حرية – (3/1/2024)
من المؤكد أن شخصية الشرير “مجنيفيكو” في فيلم “Wish” الذي عرضته “ديزني” أخيراً، ما هي إلا شخصية اجتماعية (رجل أعمال) أكثر من كونها شخصية سياسية (ملك شرير)، لذلك لا تتمركز حولها الأحداث، بمعنى أنها تتمدد لتشمل شخصيات كثيرة من المجتمع، بل إن “Wish” من خلال شخصية “مجنيفيكو” حمل رسالة ضمنية حول تحول مجتمعات كاملة إلى مجتمعات شريرة، على رغم تمتعها بمظهر خارجي أنيق، إذ تعد صفة عدم القدرة على تحقيق أمنيات الأطفال في أي مجتمع قديماً وحديثاً مقياساً للشر، بمعنى أنها أهم وأبرز صفة من صفات المجتمعات الشريرة الحديثة.
وترجع “ديزني” التي أصدرت “Wish” لمناسبة مئويتها الأولى هذه الحال إلى فكرة هيمنة الشركة على الواقع، وغياب دور الوالد والعائلة بوصفهما حارسين أمينين لأمنيات الأطفال، في مقابل أطماع أشرار من نوع خاص مثل الدجال “مجنيفيكو”، الذي يؤدي في الفيلم دور الشرير الذي لا يستحق الموت أو شخصية الوغد المحبوب.
ولا تبدو شخصية “مجنيفيكو” في فيلم “Wish” (2023) شريرة بما يكفي، إذ سمحت الإمكانات الفنية الحديثة والموازنة الإنتاجية الضخمة للعمل (200 مليون دولار) بتوزيع حمولة الشر على أكثر من شخصية رئيسة في مجتمع “روزا”. والسبب في تجلي هذه الفكرة هو حدوث تغيرات كبيرة في المجتمع الحديث.
لكن أهم تحول وثق له الفيلم من خلال الحبكة غير التقليدية، تمثل في فكرة انقلاب مفهوم الأمنيات، بوصفه مفهوماً عاماً مركزياً يقيس سلامة المجتمع وصلاحيته للحياة. فعالم الأمنيات في “Wish” خرج من إطار الطفولة التي تتمركز أمنياتها الوردية حول الفضيلة، ودخل في إطار آخر هو إطار أنانية الكبار وسعيهم إلى تحقيق أمنياتهم التي تحمل قدراً من الضغينة للآخرين، مما يبشر بمستقبل قاتم ينتظر تلك المدينة.
مجتمع “روزا” الفاضل
لا يقتصر عالم الأمنيات على الأطفال الحالمين، فكل إنسان مهما بلغ من العمر قادر على طلب أمنية في عيد مولده، كما هي الحال مع جد “آشا” (بطلة الفيلم) الذي بلغ 100 عام، لكن الفارق بين أمنيات الكبار وأمنيات الأطفال كبير. فالأخيرة وردية ولا تحمل قدراً من الضغينة للآخرين. وإذا غاب الوالد/ الأب الذي يحقق أمنيات الأطفال العاجزين عن العمل في زمن الشركة/ زمن “مجنيفيكو”، فإن من الضروري أن تتحقق أمنيات الكبار/ الشريرة فقط، فيما الزمن الطبيعي السليم الذي يصلح للحياة هو زمن تتحقق فيه الأمنيات البريئة للأطفال وليس الأمنيات الشريرة للكبار. والصواب أن يعمل الكبار لتحقيق أمنيات الصغار وليس لتحقيق أمنياتهم الشخصية، وبهذا يكون تحقيق الأمنيات الجيدة مقياساً لمجتمع فاضل/ وردي، فيما تحقق الأمنيات السيئة مقياساً لمجتمع أناني تضاعفت فيه أعداد الأشرار.
الأطفال مجازاً هم مخلوقات حالمة وغير منتجة مثل الحيوانات الأليفة
“Wish” هو أول عمل مباشر لـ”ديزني” يروي تاريخ الشركة بعد وفاة الأخوين [والت توفي 1966، وروي 1971]، ويؤسس الفيلم لموقف أخلاقي جديد مفاده أن الجد “ديزني” سيظل إرثه متمثلاً في تحقيق أمنيات الأطفال بطريقته الساحرة والخيالية على رغم ظهور موقف علمي ومعرفي جديد داخل العمل. وتمثل هذا الموقف في أن العلم والعمل سيحققان الأحلام للأطفال، بخاصة في زمن الشركة وتفكك الأسرة.
فالطائرة الورقية التي سلمتها “الملكة” لروبرت بعد حبس “مجنيفيكو” ما هي إلا تبشير وإقرار بولادة الآلة ودخول الإنسان زمن الذكاء الاصطناعي. لأن روبرت يريد أن يحقق أمنية حبيبته التي تمنت التمكن من الطيران والتحليق مثل الطيور، فيما الملكة تستخدم عبارة “آلة طائرة” تحديداً، أثناء تسليم أمنية الفتاة الحالمة لحبيبها. وهنا تصبح مفارقة “Wish” الأساسية كامنة في حقيقة أن الأطفال هم الخاصرة الضعيفة في العائلة لأنهم لا يعملون مثل الكبار، وهم في حاجة إلى من يقوم بتحقيق أمنياتهم الخيالية/ الصعبة في الوقت ذاته، وفي زمن الشركة/ “مجنيفيكو” الأنانية تتعرض أمنيات الأطفال للنهب على يد الكبار.
العنزة “فالنتينو” الأليفة
في “Wish” الأطفال مجازاً هم مخلوقات حالمة وغير منتجة مثل الحيوانات الأليفة كشخصية العنزة “فالنتينو”. وفي 2010 أعلن بعض رموز “ديزني” عن نهاية شخصية الأميرة في عالم بطلات “ديزني”، ويأتي ذلك بين زمنين رئيسين هما زمن “بينيكيو” والدمية الخشبية (1940) وزمن “Wish”، إذ حصلت تغييرات اجتماعية هائلة، فالشركة في زمن “Wish” تهيمن على كل المجتمع، والعمل الجاد الذي رفضه “بينيكيو” كشرط لتحوله من جماد إلى مخلوق ناطق (أمنية العنزة فالنتينو)، هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحقيق أحلام الأطفال والعاجزين عن الإنتاج في المجتمع.
شخصية الشرير ما هي إلا شخصية عامة (رجل أعمال) أكثر من كونها سياسية (ملك شرير)
أخيراً، الأطفال الذين عاشوا طفولة حالمة في زمن “بينيكيو” هم رجال أعمال كبار أشداء/ آباء وأجداد في زمن “Wish”، وذلك يعني أن “ديزني” انتقلت من عالم الحكايات الخيالية بالكامل إلى عالم حقيقي بالكامل. ومن خلال “فروزن” (2013) بدأت متلازمة الشر الجديدة في عالم “ديزني”، والتي لا تعتمد على شخصية واحدة شريرة. فعالم الأمنيات هو عالم الأطفال، لكن “Wish” وثق لمرحلة خطرة وهي سطو الكبار على عالم الطفولة من خلال شخصية الدجال “مجنيفيكو”، التي تعني أن أنانية الوالد حديثاً تقود إلى كبت أمنيات الأطفال، فالوالد في زمن الشركة منهمك في تحقيق أمنياته وغير مكترث لأمنيات الآخرين، بمن فيهم أطفاله.