حرية – (16/1/2024)
تراشقت مصر وإسرائيل الاتهامات بخصوص المسؤولية حول إيصال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر.. هذه التصريحات تدور حول من يملك السيادة على الحدود بين مصر وغزة.. إليك كل ما تريد معرفته عن الحدود بين مصر وغزة .
صرح المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال أن هناك محاولة تسلل من مصر إلى الأراضي المحتلة جنوب معبر العوجة جنوب الحدود بين مصر وغزة، وأعلن المتحدث العسكري المصري أن الجيش أحبط محاولة تهريب للمخدرات، فيما قدر بعض المتابعين أن الاقتحام جاء في سياق ردة فعل على الحرب الإسرائيلية على غزة.
وفي إطار المرحلة الرابعة نشرت صحف أجنبية تسريبات عن رغبة إسرائيلية لتنفيذ عملية في محور فيلادلفيا، المحور الذي يفصل الحدود بين غزة ومصر، وتخضع تلك المنطقة لاتفاقية فيلادلفيا 2005 التي أبرمت بين مصر وإسرائيل حول التنسيق الأمني على الحدود المصرية الغزاوية.
يمتد الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة على طول 12.8 كم، يقسم رفح إلى شطرين مصري وفلسطيني، لهذا الشريط تاريخ طويل على مدار قرن كامل، نقرع أبواب هذا القرن ونقف على محطاته الرئيسية: كيف تشكلت تلك الحدود؟ وكيف كان وضعها في العهد الملكي المصري وفي الإدارة المصرية وأثناء الاحتلال الإسرائيلي؟
مصر والشام.. رسم على الحجر
في إطار الصراع بين محمد علي والدولة العثمانية، ضغطت الدول الأوروبية على محمد علي وأبرمت اتفاقية لندن 1840 وملحقها 1841، التي حددت مناطق نفوذ الولاية المصرية على جزء من جنوب الشام (سوريا كما كانت تسمى) وبعض مناطق الحجاز من العقبة وحتى منطقة الوجه مروراً بالضبا والمويلح، وهي مناطق موجودة الآن في الأردن والسعودية، على أن تكون الحدود بعد وفاة محمد علي من العريش إلى السويس في خط مستقيم يقسم سيناء إلى جزئين، وتتخلى مصر بموجبه عن جنوب سيناء والعقبة وعن امتدادها في الحجاز وجنوب الشام.
بعد وفاة محمد علي أعاد الخديوي توفيق 1887 للدولة العثمانية الوجه والضبا والمويلح، وبعد وفاته وفي فرمان تعيين ولده الخديوي عباس حلمي الثاني نشأ صراع حول اقتطاع شبه جزيرة سيناء من مصر وضمها إلى مصرفيات الشام.
رفضت بريطانيا التي كانت تحتل مصر ذلك لأنها اعتبرته تهديداً لخط قناة السويس، وقد حدث جدل في الصحف المصرية بين من يرى أن الأمر متروك للسلطان العثماني ولا دخل لبريطانيا التي تحتل مصر بهذا الشأن، وهناك من يرى العكس أن الأمر مرتبط بشكل القطر المصري مع بروز النزعة القومية.
تدخل اللورد كرومر ليمنع إعلان الفرمان، بعد إعادة الخديوي عباس العقبة إلى الدولة العثمانية، استجابت الدولة العثمانية وتركت سيناء ليس كحق للولاية المصرية، وإنما لأجل تأمين خط الحج الذي يمر عبر سيناء، وأنها مازالت ملكية عثمانية.
حدود بسبب عسكرة قوات عثمانية في طابا، وتمركزت القوات الإنجليزية في المرشش “أم الرشراش” وجزيرة فرعون، وانتقل الأمر إلى رفح، إذ اعتبرت الدولة العثمانية قد تجاوزت غرب رفح بحسب نعوم بك شقير معتمد الدولة المصرية في أزمة الحدود.
