حرية – (28/10/2023)
بعدما اضطروا إلى الفرار من الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة، يقوم مئات الصحافيين الفلسطينيين بتغطية الحرب مجازفين بحياتهم في ظروف مروعة. نصبت خيم في باحة مستشفى لتشكل قاعة التحرير نهاراً ومأوى ليلاً. يعمل بعضهم لوسائل إعلام محلية وآخرون لدى الصحافة الدولية، لكنهم يعيشون المعاناة نفسها لأداء عملهم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.
ووفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، فإن 23 صحافياً استشهدوا في قطاع غزة منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
عند بدء العدوان كانت وسائل الإعلام الموجودة في الأراضي الفلسطينية تعمل من مكاتبها في مدينة غزة، وأجبرها القصف الإسرائيلي الكثيف الذي دمر عدة أبراج على المغادرة مع فرقها إلى الجنوب، رغم إن الضربات الإسرائيلية لا توفر أي منطقة.
واستقر مئات الصحافيين في مدينة خان يونس، في خيم نصبت في باحة مستشفى ناصر. حين لا يكون لديهم تقارير لإعدادها، تستخدم الخيم “كقاعة تحرير” وينامون فيها ليلاً إذا كانت أصوات القنابل توفر لهم فترة هدوء ليغمضوا عيونهم. تعج باحة المستشفى باستمرار بنساء ورجال يرتدون سترات واقية من الرصاص كتب عليها “صحافة” بالإنكليزية، ويضعون خوذات على رؤوسهم، وتتكرر عمليات القصف بالقرب من المستشفى، وتكون دامية في معظم الأحيان.
يؤوي مستشفى ناصر أيضاً في باحته وأقسامه المختلفة أكثر من 30 ألف فلسطيني نزحوا بسبب العدوان. وإذا كانوا قد تمكنوا، بفضل مولدات الكهرباء في المستشفى، من شحن الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والكاميرات وغيرها من المعدات، فإن ظروف النظافة الشخصية صعبة. وغالباً ما تُقطع المياه الجارية، وبسبب عدم وجود قاعات استحمام، يغتسل كثيرون في المراحيض. وفي الخيم، ينام البعض على فرش أو على الأرض، ويغطون أنفسهم بسترات أو كنزات. وللحصول على بعض الخصوصية، ينام آخرون، وخصوصاً النساء، في سياراتهم المتوقفة في باحة المستشفى.
ومنذ مساء الجمعة يتعرض شمال قطاع غزة لقصف إسرائيلي كثيف “هو الأعنف” منذ بداية العدوان، ولا سيما مدينة غزة. وأعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة، مساء الجمعة، أن “سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقطع الاتصالات ومعظم الإنترنت بالكامل لارتكاب مجازر”، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي يقوم “بقصف جوي وبري ومن البحر دموي انتقامي هو الأعنف منذ بدء الحرب على مدينة غزة ومخيم الشاطئ وكافة مناطق شمال القطاع”.
وأوضح صحافيو وكالة فرانس برس في قطاع غزة أنهم لا يستطيعون التواصل إلا في المناطق التي تتوافر فيها الشبكة الإسرائيلية. وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني عبر منصة إكس: “انقطعنا عن الاتصال بشكل كامل عن غرفة العمليات في قطاع غزة في ظل قطع سلطات الاحتلال للاتصالات والإنترنت بشكل كامل”.
وأفاد موقع “نت بلوكس” الذي يتابع الوصول إلى الإنترنت حول العالم عن “انهيار الاتصال في قطاع غزة”.
وقالت مراسلة قناة الحرة الأميركية الناطقة باللغة العربية وسام ياسين، لوكالة فرانس برس: “أكثر من أسبوعين ونحن نعمل في مستشفى ناصر. ننام في السيارة. لا أشرب إلا القليل جداً حتى لا أضطر للذهاب للحمام”. وأضافت: “نتعرض لقصف حولنا في كل مكان. أكثر من مرة نغادر كاميراتنا ولا نستطيع أن نؤدي رسائلنا”، وتابعت: “لقد غطيت جميع الحروب والتصعيدات الإسرائيلية في غزة، لم يمر علي أصعب من هذه الظروف. غادرت بيتي عند الساعة السابعة من صباح 7 تشرين الأول/ أكتوبر ولم أعد إليه حتى الآن. أتردد أحياناً بالرد على اتصالات ابنتي الصغيرة بانا البالغة من العمر تسع سنوات، لأنني لا أحتمل بكاءها وأشعر بالعجز عن تهدئتها”.
هدى حجازي (25 عاماً)، تحمل الجنسية الإسبانية هي وعائلتها، وتعمل مراسلة للتلفزيون الإسباني منذ عام 2018، قضت حياتها في إسبانيا قبل أن تعود مع عائلتها إلى غزة قبل خمسة أعوام. تعمل من داخل مستشفى ناصر بينما بقي أفراد عائلتها في غزة لعدم توافر منزل يلجأون إليه، قالت: “هذه أول حرب أغطيها بهذا الحجم. الوضع مأساوي. لم أر عائلتي منذ أسبوعين”، مضيفة “حين طلبت إسرائيل التوجه إلى الجنوب، قررت البقاء مع عائلتي لأنها أهم من العمل. بعد يومين اطمأننت عليهم وجئت إلى هنا، لكنني أفكر بهم طيلة الوقت، وهذا يزيد الضغط علي”، وأوضحت أن “الوضع صعب في المستشفى. أنام في السيارة والجو حار. بالكاد أتدبر الاستحمام كل يومين أو ثلاثة في أحد حمامات بعض الأقسام داخل المستشفى”. وعلى الرغم من أنها تحمل الجنسية الإسبانية ويمكنها نظرياً مغادرة قطاع غزة إذا فتح معبر رفح الحدودي مع مصر، فإنها قالت: “أحاول إقناع عائلتي بالسفر إذا فتح المعبر، لكنني سأبقى لمواصلة عملي”.