حرية – (28/12/2023)
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة “السحر والشعوذة الإلكترونية” في العراق، جرّاء تفاقم المشاكل الاجتماعية الناجمة عن التدهور الاقتصادي وتراجع الوعي لدى الفرد والشعور باليأس والإحباط، حيث يتم الترويج عبر الشبكات الاجتماعية للسحر والشعوذة والدجل تحت غطاء “المعالجين الروحانيين”.
وأكثر ما تنتشر ظاهرة الشعوذة أو السحر الإلكتروني على “فيسبوك”، حيث إن هذا الموقع يجمع شريحة كبيرة من المجتمع مما يساعد “الروحانيين” على استغلال أو احتيال أكبر عدد من الناس، وأكثر ما تقع ضحاياهم من النساء.
ويهتم أغلب هؤلاء “الروحانيين” اهتماماً أساسياً بالعلاقات الزوجية وعلاقات الحبيبين، حيث يستغلون المسائل أو الأمنيات التي ترغب بها كل فتاة، وتتمنى أن تكون حياتها بها سعيدة، وجلبها لناحيتهم، بعبارات هل لديك مشاكل مع زوجك؟ أو تودين استعادة حبيبك أو يتزوجك، وغيرها من الإعلانات التي يشترك بها جميع البشر، وما عليك سوى الاتصال على الرقم وتوجد خدمة “واتسآب” و”فايبر” أيضاً.
وأكثر من يلجأ إلى أعمال السحر والعرافين والمشعوذين هم النساء كونهن الحلقة الأضعف داخل المجتمعات في بلدان مثل العراق تعاني أزمات الحروب والاقتتال، وتردي الواقع المعيشي والاقتصادي وتفشي البطالة والفساد، وعدم الاهتمام بتنمية الفرد.
ويقصد الكثير من النساء هؤلاء لأغراض مختلفة أهمها العلاج أو فك السحر وقراءة الطالع، كما هو الحال مع مواطنة من بغداد رفضت الكشف عن اسمها التي كنت تعاني من مشاكل عائلية مع زوجها وصلت إلى حد الانفصال.
قصة احتيال من “روحانية”
تقول المواطنة “بعد الانفصال عن زوجي طرحت ما حصل لي في إحدى الكروبات الخاصة بالبنات وعلّقت إحداهن بأنها تعرف (علوية روحانية) تخدم النساء فقط، وبإمكانها حلّ الخلافات الزوجية وفتح نصيب العانس للزواج ولا يصعب عليها شيء، وتستطيع ارجاعك إلى زوجك بأقل من أسبوع”.
وتضيف المواطنة، “تحدثت مع البنت على الخاص واعطتني رقم هاتف الروحانية وقالت إنها تدعى العلوية أم أحمد، واتصلت بعدها بهذه الروحانية لغرض مساعدتي في إرجاع زوجي، لكنها طلبت تحويل رصيد فئة 10 آلاف دينار في البداية لطرح مشكلتي لها فقط”.
وتتابع، “وبعد تحويل الرصيد وشرح وضعي، قالت الروحانية إن حل مشكلتك تتطلب مبلغ 500 دولار وعلى دفعتين، الدفعة الأولى (المقدمة) 300 دولار، وبينت الروحانية بأن العمل يتم تصويره لضمان المصداقية، كما أرسلت لي محادثات لأعمال سابقة مع فتيات أخريات وإنها استطاعت إرجاعهن إلى أزواجهن فضلاً عن فك القسمة، وإنها محط ثقة ورضا الزبائن، لذلك قررت إرسال المبلغ لها”.
وتكمل المواطنة، أن “الروحانية تعهدت بحل مشكلتي خلال أيام، لكن انقضت أسابيع ولم يحدث أي تغيير، وحاولت التواصل معها مرارات عديدة بلا رد، وأخيراً تفاجأت بحظرها رقمي وحسابي، وأيقنت حينها بأني تعرضت للاحتيال من هذه الروحانية التي استغلت ظرفي لكسب المال فقط”.