اشتد التوتر حتى كاد يصل لمواجهة عسكرية، وذلك بسبب اعتبار بريطانيا أن ذلك تهديد لأمنها الملاحي في قناة السويس، بالإضافة لتكرار الحادثة لثالث مرة في العام نفسه، إذ بدأت بالسيطرة العثمانية على طابا، وأخرى في نزاع على رأس العقبة عند المرشش – أم الرشراش (إيلات حالياً).
تراجعت الدولة العثمانية بسبب التدخل البريطاني، وعينت لجنة ترسيم الحدود، وبناء 91 عموداً يشير للحدود المصرية بدأ من رأس طابا يوم السبت في 31 ديسمبر/كانون الأول سنة 1906 أعطوه رقم 91، وآخر عمود على تل الخرائب في ميناء رفح في 9 فبراير/شباط سنة 1907 أعطوه رقم 1، وأنفقت مصر وقتها 20 ألف جنيه من أجل ترسيم الحدود، وهو مبلغ كبير جداً وقتها.
الحدود في زمن الهزيمة
من عام 1906 وحتى 1917 استمرت الحركة بين غزة ومصر سلسة بشكل كامل، فلربما لم يحتج الفلسطيني أو الشامي أي تأشيرة للدخول، إذ لم تكن هناك جنسيات، وكانت مصر ضمن الولاية العثمانية حتى 1914، وهو ما عبر عنه الدستور المصري 1923 بأن كل مواطن للدولة العلية كان موجوداً في مصر عند بداية 1914 فهو مصري.
لم تكن مصر ذات أهمية كبيرة لغزة بالنسبة للحركة والتنقل، فقد كان بها ميناء يأتي لها بالبضائع، أما بالنسبة للسفر كالحج والانتقال للتعلم فقد كان الأمر يتم بشكل مباشر من هناك إلى مكة أو إلى حواضر الشام كالقدس ودمشق.
خلال عام 1917 جرت ثلاث معارك في غزة بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا “الحلفاء”، والتي مني فيها الحلفاء بالهزيمة مرتين، وانتهت باحتلال فلسطين، ومن بعدها ستخضع العلاقات بين غزة ومصر ضمن أطر الاحتلال البريطاني، إذ لا تقييد للحركة البشرية، بالإضافة إلى سلاسة الحركة التجارية مع المتعاونين، مع تقييد الحركة لمن انتمى للحركة العربية الثورية في فلسطين، وذلك حتى حرب 1948م، إذ نظر لسيناء كحاجز جغرافي طبيعي.
مع وقف إطلاق النار في اليوم التالي لحرب النكبة عقد اتفاق تهدئة بين مصر ودولة الاحتلال في فبراير/شباط 1949، أسندت بموجبه إدارة قطاع غزة إلى مصر، واعتبرت حدود 1906 هي الحدود بين البلدين، وقد أعطت مصر الإدارة المحلية لحكومة عموم فلسطين بقيادة أمين الحسيني وأحمد حلمي عبد الباقي.
كانت الحركة بين البلدين سلسة نسبياً، إلا أنها كانت تمر عبر بوابة التصاريح الأمنية، إذ قضت السلطات المصرية في عام 1950 فرض قيود على حركة الغزي. استمرت الحركة حتى 1956 إذ احتلت غزة وسيناء وبورسعيد في 9 أيام جراء العدوان الثلاثي على مصر.
بعد الانسحاب الإسرائيلي صارت الحركة البشرية بين غزة ومصر تتم عبر التصاريح الأمنية الأكثر تشدداً، وكان القطار يصل من القاهرة إلى غزة ناقلاً الغزيين إلى القاهرة، وكذا المصريين في حركات عكسية مرات معدودة في العام.
وتدخل البضائع الغزية إلى مصر باعتبار غزة منطقة مفتوحة نسبياً للاستيراد مع سياسات إحلال الواردات في القطر المصري، وكذلك العكس بدخول البضائع المصرية، وكان هناك حجم تبادل تجاري جيد، ومنحت الوثائق المصرية للراغبين في السفر من دون أي اعتراف بالمواطنة للغزيين في مصر.
