حرية – (8/1/2024)
أثارت فكرة نقل مركبة فضائية أميركية خاصة رماد عدد من الموتى إلى القمر غضب قبيلة “نافاهو” المنتمية إلى الهنود الحمر الأميركيين، التي رأت في هذه الخطوة المربحة مالياً للشركة “تدنيساً” لمكان تصفه بأنه “مقدس” لثقافات قسم من سكان الولايات المتحدة الأصليين.
وكتب بوو نيغرين رئيس أمة “نافاهو”، إحدى أكبر القبائل في الولايات المتحدة، أن القمر “جزء من تراثنا الروحي، وموضع تبجيل واحترام”، كما له “مكانة مقدسة في ثقافات كثر من الأميركيين الأصليين”.
وفي رسالته التي أرسلها نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى وزارة النقل الأميركية ووكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، طلب تأجيل الإقلاع المقرر الشهر المقبل.
وردت وكالة الفضاء الأميركية، التي ترسل بنفسها تجارب علمية على متن هذه المهمة، الخميس، مؤكدة أنها ليست مسؤولة بصورة مباشرة عن المهمة التي يتولاها القطاع الخاص.
وفي حين أن الشركات تؤدي دوراً متعاظماً على القمر، فإن هذا الجدل يوضح المناقشات التي من المؤكد أنها ستتضاعف حول استخدام هذا الجرم السماوي في المستقبل من جانب أصحاب المصالح الخاصة.
20 شحنة
وقد طورت مركبة الهبوط المعنية هنا، والتي تحمل اسم “بيريغرين” (Peregrine)، من الشركة الأميركية “أستروبوتيك” (Astrobotic)، ومن المقرر أن تنطلق الإثنين من فلوريدا على متن صاروخ جديد من مجموعة “يو أل أي” (ULA) الصناعية. ومن المتوقع حدوث الهبوط على القمر في الـ23 من فبراير (شباط).
وعلى متن المركبة نحو 20 شحنة من بينها تلك التابعة لشركتي “سيليستيس” (Celestis) و”إليزيوم سبايس” (Elysium Space)، المتخصصتين في “الرحلات الفضائية التذكارية”.
وأكدت شركة “سيليستيس” لوكالة الصحافة الفرنسية، أنها سترسل “جزءاً رمزياً من الحمض النووي أو بقايا جثث 69 شخصاً محترقة” على متن مركبة الهبوط على القمر.
وتشمل قائمة الأشخاص الذين سينقل رفاتهم بحسب الشركة، مؤلف سلسلة “ستار تريك” جين رودنبيري ومؤلف قصص الخيال العلمي آرثر س. كلارك. وتقول “سيليستيس” إنها تقدم الخدمة بسعر يبدأ من 12995 دولاراً.
وقالت شركة “أستروبوتيك” إن الشحنة لن توضع على سطح القمر، لكنها ستبقى في مركبة الهبوط. وأكدت أنها تمتثل “لجميع القواعد والقوانين المتعلقة بالأنشطة التجارية خارج مدار الأرض”.
وقالت شركة “سيليستيس” في بيان، “لا ينبغي لأي ثقافة أو ديانة أن تمارس حق النقض (الفيتو) على المهام الفضائية”. وبحسب الشركة، فإن هذه المهمة هي “عكس التدنيس تماماً، فهي احتفال”.
ولم ترد شركة “إليزيوم سبيس” على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية.
وعد سابق
غير أن وكالة “ناسا” أكثر إحراجاً. ويعود ذلك لوجود سابقة في الموضوع، ففي عام 1999، تحطم مسبار تابع لوكالة الفضاء عمداً على سطح القمر، وعلى متنه رماد العالم الجيولوجي يوجين شوميكر، في مهمة تقول شركة “سيليستيس” إنها شاركت فيها.
وحتى في ذلك الوقت، أعربت أمة “نافاهو” عن استيائها حيال الموضوع. وأشار بو نيغرين في رسالته إلى أن “وكالة ناسا أصدرت اعتذاراً ووعدت بالتشاور مع القبائل قبل السماح بأية مهمة أخرى لنقل الرفات البشري إلى القمر”. وأضاف أن “ناسا” لا يبدو أنها “حافظت على وعدها”.
وأكد جويل كيرنز، وهو مسؤول كبير في وكالة الفضاء الأميركية، أنه يأخذ مخاوف القبيلة “على محمل الجد”، وأعلن أنه سيتم تنظيم “اجتماع حكومي بيني” مع ممثلي قبيلة “نافاهو”.
ووعد خلال مؤتمر صحافي بأن رداً “سيخضع للدرس والبلورة”، مؤكداً في الوقت نفسه أن وكالة الفضاء الأميركية ليس لها الحق في الإشراف على الشحنات الواردة من المهام الخاصة.
صناعة جديدة
ومع ذلك، فإن حركة الخصخصة هذه تشجعها “ناسا”، التي تسعى إلى تطوير اقتصاد حقيقي مرتبط بالقمر. ومن خلال الاعتماد على الشركات الخاصة، تأمل وكالة الفضاء الأميركية في أن تتمكن من إرسال مزيد من المعدات إلى هناك، مقابل أموال أقل.
ولذلك فقد وقعت عقداً مع شركات عدة، بينها “أستروبوتيك”، لإرسال تجارب وتقنيات إلى القمر، كجزء من برنامج يسمى “سي أل بي أس” (CLPS)، وهذا يوفر من ثم للشركات التمويل الحاسم.
من الممكن أن تصبح “أستروبوتيك” أول شركة خاصة تهبط على سطح القمر في نهاية فبراير، ولكن هناك شركات أخرى كثيرة في طور المنافسة.
وقال جويل كيرنز إن هذه “صناعة جديدة تماماً”، مدركاً أن الشركات يمكن أن تستخدم وسائل النقل الجديدة هذه لأغراض “صناعية”، أو حتى “إعلانية”، ما يولد “مشكلات أو مخاوف مختلفة”. وأضاف “أنا متأكد من أنه بمرور الوقت ستكون هناك تغييرات في الطريقة التي نرى بها الأشياء”. ولفت إلى أن الصناعة “ربما يمكنها بنفسها وضع معايير أو توصيات” حول كيفية العمل.