أسباب نمو هذه الظاهرة
قال قاضي محكمة تحقيق مدينة الصدر، حارث عبد الجليل، في تصريح سابق ,”من خلال عملنا في محاكم التحقيق لمختلف مناطق بغداد فقد وجدنا هذه الظاهرة تنمو في الأحياء الراقية والأحياء الشعبية على حد سواء مع الفارق من حيث انتشارها، فهي تنتشر في الأحياء الشعبية أكثر منها في الأحياء الراقية وأغلب الدجالين من الرجال يتخذ مسمى الروحاني”.
وزاد، أن “أسباباً ثقافية وراء انتشارها وهي قلة الوعي ومنها أسباب مادية تدفع الجاني لامتهان مهنة السحر والشعوذة والدجل، فضلاً عن أسباب معنوية تتمثل في الحاجات والأمنيات الشخصية للضحية”.
وحمّل القاضي العراقي أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية انتشار ظاهرة السحر والشعوذة “حيث أصبح من السهل على الدجالين عرض خدماتهم للناس عن طريق صفحات وحسابات على هذه المواقع، والتي تكون غالبيتها بأسماء وهمية، وكذلك أصبح من السهل على الضحية الوصول إليهم بل وصل الأمر إلى إطلاق قنوات فضائية متخصصة بهذا المجال عن طريق أرقام هواتف والتي تعد هي الخطوة الأولى لاستدراج الضحية”.
أسلوب “الدجالين”
وأشار إلى أن “الأسلوب الدارج لدى هؤلاء الدجالين هو الاتفاق على مبلغ معين مقابل حصول الضحية على مرادها، وعادة ما يكون دفع المبلغ على دفعتين؛ الأولى عند الاتفاق، والثانية بعد إنجاز العمل وحصول المراد، وفي حال لم تحصل الضحية على مرادها تكون الدفعة الأولى غير قابلة للرد بحجة أنها كانت تكاليف لشراء مواد لإنجاز العمل، وبالتالي، فإن الضحية لا تستطيع المطالبة بالمبلغ المدفوع مقدماً بسبب الاتفاق على عدم إرجاعه أو بسبب خوفها من علم ذويها”.
ولفت إلى أن في الآونة الأخيرة “لوحظ تطور هذه الظاهرة بواسطة طريقة ابتزاز الضحية مادياً، والتي تصل جسدياً من خلال مقاطع فيديو تصور للضحية بأي شكل من الأشكال أو صور كانت الضحية قد أرسلتها للجاني بحجة حاجته لها لإكمال أعمال السحر والشعوذة، ففي هذه الحالة يقوم الجاني بالمطالبة بمبالغ نقدية أو استغلال الضحية جسدياً مقابل عدم نشر الصور أو المقاطع على شبكة الإنترنت”.
ووفق القاضي العراقي، فإن “دوافع الناس للجوء إلى مثل هؤلاء الدجالين هي على الغالب مسائل شخصية كأن تكون الضحية فتاة وتأخرت بالزواج أو مطلقة وترغب بالعودة إلى طليقها أو قد يكون الضحية شاباً أو رجلاً ويرغب بالحصول على عمل أو يعتقد أن بإمكان هؤلاء الدجالين ولديهم القدرة، على جعل الضحية مقبولاً لدى الجميع وكلامه مسموعاً أو يطلب زيادة في رزقه وغير ذلك من الأمور”.