بعد احتلال سيناء في هزيمة يونيو/حزيران 1967 ضمت إسرائيل غزة وسيناء، وبنت في كليهما العديد من المستوطنات، أنشأت البوابة البرية بين غزة وسيناء وسمتها بوابة شبه جزيرة سيناء. وانقطعت العلاقات التجارية وحركة العبور بين مصر وغزة بالكلية.
أصبحت حركة الغزي تتم عبر الأراضي المحتلة بعد استصدار تصاريح أمنية مسبقة منذ عام 1973 وحتى 1991، وتعرض الغزي للتعنت ورفض السفر لأوهى الأسباب، بما فيها التنقل إلى الضفة والقدس، إلى أن تم تخفيف بعض الإجراءات واستصدار التصريح في المعبر عند السفر منذ عام 1991 حتى 2005.
التمايز بين غزة ومصر
نصت اتفاقية كامب ديفيد في مادتها الثانية على الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الانتداب البريطاني لفلسطين، كانت هناك أزمة إنسانية بخصوص تمدد مجتمع رفح على جانبي الحدود وترابط العلاقات فيما بينهم، سواء في فترة الإدارة المصرية أم في فترة الاحتلال الإسرائيلي، وقد قام الاحتلال بالاتفاق مع مصر لتقسيم مدينة رفح إلى نصفين، على أن يكون الوجود شرقها والذي فيه كثافة سكانية من اللاجئين الفلسطينيين.
في تلك الفترة تم تصفية مخيم “كندا” والذي يقع داخل الأراضي المصرية طبقاً لهذا الاتفاق، ونقل اللاجئين إلى رفح الغزية. كما اتُفق على أن تكون هناك منطقة عازلة بعرض 100 متر بين رفح المصرية والفلسطينية، وهي المعروفة بمحور فيلادلفيا “صلاح الدين” الذي استقطع من الأراضي الفلسطينية. وأصبحت الحدود قائمة منذ 1982م.
مع اتفاق أوسلو اقتضى التنسيق أن يشمل مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة المعبر مع سلطة الاحتلال، حيث كلاهما يديران المعبر من الناحية الإدارية، مع بقاء الهيمنة والسيطرة الأمنية الإسرائيلية، تنفرد إسرائيل بإصدار التصاريح والاستثناءات الأمنية والتضييق والتحقيق وإلقاء القبض على المسافرين الذين تعتبرهم تهديداً لأمنها. كما ظلت حركة التجارة ضعيفة بل منعدمة مع الجانب المصري، والاعتماد شبه الكامل على الحركة التجارية مع إسرائيل من خلال معبر كرم أبو سالم وغيره.
سيطرت إسرائيل على الشق الفلسطيني من المعبر، وتم السماح بعودة حركة الغزيين إلى مصر عبر تلك البوابة التي كانت تهيمن عليها إسرائيل إدارياً وأمنياً، وتخضع المسافر لشرط استخراج التصاريح، والتي لم تمنح لآلاف منهم بحجة أنهم ممنوعون من السفر. وتتراوح الحركة اليومية في الحدود بين مصر وغزة في الاتجاهين بين 1200 و1500 شخص، واستمرت هذه الحركة الدائمة يومياً باستثناء الأعياد والإجازات الرسمية حتى اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.
حتى عام 2000 كانت المنطقة العازلة المتفق عليها مع المصريين لا تتجاوز 30 متراً، وبدأ توسيعها بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، في محاولة أن تصل إلى 400 متر؛ ما اقتضى هدم مئات المنازل في رفح الفلسطينية بلغت أكثر من 400 منزل، وذلك بعد اكتشاف سلسلة من أنفاق التهريب بين رفح المصرية والفلسطينية.
