حرية – (27/11/2023)
في الوقت الذي تم فيه إعلان الهدنة في قطاع غزة، بعد الحرب التي دامت لأزيد من 45 يوماً، بعد عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في اقتحام عدة قرى ومخيمات في الضفة الغربية واعتقال عشرات الفلسطينيين خلال الاشتباكات.
وقد كانت قرية بني نعيم، المتواجدة على بعد 8 كيلومترات شرقي مدينة الخليل، من بين المناطق التي تم اقتحامها في يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، واعتقال 25 شخصاً، تم تحويلهم للتحقيق.
فما تاريخ قرية بني نعيم؟ وما أسباب تسميتها؟ وكيف هي الأوضاع المعيشية والمعاناة التي يعيشها السكان هناك في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر؟
تسمية قرية بني نعيم
كانت بلدة بني نعيم في العهد الروماني تعرف باسم آخر وهو “كفار بروشا الحصينة”، وقد استمرت على هذا الاسم عقوداً طويلة، إلى غاية الفتح الإسلامي، عندما تحول على يد المسلمين إلى “كفر بريك” تحريفاً للاسم الروماني القديم.
لكن بعد نزول قبيلة النعيميين جنوبي فلسطين واستقرار طائفة منها في ناحية كفر بريك، تم تحويل القرية على اسمهم، وأصبحت منذ ذلك الوقت تعرف بأنها “قرية بني نعيم”، ويستمر الاسم إلى يومنا هذا دون أن يتغير، حتى بعد التغييرات الكثيرة التي حصلت في الأراضي الفلسطينية.
موقع قرية بني نعيم
تتواجد قرية بني نعيم في الجهة الشرقية من مدينة الخليل، وذلك على بعد ما يقارب 7 كم فقط، إذ يربط بينهما عدة طرق معبدة.
ترتفع القرية الفلسطينية عن سطح البحر بمسافة 951 متراً، ومساحتها تصل إلى 152 دونماً، (1 دونم يعادل 1 كيلومتر في فلسطين)، وتعتبر هذه المنطقة هي الحافة الشرقية لهضبة الخليل.
اتخذ مخطط قرية بني نعيم شكلاً طولياً، يشبه في إحداثياته المستطيل، يمتد شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً، في المحور المؤدي إلى مدينة الخليل.
فيما تتميز القرية ببيوتها القديمة التي تم بناؤها من الحجر والأسمنت، زيادة إلى مساجدها التي تزيد عن 18 مسجداً، أشهرها مسجد النبي لوط.
شخصيات ومبانٍ أثرية شهيرة في القرية
عَرفت قرية بني النعيم العديد من التغيرات والأحداث المهمة عبر التاريخ، إذ حسب موسوعة “فلسطين في الذاكرة”، فإن هذه البلدة هي التي ولد وعاش فيها موسى ابن نصير فاتح الأندلس.
فيما أشارت عدة مصادر تاريخية إلى أنه يفترض أن يكون النبي لوط، عليه السلام، قد سكن هذه الأرض، خصوصاً لوجود قبر، داخل المسجد الذي أطلق عليه اسمه، يفترض أن النبي لوط مدفون فيه، وكتب عليه: “بسم الله الرحمن الرحيم. جدد عمارة مقام النبي لوط السلطان الملك الظاهر برقوق خلد الله ملكه”.
إذ جاء في الأنس الجليل الذي ألف سنة 901هـ ما يؤكد ذلك، وكتب بالعبارات التالية: “وأما قبر لوط، عليه السلام، فهو في قرية تسمى كفر بريك تبعد عن مسجد الخليل، عليه السلام، نحواً من فرسخ. ونقل أن في المغارة الغربية تحت المسجد العتيق ستين بيتاً منها عشرون مرسلاً وصار هذا المكان مشهوراً يقصد ويزار”.
كما زارها الرحالة الشيخ عبد الغني النابلسي عام 1101 هـ، وقال عنها: “ذهبنا إلى زيارة نبي الله (لوط). في قرية يقال لها كفر البريك، والآن يقال لها قرية بني نعيم بالتصغير وهي عن مسجد الخليل نحواً من فرسخ فدخلنا إلى الجامع الذي هناك وفيه قبر لوط قبالة الشباك. ثم خرجنا إلى صحن ذلك الجامع وذهبنا في غربيه تحت الرواق إلى مغارة مفتوح فمها يقال إن فيها أربعين نبياً مرسلاً”.
أما عن المباني الأثرية التي تميِّز القرية، زيادة عن مسجد النبي لوط عليه السلام، هناك كل من بقايا سور عالٍ بشكل مربع، توجد في كل زاوية من زواياه أبراج، وفي أعلاه نوافذ صغيرة يرجح أنه يعود للعصر الروماني، وكان يستعمل على شكل حصن.
فيما توجد مبانٍ أخرى، تعود لعهد الملك برقوق، تم بناؤها لتكون على شكل حصن، من أجل منع غارات البدو على القرية.
أما في جنبات قرية بني نعيم، يوجد العديد من المواقع الأثرية التي تحاكي تاريخ المنطقة، من بينها مسجد النبي ياقين، الذي يقع على بعد ميلين في الجنوب القرية، يقال ان به قبر فاطمة بنت حسين.
إضافة إلى كل من خربة عربية التي تحتوي على صهاريج قديمة، وخربة أم ركبة؛ حيث يوجد عتبة باب عليا، ثم خربة المنزيل التي نحتت بها مدافن في الصخور.
الحياة في قرية بني نعيم
تشتهر قرية بني نعيم بالزراعة كونها أحد الأنشطة الاقتصادية المهمة في المنطقة، إذ تزرع فيها كل من الحبوب والخضر، وأشجار الزيتون، والعنب، والمشمش، واللوز، والتين.
وغالباً ما يتم الاعتماد في الزراعة على الأمطار فقط، إذ إنها تمطر بشكل كافٍ من أجل نمو الأعشاب الطبيعية.
كما أن القرية تشتهر بالرخام، الذي يطلق عليه اسم الحجر النعيمي، وهو الذي بنيت به العديد من المنازل والقصور في كل من فلسطين، والأردن، والعراق، كما يتم تصديره للخارج.
إذ يعتمد السكان هناك على التجارة بالمقام الأول وخصوصاً في مجال صناعة الحجر والرخام، ثم تأتي بعد ذلك تربية المواشي وصناعة منتجات الألبان الطبيعية، والزراعة.
خلال فترة الانتداب البريطاني، وخلال سنتي 1942 و1943، تأسست أول مدرسة في بني النعيم خاصة بالبنين، وكان أعلى صفوفها المستوى الرابع ابتدائي، وكانت تضم 5 معلمين فقط.
وبعد النكبة، أصبحت المدرسة تدرس إلى غاية مرحلة الإعدادية، وقد ضمت خلال الموسم الدراسي 1966/1967 ما يزيد عن 530 طالباً، زيادة عن تأسيس مؤسسة ابتدائية منفصلة خاصة بالإناث في نفس السنة.
وبعد ذلك، تم تأسيس مجموعة من المدارس والمؤسسات التعليمية في القرية، الخاصة بتدريس الإناث والذكور، على حد سواء.
وقد كان عدد سكان قرية بني نعيم سنة 1922 يعادل 1,179 نسمة، وقد ازداد عددهم بعد النكبة، وفي سنة 1961 وصلوا إلى 3.392 نسمة، فيما تجاوز عددهم 20 ألف نسمة، حسب إحصائيات سنة 2007.