حرية – (2/12/2023)
انطلقت اليوم السبت في تونس الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية في ظلّ مقاطعة حزبية ولامبالاة شعبية، وتنتهي يوم 23 من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، على أن يجري الاقتراع وفق ما حدّده المرسوم الرئاسي يوم 24 كانون الأول، فيما ستعلن نتائجها يوم 27 منه.
وهذه أوّل انتخابات من نوعها تعرفها تونس وستمهد لتشكيل المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وهو الغرفة التشريعية الثانية بعد البرلمان وفق ما نص عليه دستور 2022.
ومنذ إجراءات يوليو (تموز) 2021 التي بموجبها حلّ مجلس النواب السابق، أعلن الرئيس قيس سعيّد مساراً سياسياً جديداً في البلاد تعتبر الانتخابات المحلية من آخر لبناته.
7205 مرشحين
وتقدم لهذه الانتخابات أكثر من 7205 مرشحين وفق أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وقال رئيس الهيئة فاروق بو عسكر في مؤتمر صحافي إن 6 آلاف و177 مرشحاً سيخوضون الانتخابات مباشرة، فيما سيخوضها 1028 مرشحاً من ذوي الإعاقة القرعة في ما بينهم ليفوز واحد منهم بمقعد في كل مجلس محلي.
وأضاف أن “22.1 في المئة من المرشحين هم من الشباب دون 35 سنة و13.3 في المئة من النساء”.
وأكد أن “الناخبين المعنيين بخوض هذه الانتخابات، هم 9 ملايين و79 ألفاً و271 ناخباً داخل تونس”.
ولا تشمل هذه الانتخابات التونسيين المقيمين في الخارج، وستجرى في 4 آلاف و685 مركز اقتراع.
وأكد بوعسكر أن الانتخابات ستجرى في كامل المجالس المحلية وعددها 279.
مقاطعة حزبيّة
وتقاطع أغلب الأحزاب الانتخابات المحلية، وتقول المعارضة إنها لا تعترف بالمسار السياسي لما بعد أحداث يوليو 2021 متهمة الرئيس سعيّد بالانفراد بالحكم.
ودعت “تنسيقية الأحزاب الديموقراطية والتقدمية” إلى مقاطعة الانتخابات، وأكدت التنسيقية التي تتكون من أحزاب “التيار الديموقراطي”، و”التكتل من أجل العمل والحريات” و”القطب” و”العمال” أن المقاطعة ستكون من أجل “تعبيد الطريق نحو إقامة نظام ديموقراطي واجتماعي”، يحقق فيه التونسيون مطالبهم وطموحاتهم المشروعة في الشغل، “والحرية والكرامة الوطنية”.
وهذا ليس أوّل استحقاق انتخابي تغيب عنه الأحزاب المعارضة في العامين الأخيرين، فقد سبق لها أن قاطعت الاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات التشريعية في عام 2022.
ووحدها بضعة أحزاب موالية للرئيس سعيّد أو لـ”مسار ما بعد 25 تموز”، كما تفضل أن تقدم نفسها، ستكون حاضرة في هذا الاستحقاق الانتخابي الجديد.
ومن بين هذه الأحزاب حزب “التيار الشعبي” (قومي) الذي سبق له أن دعا منذ الإعلان عن تنظيم الانتخابات أنصاره إلى “العمل على إنجاز الاستحقاق الانتخابي المنتظر ترشيحاً وانتخاباً وفق ما ينص عليه القانون”.
وذكر الحزب المساند لسعيّد في بيان، أن “هذه الدعوة تأتي دعماً لكل نفَس وطني وفي إطار رؤية الحزب الاستراتيجية لإعادة بناء الحركة الوطنية”.
ويقول المساندون لسعيّد إن هذه الانتخابات ستكون خطوة في الطريق الصحيح لاستكمال خريطة الطريق التي بدأها الرئيس.
الرئيس سعيّد مجتمعاً مع رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بو عسكر.
ويواجه سعيّد معارضة قوية تتوسع يوماً بعد يوم لكنه متمسك رغم ذلك بتنفيذ المسار السياسي الجديد الذي رسمه، ويقول إنه يريد إعادة السلطة والحكم إلى الشعب، لافتاً إلى أن هذه المجالس تأتي في إطار سياسة القرب من المواطنين.
وتدور الانتخابات المحلية على مستوى العمادات، وهي أصغر منطقة بحسب التسلسل الإداري في تونس، وتنتخب ممثلاً واحداً عنها، ثم يتم اختيار المجلس الجهوي (على مستوى المحافظة) عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي.
لامبالاة في الشارع
ولا يبدي الشارع التونسي اهتماماً بهذا الاستحقاق الانتخابي، وباتت مشاغله اليومية وفي مقدمها غلاء المعيشة وشحّ المواد الغذائية في مقدمة أولوياته بعد أكثر من 13 سنة على تنظيم أوّل انتخابات في البلد إثر سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وتغيب عن الشارع أي مظاهر تؤكد أن البلد مقدم على إجراء انتخابات، فيما تقول الجمعيات المختصة بالشأن الانتخابي إن التونسي غير ملمّ بتفاصيل هذه الانتخابات الأولى من نوعها.
ويقول المدير التنفيذي لمرصد “شاهد” المتخصص في مراقبة الانتخابات ناصر الهرابي إنّ الانتخابات المحلية ستكون باهتةً، متوقعاً في تصريح إلى “النهار العربي” تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة.
ولم تتجاوز نسبة الإقبال في الانتخابات التشريعية الماضية 12 في المئة، وهي أضعف نسبة مشاركة في الانتخابات في تاريخ تونس. في المقابل، لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور في تموز العام الماضي 28 في المئة.
ويقول المحلل السياسي هشام الحاجي لـ”النهار العربي” إن المواطن التونسي الذي يعاني ثقل المشاغل اليومية فقد حماسته للشأن العام، مؤكداً أن “عزوفه عن المشاركة في كل الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة غير مرتبط بموقف من طرف معين من الفاعلين السياسيين في البلد بقدر ما هو مرتبط بواقعه اليومي”.
وتعيش تونس منذ سنوات على وقع أزمة اقتصادية خانقة، ويتذمر التونسيون من غلاء المعيشة ونقص كبير في المواد الأساسية، فيما تواصل الحكومة خوض مفاوضات شاقّة مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.
ويقول الهرابي إنّ هذه الانتخابات ستتأثر بغياب التمويل العمومي وغموض النص التشريعي ونظام الاقتراع القائم على الاقتراع على الأفراد لا القائمات الحزبية.
ومنذ الانتخابات التشريعية الأخيرة تخلّت تونس للمرة الأولى في تاريخها عن نظام الاقتراع على القائمات الحزبية واستبدلت به نظام التصويت على الأفراد.
وفي السياق قال الممثل القانوني لشبكة “مراقبون” المختصة بمراقبة الانتخابات يوسف عبيد: “إننا نسير نحو انتخابات لا نعرف فيها صلاحيات المجالس الجهوية والمهام المناطة بها”.
وتحدث عبيد لـ”النهار العربي” عن هنات كثيرة متعلقة بالمسار الانتخابي لهذه الانتخابات، من بينها تمديد فترة الترشح وعدد التزكيات، متوقعاً أن تؤثر كل هذه العوامل على أجوائها العامة.