بدأ جيش الاحتلال عملية “قوس قزح” للقضاء على البنية التحتية للمقاومة باستهداف خطوط إمدادها من الأنفاق، ووضعت خطة لتوسعة المنطقة العازلة وبناء جدار فاصل إلا أنه فشل في هدم 3 آلاف منزل بسبب رفض المدعي العام الإسرائيلي، واكتفى ببناء الجدار ومحور فيلادلفيا، والسيطرة الكاملة على معبر رفح بعد طرد ممثلي السلطة الفلسطينية منه.
شهدت الفترة بين 2000 و2005 الفترة الأسوأ من حيث تقييد الحركة البشرية والتجارية عبر معبر رفح بنسبة كبيرة؛ إذ انخفض المرور عبر المعبر إلى 50% عام 2004 مقارنة بعام 1999.
الحدود بين مصر وغزة بعد انسحاب إسرائيل
بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة سبتمبر/أيلول 2005، تحت ضربات المقاومة في الانتفاضة الثانية، وتنفيذاً لاتفاق غزة أريحا والحكم الذاتي سلمت إسرائيل القطاع للسلطة الفلسطينية، وأخلت سلطة المطارات الإسرائيلية وجودها في معبر رفح، وبعدها بأيام أوقفت السلطة الفلسطينية الحركة عبر المعبر حتى إبرام اتفاق بينها وبين الجانب الإسرائيلي حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2005.
وخلال شهرين قامت بإبرام اتفاقية المعابر التي تنظم التنسيق بخصوص الحركة البشرية والبضائع مع السلطة الفلسطينية، وقد شمل الاتفاق معبر رفح وتشغيله على أن يكون معبراً للصادرات فقط من دون ذكر لتحويله إلى معبر بري تجاري، وتحويل الحركة التجارية مع مصر نحو معبر العوجة إلى إسرائيل، ثم منها إلى معبر كرم أبو سالم، بما يشمل ذلك التحكم الكامل في كل ما يدخل القطاع بشكل رسمي.
قبل انسحاب جيش الاحتلال من غزة بلغ عدد مرور الشاحنات من مصر إلى غزة 8 آلاف شاحنة سنوياً. شمل الاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وجود مراقبين أوروبيين. لم تشارك مصر في هذا الاتفاق من طرفها، لكنها اعترفت به ضمنياً؛ إذ تتعنت في فتح المعبر عام 2007 بسبب غياب الموظفين الأوروبيين وغياب السلطة، وهو ما اتفق عليه فيما عرف باتفاقية المعابر 2005.
انتقلت إدارة المعبر إلى هيئة المعابر والحدود التابعة لوزارة الداخلية والأمن الوطني الفلسطيني تحت رقابة الاتحاد الأوروبي. عارضت حماس الاتفاق، افتتح معبر رفح في الاتجاهين بين مصر وغزة وبشكل جزئي من 5 ساعات يومياً في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، أغلق بعدها بثلاثة أسابيع بحجة عدم استكمال أفراد بعثة المساعدة الحدودية للاتحاد الأوروبي.
في الأثناء وقّعت مصر اتفاقية فيلادلفيا 2005 كملحق أمني لكامب ديفيد، بموجب الاتفاقية تزيد مصر من وجودها الشرطي على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة إلى 750 عنصر أمن للقيام بأدوار تأمين وتمشيط الحدود، ونشر أسلحة محددة منها طائرات لمراقبة الحدود… إلخ.
في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2005 زاد عدد ساعات العمل إلى 8 ساعات يومياً، واستمر العمل على هذه الوتيرة إلى مستهل عام 2006، حيث وافقت إسرائيل على تشغيل المعبر لمدة 10 ساعات يومياً. وفي 25 يونيو/حزيران 2006 صعّدت إسرائيل حصارها على غزة بصورة غير مسبوقة عقب وقوع الجندي جلعاد شاليط في أسر 3 مجموعات فلسطينية مسلحة في معبر كرم أبو سالم.
