حرية – (2/1/2024)
خلال فترة الانتداب البريطاني الممهدة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين انتشرت كذبة صدقها معظم المؤيدين للاحتلال أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب والتي تلتها العديد من الأكاذيب الأخرى التي انتشرت على لسان الإسرائيليين، بأن هذه الأرض هي أرض الميعاد ومكان إعادة بناء هيكل سليمان وغيرها من الادعاءات.
إلا أن الحقيقة موثقة في العديد من الكتب التاريخية من بينها فلسطين الشهيدة بالإضافة إلى ترسخها في عقول الفلسطينيين والعرب والرحالة القدماء الذين زاروا فلسطين قبل وجود الانتداب البريطاني بمئات السنين، الشيء الذي يؤكد الجهود المبذولة من أجل طمس الحقائق من قبل الاحتلال ووسائل الإعلام التابعة له .
يعتبر كتاب فلسطين الشهيدة من الكتب النادرة وغير متوفر على نطاق واسع، وتكمن أهميته في كونه يمثل وثيقة مهمة ومقاومة بالصورة والمعلومة. يرتبط هذا الكتاب بتاريخ المقاومة ويوثق الجرائم بدقة، مما يجعله وثيقة حية لا مجرد كتاب تاريخي مصور.
يمكن استخدام فلسطين الشهيدة كأرشيف لتعزيز مفهوم المقاومة، كما يشجع على توثيق التاريخ وتسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبتها الإمبراطورية الأوروبية الحديثة.بالإضافة إلى ذلك، يوثق الكتاب المعاناة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، كما يجب الاهتمام به ونشره باستخدام كل الوسائل الحديثة لتعزيز فكرة المقاومة وإعادة إحياء التاريخ.
ما هو سجل فلسطين الشهيدة؟
يعتبر كتاب فلسطين الشهيدة سجلاً مصوراً للفظائع التي قام بها الانتداب البريطاني واليهود ما بين سني 1921 و1938 وخاصة جرائم الاحتلال الإنجليزي في فلسطين، وذلك استعداداً لتأسيس وطن قومي لليهود وفقاً لوعد بلفور.
يبدأ الكتاب بتسجيل الأحداث المروعة لثورة عام 1921 في مدينة يافا ومناطقها، التي امتدت إلى طولكرم، حيث ارتكب الإنجليز واليهود جرائم بشعة ضد الشعب الفلسطيني، يتابع الكتاب وثائق “ثورة البراق عام 1929″، التي انتشرت في جميع أنحاء فلسطين بسبب اعتداء اليهود على حائط البراق والمسجد الأقصى، وأسفرت عن مئات الضحايا.
يسلط الضوء على تعليق الإنجليز لعوادم المشانق التي استشهدت بها الشخصيات الوطنية مثل فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم. كما يوثق الكتاب أيضاً “ثورة المظاهرات عام 1933″، متقدماً في التاريخ إلى الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت في 19 أبريل/نيسان 1936 واستمرت حتى عام 1939.
لا يقتصر كتاب فلسطين الشهيدة على ذلك فقط، بل يقدم أيضاً صوراً ووثائق لأحداث هذه الفترة، ويكشف عن جرائم الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية إلى غاية نوفمبر/تشرين الثاني 1938.
من خلال هذا السجل يظهر مؤلف الكتاب استخدام منهجية علمية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين في بدايات القرن الماضي. يعكس هذا السجل طريقة توثيق الجرائم التي كانت تستخدمها التقارير الحقوقية الدولية في وقت مبكر، قبل تطوير المنظمات والمنهجيات الحقوقية الحالية.
يبرز كتاب “فلسطين الشهيدة” أهمية منهجيته، حيث يعتمد على التوثيق بالصور وتحديد التواريخ الدقيقة للأحداث، مقاوماً بذلك للأكاذيب الصهيونية التي تدعي أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب.
الكتاب والأحداث المتكررة
في كتاب فلسطين الشهيدة، تتكرر الدهشة أمام تكرار الأحداث التاريخية، حيث يبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه بأشكال جديدة لنفس الفعل. يظهر السجل تكرار جرائم قتل الأطفال والمدنيين، وقصف البيوت، ونسف القرى والمناطق السكنية بأكملها، وتهجير الشعب الفلسطيني قسراً من بيوته ومدنه، وبحث الفلسطينيين عن بقايا أثاث بين ركام منازلهم المدمرة.
وهو نفس السيناريو الذي نشهده في قطاع غزة منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والمستمر إلى اليوم والذي تسبب في استشهاد العديد من الأطفال والنساء، ما وصفته العديد من المنظمات العالمية بالإبادة الجماعية للفلسطينيين داخل القطاع.
كما يؤكد عميد كلية الآداب في جامعة فيلادلفيا الأردنية، الدكتور محمد عبيد الله، على أن الكتاب يعرض مقاومة أصيلة وتاريخية، ويعكس إرادة الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقه في الحياة والوجود. كما أنه يوثق الجرائم بالصورة والصوت، وهو أمر ضروري لعدم فلتان الجانيين من جرائمهم.
كما يشدد عميد كلية الآداب على أهمية استخدام هذه الوثائق لمقاضاة مرتكبي الجرائم والاستناد إليها في محاسبة الاستعمار البريطاني نفسه، يحتويها كتاب فلسطين الشهيدة على فترة تاريخية معينة، كما يوفر صوراً تبرز واقع المخطط الصهيوني الإجرامي في فلسطين.
وعن الكتاب قال الشاعر جميل أبو صبيح إن الكتاب يقدم دليلاً قوياً على حقيقة الحياة اليومية في فلسطين قبل النكبة، معبراً عن أهمية توثيق هذه الوقائع لمواجهة الدعاية الصهيونية.
حسب الكتاب فالصهيونية هي وريثة الاستعمار الغربي، وتتجاوزه في أسلوبها الدموي وتدميرها. إذ زنها تسعى لمسح وجود الإنسان الفلسطيني والعربي بأكمله، وتؤمن بحرب وجودية لتحقيق أهدافها، كما أن فشل “محاولات السلام” يعود إلى أساسيات الصهيونية ورغبتها في إلغاء وجود الشعب الفلسطيني، إذ إن الصراع الحالي يعتبر حرباً وجودية لا تقتصر على تفاصيل معينة.