حرية – (30/11/2023)
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بالفيديو الوداعي بين الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها ومقاتلي حركة “حماس”، خلال عملية تبادل الأسرى. وظهرت مايا ريجيف جربي وهي تودع أحد مقاتلي كتائب القسام وهو يوجه لها تحية ويقول لها “باي مايا”، فردت عليه بتحية قائلة “باي… شكراً” وتلقي عليه نظرة وداع ومن ثم تغادر.
وظهرت مايا وهي تعتمد على عكازين ومتجهة نحو سيارة الصليب الأحمر التي كانت تقلها خارج قطاع غزة، وتستعين بأحد مقاتلي “كتائب القسام” لتجلس داخل السيارة ثم تودعه بنظرة، وقيل إن هذه النظرات تعكس تأثرها بحسن المعاملة.
وعقب المؤتمر الصحافي الذي عقد في تل أبيب، صرحت الأسيرة بأن عناصر “حماس” كانوا “ودودين للغاية” ما أثار حفيظة مؤيدي إسرائيل. ولتبرير هذا المشهد، ادعى عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الداعمين لإسرائيل أن الأسيرة تعاني مما يعرف بـ”متلازمة استوكهولم”.
متلازمة استوكهولم؟
تجد مجموعة من علماء النفس المعاصرين أن “متلازمة استوكهولم” عبارة عن “اختراع” تمت فبركته عام 1973، بعد احتجاز رهينة في أحد البنوك وسط استوكهولم بالسويد، حين انتقدت إحدى الرهائن وهي كريستين إنمارك ردود فعل الشرطة والحكومة على خاطفيها ووصفتها بأنها خطيرة وغير منظمة.
نظرات بين الأسيرة الاسرائيلية ومقاتل حماس
وأصبحت كريستين أول شخص يُقال إنه يعاني من “متلازمة استوكهولم”، وهي تسمية جديدة وجدت خصيصاً لهذه المناسبة. ومنذ ذلك الحين، باتت “متلازمة استوكهولم” حقيقة كمفهوم يعكس ويدعم عادة البحث عن الأمراض في أذهان ضحايا العنف، وبخاصة من النساء.
ومن الغريب أن الطبيب النفسي الذي صاغ مصطلح “متلازمة استوكهولم” لم يتحدث أبداً مع كريستين إنمارك بحسب مداخلة دكتور علم النفس الاجتماعي آلان ويد في ورقة بحثية قدمها عام 2015 في مؤتمر بنيوزيلندا حول أسطورة “متلازمة استوكهولم” وغيرها من المفاهيم التي تم اختراعها لتشويه سمعة النساء ضحايا العنف.
وتدعم مجموعات نسائية ومدافعة عن حقوق النساء ومنظمات عالمية تواجه العنف ضد النساء إلى تبني وجهة نظر الدكتور ويد على اعتبار أن متلازمة استوكهولم ما هي إلا تبرير للعنف الموجه ضد النساء اللواتي يجدن أنفسهن خاضعات بالقوة تحت سلطة وتأثير جماعة من الخاطفين غالباً ما يكونون من الرجال.
وكان الدكتور ويد وهو سويدي الجنسية، أجرى مقابلات مع كريستين إنمارك ليؤكد أنها قاومت بشجاعة عنف محتجزيها وحافظت على تضامنها مع الرهائن الآخرين، وحافظت على كرامتها الإنسانية الأساسية وأعادت تأكيدها، وأدارت بعناية موقفاً شديد التقلب.
من عملية اقتحام البنك في السويد عام 1973
وقد أثبت في تحليله كيف تحولت “متلازمة استوكهولم” والأفكار ذات الصلة مثل “الترابط المؤلم” و”العجز المكتسب” و”متلازمة المرأة المعنفة” و”الاضطهاد الداخلي”، و”التماهي مع المعتدي” إلى أمراض مخترعة في أذهان الضحايا، وبخاصة من النساء.
وبرأيه أنه يمكن النظر إلى “متلازمة استوكهولم” باعتبارها أحد المفاهيم المستخدمة لإسكات الأفراد الذين يتحدثون علناً كضحايا.
تنظيم التفاعل الاجتماعي
كتبت ريبيكا أرميتاج في موقع ABC News 22 (أغسطس – 2023) أنه يتم تنظيم التفاعل الاجتماعي إلى حد كبير حول الحفاظ على الكرامة. حتى الإهانات غير المقصودة يمكن أن تقابل بردود فعل شديدة معاكسة في عملية ميكانيكية للدفاع عن النفس، تتحول هي نفسها إلى شكل من أشكال التعاطف المضمر لتأمين البقاء على قيد الحياة فتتمظهر على شكل تعاطف مع الآخر العنيف أو الذي يمارس العنف على ضحيته بقوة السلاح.
وبرأيها أن ما اتفقنا على اعتباره تماشياً مع رغبات الخاطفين تأتي من توقع مرتكبي العنف المقاومة من الضحايا ما يدفعهم إلى اتخاذ خطوات متعمدة لإخفائها وقمعها. وحتى ما يسمى بأعمال العنف “المتفجرة” أو “الخارجة عن السيطرة” تنطوي على اختيار وإجراءات متعمدة ومضبوطة.
