف في أنحاء المنطقة.
وقال مسؤولان، في تصريحات منفصلة، إنّ حكام إيران لا يستطيعون تحمّل تبعات التدخل المباشر في الصراع، بينما يواجهون صعوبة في تهدئة وكبح معارضة متصاعدة في الداخل بسبب المشكلات الاقتصادية والقيود الاجتماعية.
وشهدت البلاد اضطرابات لعدة أشهر في أعقاب وفاة شابة إيرانية في أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها العام الماضي، وبسبب حملة القمع المستمرة التي تشنها الدولة على المعارضة.
وقد دفعت المشكلات الاقتصادية الناجمة بشكل رئيسي عن العقوبات الأميركية وسوء الإدارة عدداً كبيراً من الإيرانيين إلى انتقاد السياسة المستمرة منذ عقود، والمتمثلة في دعم الجماعات الإيرانية لتوسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.
ولسنوات، أصبح شعار “لا غزة ولا لبنان.. أضحي بحياتي من أجل إيران” شعاراً رائجاً في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، مما يسلط الضوء على شعور الناس بالإحباط من نهج المؤسسة الحاكمة في تخصيص موارد البلاد.
وقال المسؤول الإيراني الكبير السابق “يؤكد موقف إيران المعقد على التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين المصالح في المنطقة والاستقرار الداخلي”.