ذلك مع تخوفات إسرائيل من أن انسحابها قد يهدد عمقها بالتفاف المقاومة عبر مصر من الأنفاق التي كانت تتزايد منذ نهاية التسعينيات. وكذلك تأمين السلاح والعتاد عبر مصر خصوصاً بالتعاون مع القبائل السيناوية في جزيرة سيناء، اعتبر بعض المحللين أن الاتفاق الأمني يساهم في إطباق الحصار والتمشيط لمنع تهريب البضائع والأسلحة إلى قطاع غزة.
لا حدود فاصلة تحت الأرض
بعد الانقسام الفلسطيني في يونيو/حزيران 2007، وانسحاب ممثلي السلطة الفلسطينية من معبر رفح، والمراقبين الأوروبيين، وهي الذريعة التي دفعت مصر لإغلاق المعبر باعتبار أن حماس ممثل غير شرعي.
خلال تلك الفترة من يونيو/حزيران 2007 وحتى نهاية 2008 لم يعبر من مصر بضائع عبر معبر العوجة وكرم أبو سالم سوى 3% من احتياجات قطاع غزة. ومنذ بداية 2007 وحتى 9 يناير/كانون الثاني 2008 أغلقت سلطات الاحتلال المعبر لمدة 308 أيام.
تقتصر السلع التي تتيح إسرائيل إدخالها إلى غزة على الأساسيات، حيث تتم “غربلة” كل المواد التي تدخل إلى القطاع، وقد تمثلت الأساسيات في الوقود بكميات أقل من احتياج القطاع، والطعام الأساسي، وطعام الحيوانات والأدوية، والعناية الصحية والتنظيف.
استخدمت المعابر كسلاح ضد حماس لإخضاعها، حيث تغلقها كلياً أو جزئياً، لذا توسع الغزيون في بناء الأنفاق للتهريب بين رفح الفلسطينية والمصرية حتى بلغت عشية ثورة يناير/كانون الثاني 2011 ما لا يقل عن 1200 نفق، بحسب بعض التقديرات.
قدرت هآرتس المكاسب التي تحققها حماس من التهريب بـ20 مليون دولار شهرياً، كما مررت كثيراً من السلع الممنوعة كالأجهزة والوقود، فضلاً عن أموال التبرعات والأسلحة. ضغطت الولايات المتحدة على مصر حتى تدمر الأنفاق وتجد حلاً لمنع التهريب.
بلغ الضغط على مصر حد منع 100 مليون دولار من المعونة الأمريكية لمصر في عام 2008، لكنها ألغت العقوبة ثم قررت الولايات المتحدة تخصيص 23 مليون دولار من أموال المساعدات الأمريكية لمحاربة تهريب السلاح إلى غزة واستخدام الأنفاق عبر مصر، وأرسلت العديد من الطواقم الهندسية لإيجاد حلول للأنفاق، وتدعيم الجدار العازل بين مصر وغزة.
ونجحت في صيف 2008 في تدمير بعض الأنفاق، واندلعت مواجهات بين الشرطة المصرية ومشغلي الأنفاق من الجانب المصري، راح ضحيتها 60 شخصاً بين قتيل وجريح. وطالبت مصر برفع عدد قوات حرس الحدود خفيفة التسليح لأكثر من 750 فرداً في تلك المنطقة، إلا أن إسرائيل رفضت وقتها.
اقتحام الحدود.. كسر جدار السجن
احتجاجاً على سياسة الحصار المشدد التي فرضتها إسرائيل ومصر عقب فوز حماس في الانتخابات وأسر جلعاد شاليط، اقتحم الغزيون الحدود المصرية بعد تدمير الجدار المعدني، ودخل العديد منهم إلى العريش، إلا أن حرب يوليو/حزيران 2006 غطت على الحدث، ولم تواجه قوات حرس الحدود المصرية المقتحمين بأي عنف.
تكرر الأمر ثانية وبصورة أكبر في يناير/كانون الثاني 2008 عندما قامت قوة من المقاومة الفلسطينية بتفجير وهدم الجدار العازل بين قطاع غزة ومصر، بعدها تدفق عشرات الآلاف من الغزيين إلى مصر وقاموا بشراء السلع واحتياجاتهم من رفح.
في موقفها الرسمي الذي جاء على لسان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، فقد أمر القوات بعدم إطلاق النار عليهم، وأن يترك الناس حتى يتم إعادتهم طوعاً إلى غزة بعد تبضعهم، ومثلت هذه الحركة تخوفات عند النظام المصري فيما بعد من احتمالية خرق أخرى، وهو نفس السبب الذي جعل القوات المصرية تدفع بآليات وجنود بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كما رصدت منظمة سيناء لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تدعيم السور بجدار أسمنتي على منفذ المعبر.
الحدود بين غزة ومصر في الثورة
قبيل الثورة قامت مصر بالتساهل نسبياً في موقفها وفتح المعبر بشكل جزئي أسبوعياً أمام الحركة البشرية بعد أحداث السفينة التركية “مافي مرمرة” لكسر الحصار عن غزة مايو/أيار 2010، كما اعتمدت خطة أمريكية لبناء جدار عازل وتدمير الأنفاق بين قطاع غزة ومصر.
ظل المعبر على حالة التقييد التي سبقت ثورة يناير وخصوصاً مع اتهامات لحماس باختراق الحدود المصرية والمشاركة في فتح السجون، حتى 28 مايو/أيار 2011 عندما اتخذ المجلس العسكري قراراً بفتح المعبر 5 أيام أسبوعياً ولمدة 6 ساعات يومياً، وهو القرار الذي سيستمر حتى الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013.
تزامن ذلك مع مماحكات بين محمد حسين طنطاوي القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس العسكري وبين دولة الاحتلال. انعكست الثورة بصورة مباشرة على غزة بوفرة في القطاعات السلعية والتسليحية، كما أرجئت مشاريع بناء الجدار العازل وإغراق الأنفاق التي وافقت عليها مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
بعد ثورة يناير تشير بعض التقديرات أن تلك الفترة شهدت غض الطرف من قبل مصر في فترتي المجلس العسكري والرئيس الراحل محمد مرسي عن تدفقات السلاح القادم من ليبيا والسودان، وزيارات الخبراء الذين ساهموا في تطوير ترسانة حماس كالزواري وغيره.
العملية العسكرية في سيناء
بعد الانقلاب العسكري في مصر 2013 شرعت الحكومة المصرية الجديدة في إغلاق الأنفاق وهدمها، إذ أحيت مشروع الجدار العازل، وإنشاء منطقة عازلة بتهجير أهالي رفح المصرية والشيخ زويد الذين شاركوا في التهريب، وقد تجاوزت المنطقة العازلة أكثر من 1.5 كم عرضاً، وبناء الجدار الذي اقترحته الولايات المتحدة وإسرائيل.
أُغرقت ودُمرت أغلب الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، وشارك في ذلك سلاح المهندسين بالجيش المصري أثناء عملية “حق الشهيد”؛ إذ كان يتولى قيادتها أسامة عسكر رئيس الأركان المصري الحالي، وقلصت الأعداد الكبيرة لشريان الحياة الذي كان يمر إلى القطاع عبر الأنفاق.
انقطعت التدفقات المصرية من البضائع والسولار وغيره من مستلزمات، إذ قيد العبور الرسمي بشكل كبير وأغلق المعبر لأيام طويلة. تغير الموقف بعد فترة وجيزة من حرب 2014 عندما قررت مصر الانخراط في التعاون مع حماس من أجل استمرار وساطتها بين حماس ودولة الاحتلال.
رعت مصر المفاوضات بين حماس والسلطة الفلسطينية، وتوصلت لاتفاق بينهما في عام 2017، وبناءً عليه تم تسليم المعبر للسلطة الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، وأدت المفاوضات لفتح بوابة صلاح الدين بين غزة ومصر في شباط/فبراير 2018، وهي بوابة مخصصة للمرور التجاري، وقامت مصر دون أي دعاية فعلية بفتح المعبر أمام الحركة التجارية.