ووفقاً لدراسة أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، تحدث حالة التعاطف مع الذي يمارس علينا العنف لدى حوالى 8 في المئة من ضحايا الرهائن فقط، لذا فإن هذه الظاهرة تعتبر نادرة جداً.
ويعود اسم المتلازمة إلى عملية سطو فاشلة على بنك في استوكهولم، السويد، في أغسطس 1973، حين احتجز أربعة موظفين في شركة Sveriges Kreditbank كرهائن في قبو البنك لمدة ستة أيام نشأت خلالها رابطة غير متناسبة ما بين الأسير والآسر. صرحت إحدى الرهائن، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه، بأنها تثق تماماً بخاطفيها لكنها تخشى أن تموت في هجوم الشرطة على المبنى.
شرطيان سويديان يقفان خارج موقع اقتحام أحد مصارف ستوكهولم قبل 50 عاما
من الأمثلة الأكثر شهرة لمتلازمة استوكهولم يتعلق بباتريشيا هيرست التي قامت بعد حوالى 10 أسابيع من احتجازها كرهينة من قبل جيش التحرير في الولايات المتحدة عام 1974 بمساعدة خاطفيها في سرقة بنك في كاليفورنيا.
ولكن خلال أزمة الرهائن في إيران بين عامي 1979 و1981 تكرست متلازمة استوكهولم في المخيلة العامة، ومن ثم أصبح الأمر أكثر وضوحاً بعد اختطاف رحلة TWA رقم 847 عام 1985، فعلى رغم خضوع الركاب لمحنة قاسية أثناء عملية خطفهم لأكثر من أسبوعين، إلا أنه عند إطلاق سراحهم كان بعضهم متعاطفاً علناً مع مطالب الخاطفين.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك الرهائن الغربيون الذين اختطفتهم جماعات إسلامية في لبنان إبان مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية وعمليات خطف الرهائن الشهيرة، ومنهم تيري أندرسون الذي اختطف بين عامي 1985و1991، وتيري وايت بين عامي 1987 و1991، وتوماس ساذرلاند بين عامي 1985و1991 والذين صرحوا بعد إطلاق سراحهم بأنهم عوملوا معاملة جيدة من قبل خاطفيهم على رغم أنهم في الواقع كانوا محتجزين في زنزانات انفرادية ومقيدين في زنازين صغيرة غير نظيفة. وقد أبدت ردود فعل مماثلة من قبل الرهائن المحتجزين في السفارة اليابانية في بيرو في الفترة 1996-1997.
تهديد حياة الأسير
في المقابل، يعتقد علماء النفس الذين درسوا هذه المتلازمة أن الرابطة تنشأ في البداية عندما يهدد الآسر حياة الأسير، ويتعمد ذلك، ومن ثم يختار عدم قتله. يتحوّل ارتياح الأسير بعد إزالة التهديد بالقتل إلى مشاعر الامتنان تجاه الآسر لأنه منحه حياته. وكما أثبتت حادثة السطو على بنك استوكهولم، فإن الأمر لا يستغرق سوى بضعة أيام حتى يتم ترسيخ هذه الرابطة، مما يثبت أن رغبة الضحية في البقاء على قيد الحياة، في وقت مبكر، تتفوق على الرغبة في كراهية الشخص الذي خلق الموقف.
غريزة البقاء هي جوهر متلازمة استوكهولم. يعيش الضحايا في حالة من التبعية القسرية ويفسرون أفعال اللطف النادرة أو الصغيرة في خضم الظروف الرهيبة على أنها معاملة جيدة. غالباً ما يصبحون شديدي اليقظة تجاه حاجات ومطالب آسريهم، مما يخلق روابط نفسية بين سعادة الخاطفين وسعادة أنفسهم.
في الواقع، لا تتميز المتلازمة فقط بالرابطة الإيجابية بين الأسير والآسر، ولكن أيضاً بالموقف السلبي نيابة عن الأسير تجاه السلطات التي تهدد العلاقة بين الأسير والآسر. ويكون الموقف السلبي قوياً بشكل خاص عندما لا تكون الرهينة ذات فائدة للخاطفين إلا كوسيلة ضغط ضد طرف ثالث، كما كانت الحال في كثير من الأحيان مع الرهائن السياسيين.
بحلول القرن الحادي والعشرين، وسع علماء النفس فهمهم لمتلازمة استوكهولم من الرهائن إلى مجموعات أخرى، بما في ذلك ضحايا العنف المنزلي، وأعضاء الطوائف الدينية أو العقائدية السرية الذين يسيرون على هوى قائدهم حتى حين يطلب منهم الانتحار في جماعات.
وعلى رغم البحوث الكثيرة على هذه المتلازمة إلا أن الجمعية الأميركية للطب النفسي لا تدرج متلازمة استوكهولم في دليلها التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM).