حرية – (23/12/2023)
في الوقت الذي استهدفت فيه قوات الاحتلال الاسرائيلي العديد من المواقع التاريخية والأثرية في قطاع غزة، خلال الحرب التي تشنها منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقد تم إدراج واحد من بين هذه المواقع، وهو دير سانت هيلاريون، التي تعرضت للخراب الجزئي، في لائحة اليونسكو للحماية المعززة.
وقد جاء هذا القرار بعد اجتماع خاص باتفاقية لاهاي، التي تركز على حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح والاحتلال، من أجل منع أي نوع من التلف أو الدمار أو الاختلاس.
وقد تم توقيع هذه الاتفاقية سنة 1954، من أجل وقف تدمير المعالم التاريخية، بعد الخراب الذي تسببت فيه الحرب العالمية الثانية، فيما أصبحت فلسطين عضواً في منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة ابتداء من سنة 2011.
تاريخ دير سانت هيلاريون
يقع دير سانت هيلاريون الأثري البيزنطي، الذي يعرف كذلك باسم تل أم عامر، في وسط قطاع غزة في المنطقة التي تسمى خربة أم التوت، وتبلغ مساحة الأرض التي بُني فيها 25 دونم، أي ما يقارب 20 ألف متر مربع.
ويوجد هذا الدير فوق تل مرتفع عن الرمال، فيما يبعد عن مدينة غزة بمسافة 15 كيلومتراً من جهة الجنوب الغربي، وعلى بُعد ثلاثة كيلومترات غربي مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع.
ويعتبر دير سانت هيلاريون الموقع الأثري الوحيد في قطاع غزة الذي يعود تاريخ بنائه إلى ما قبل 17 قرناً من الزمن، أي إنه شيّد في القرن الرابع ميلادي.
وتعود قصته إلى راهب فلسطيني يدعى هيلاريون، كان قد عاش في غزة، ويعتبر أول من أسس جمعية للرهبان هناك، لكنه هرب إلى قبرص؛ حيث مات هناك، بعد أن هرب من الإمبراطور الروماني جوليان الذي ارتد عن المسيحية وبدأ باضطهاد الرهبان وتلامذتهم.
تفاصيل عن اكتشاف الدير
تم اكتشاف دير سانت هيلاريون من طرف الاحتلال الإسرائيلي سنة 1993، وكان يتم استغلاله من طرفهم ليكون قاعدة عسكرية لهم.
لكن مع تأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1994، تم استرجاع الدير، والعمل على البحث في هذا الموقع الأثري في غزة، رفقة خبراء من فرنسا، من أجل البحث في أصول هذا المكان، والحقبة التاريخية التي يعود لها.
وقد تم إيجاد بقايا تابوت القديس هيلاريون هناك، إضافة إلى وحوض تعميد ولوحات فسيفسائية، في الوقت الذي تمت فيه سرقة العديد من الآثار من الموقع من طرف الاحتلال، التي تم عرضها في متحف “بروك لوفير” المتواجد في تل أبيب.
كما أنها عادت ونهبت العديد من الآثار الأخرى، قبل سنة 2005، خلال فترة سيطرتها على قطاع غزة، ووضعها في متاحفها الخاصة.
تقسيمات دير سانت هيلاريون
يتضمن دير سانت هيلاريون البيزنطي، الذي لم يتبقّ فيه إلا القليل من آثاره، ردهة وحمامات و4 كنائس متراكبة، ومكان للدفن وقاعات للعمّاد والطعام، ونافورة.
إضافة إلى مرافق صحية متعددة، وصهريج مياه، وأرضيات فخمة مصنوعة من من الحجر الكلسي والفسيفساء الملونة والمزينة بالرسوم والنقوش المختلفة والبلاط الرخامي.
كما توفر هذا الدير الذي يعتبر الأقدم في كل غزة، على غرفة تحت الأرض، والمصلى وغرف خاصة الرهبان والساقية.
وقد تبقى من هذا الدير اليوم أعمدة أسطوانية من البازلت، وبقايا كنيسة ولوحات فنية مبنية من الفوسفات، وبقايا توابيت وبركة تعميد، وبركة أسماك مهجورة.
كم تم إيجاد كذلك بقايا غرف فندقيّة كان تستقبل التجار الذين يمرون من غزة من مختلف الجنسيات، إضافة إلى معالم تقاسيم الدير، الذي كان يشمل منطقة خاصة بالعبادات، وأخرى للحمامات، ثم تلك التي تخص قسم الضيافة.
مواقع أثرية أخرى في غزة دمرها الاحتلال
يُشار إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب في تدمير العديد من المواقع التراثية والثقافية والمدارس والجامعات، التي لم تسلم من دورها من الحرب.
إذ أكدت الخارجية الفلسطينية، في بيان لها، ضرورة حماية الممتلكات الثقافية وتراث وحضارة الشعوب من أخطار الحروب، مع منع الاحتلال من العدوان عليها بأي شكل من الأشكال.
وذلك لأن استهداف الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة يعد انتهاكاً لأحكام البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي ويعد جريمة حرب يجب المحاسبة عليها.
ومن بين هذه المواقع الأثرية التي تم استهدافها، والتي وصل عددها إلى 100 موقع، نجد كلاً من المسجد العمري الكبير، والمقبرة الرومانية، ومتحف رفح، ومسجد السيد هاشم، ودار السقا، وقصر الباشا، ومقبرة دير البلح، ومقام الخضر، والكنيسة البيزنطية، والمدرسة الكاملية.
في تصريح لرئيس مجموعة “التراث من أجل السلام”، إسبر صابرين، أعرب عن قلقه البالغ إزاء تهديد فقدان التراث الثقافي في قطاع غزة؛ حيث قال: “إذا اختفى هذا التراث في غزة، فسيكون ذلك خسارة كبيرة لهوية الناس في غزة”.
وأشار صابرين إلى أن المجموعة تعتزم مواصلة أعمال المسح ورصد حالة المعالم الثقافية في المنطقة خلال الأشهر المقبلة، سواء على الأرض، بالتعاون مع السكان المحليين، أم باستخدام صور الأقمار الاصطناعية.