القضاء: اعداد الزبائن بازدياد
من جهته، بيّن قاضي محكمة تحقيق الرصافة، أحمد مكي، أن “أعداد زبائن هؤلاء السحرة والمشعوذين في الازدياد”، لافتاً إلى أن “الفئة الأكبر من مرتادي أماكن هؤلاء من النساء، فتارة ترغب المرأة في تحسين صورتها بعين زوجها وإبعاده عن العلاقات الخارجية، وتارة أخرى تعتقد المرأة بأنها واقعة تحت تأثير عمل السحر الذي تسبب في حدوث المشاكل بينها وبين زوجها، وأحياناً تظن أنها لن تحصل على الزوج المناسب إلا بواسطة السحر أو أنها تحت تأثير عمل السحر، مما تسبب في عدم زواجها، وهنا يأتي دور السحرة والمشعوذين في استغلال ما تصبو إليه النساء وإقناعهن بأنهن لن يصلن إلى أهدافهن إلا بهذه الأعمال”.
وذكر، أن متهمين اثنين يعملان في الدفاع المدني قاما بإنشاء صفحة على موقع “فيسبوك”، ادعيا بأنهما يعملان بالسحر ولديهما القدرة على حل المشاكل الزوجية وفك الأعمال، مضيفاً: “تواردت العديد من الطلبات على تلك الصفحة من قبل الأشخاص وكان جميعهم من النساء، وكانت أغلب الطلبات تتعلق بالقيام بأعمال لحل المشاكل الزوجية”.
الداخلية بالمرصاد
بدورها، تعلن وزارة الداخلية العراقية بين الحين والآخر القبض على أشخاص بتهمة ممارسة السحر والشعوذة في عموم أنحاء البلاد، وتضبط بحوزتهم مواد مثل طلاسم ومواد أولية تستخدم في عملية السحر والشعوذة وخرز محابس وكتب روحانية وغيرها.
وفي هذا السياق، يؤكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد الموسوي، أن “هناك مراقبة لجميع الصفحات التي تستغل النساء بحجة السحر والشعوذة، حيث يتم تحديدها والقبض على أصحابها والتعامل معهم وفق القانون”.
ويضيف الموسوي أنه “تم التوصل إلى الكثير من هؤلاء من خلال المشتكين والشرطة المجتمعية ومكافحة الإجرام”.
وكانت وزارة الداخلية العراقية أعلنت عام 2017 عن قرار يقضي بإغلاق مكاتب السحر والشعوذة المنتشرة في بغداد وباقي محافظات العراق، ومعاقبة المخالفين.
نصب واحتيال
وعن العقوبة القانونية لهذه الظاهرة، يقول الخبير القانوني، علي التميمي، إن “الفقر يدفع إلى الجرائم، وشيوع ظاهرة قراءة الكف والفنجان وفك السحر ورد المطلقة ورد المسروقات وتفسير الأحلام أمور لا تتناسب مع عام 2024 والكثير يصدق ذلك، في حين إن الله يقول (لا يفلح الساحر حيث أتى) وأيضاً (لا يعلم الغيب إلا الله)، كذلك كثرة الممارسين لذلك وكأنهم أطباء في علم النفس”.
ويوضح التميمي في حديث له ، أن “هذه الأعمال هي نصب واحتيال يعاقب عليها قانون العقوبات في المادة 456 منه، وقد استشرت بشكل عجيب وكأننا نعود إلى سنوات عفا عليها الزمن، والأغرب أن أحدهم يبيع حصى ويقول تجلب الرزق وهو يفترش الطريق حافي القدمين والمصيبة تهافت الناس عليه”.
وفي السياق ذاته، تشير المحامية ابتسام الشمري، إلى أن “المادة 456 من قانون العقوبات تسري على جميع أنواع الاحتيال بما فيها الشعوذة”.
وتضيف الشمري ، أن “المادة 456 تنص: يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر وذلك بإحدى الوسائل الآتية: أ- باستعمال طرق احتيالية. ب- باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خدع المجنى عليه وحمله على التسليم”.
وتتابع، “ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على تسليم أو نقل حيازة سند موجد لدين أو تصرف في مال أو إبراء أو على أي سند آخر يمكن استعماله لاثبات حقوق الملكية أو أي حق عيني آخر، أو توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على توقيع مثل هذا السند أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله”.