بدأت التدفقات التجارية بالمرور بين القطاع ومصر بشكل مباشر عبر بوابة صلاح الدين، إذ مرت ترتيبات الحركة التجارية عبر شركة في غزة يملكها رجال أعمال مقربون من المخابرات المصرية، وشركة هلا في مصر التي يديرها إبراهيم العرجاني.
شهدت الحركة التجارية مع مصر عبر “بوابة صلاح الدين” تطوراً ملحوظاً، وارتفعت نسبة إجمالي واردات غزة عبر البوابة من 13% في عام 2018 إلى 37% عام 2022، وتشكل حركة المرور خلاله 42.5% من الحركة التجارية في القطاع، ويدخل عن طريقه نحو ألف شاحنة شهرياً إلى غزة، أي ما يقرب من 12 ألفاً سنوياً.
تشمل حركة الاستيراد المواد الغذائية ومواد البناء والمواد الخام والوقود والأسمنت، وصار للبوابة دور مهم في تأمين مخزون استراتيجي من الطحين والأرز والبقوليات والزيوت، أسهمت في حماية الجبهة الداخلية وقت الأزمات والحروب. وأصبح يُفتح المعبر ما بين عشرة وخمسة عشر يوماً في الشهر، ويتم خلالها إدخال شاحنات الوقود والبضائع من الجانب المصري للقطاع دون المرور بالإجراءات الجمركية للسلطة الفلسطينية.
حماس لأول مرة ممثلاً شرعياً في معبر رفح
كُللت المفاوضات بين المكتب السياسي لحماس مع مصر بالنجاح في فتح معبر رفح والمصالحة 2017، إلا أن عودة التوترات بين السلطة وحماس في الضفة، وتخوفات فتح من نتائج غير جيدة في الانتخابات الداخلية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، انهارت اتفاقية المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية في 2019.
ازداد التراشق بين الطرفين وعادت الاعتقالات الموجهة ضد حماس في الضفة، وقامت السلطة بسحب ممثليها من معبر رفح، وقد عنى ذلك تضييق الخناق على غزة وممارسة الضغوط عليها، لأن مصر لا تتساهل في فتح المعبر مع حماس وإنما السلطة، في محاولة للالتزام بالاتفاقيات التي كانت شاهدة عليها كاتفاق أوسلو، واتفاقيات المعابر.
مرّ المعبر بفترة حرجة نسبياً طوال عامي 2019-2020، إلا أن التنسيق مع المخابرات عبر شركة هلا حافظ على حد أدنى من التنسيق مع حماس على تشغيل المعبر في الاتجاهين تجارياً وفي الحركة البشرية.
وانتهى التضييق باتفاق بين حماس ومصر في فبراير/شباط 2021 على فتح المعبر بصورة دائمة لخمسة أيام أسبوعياً، وأول مرة من نوعها تكون حماس الطرف الآخر في اتفاق تنظيم الحدود بشكل رسمي، وممثلاً شرعياً يمكن التعامل معه في تنظيم العبور والحركة، لكنه لم يكن اتفاقاً موثقاً بمعاهدات لاعتبارات أن حماس ليست الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
الحدود في وقت طوفان الأقصى
بعد عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وشن جيش الاحتلال حرباً على غزة، سارعت مصر بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع القطاع، كما قامت بتعزيز الجدار الخرساني على طول الحدود، بما فيها الجزء الساحلي بين البلدين.
أرسلت مصر المساعدات في الأسبوع الأول، لكنها لم تدخل بسبب التهديدات الإسرائيلية التي كانت بشكل صريح ومباشر، لم تتوقف التهديدات هنا، بل استهدف معبر رفح من الجانب الفلسطيني مرتين وبالقرب من الجانب المصري مرة.
وتكررت الاعتداءات الإسرائيلية بقصف طال 9 جنود مصريين على الحدود في محور فيلادلفيا، وعلى مدار أيام لم تدخل شاحنات مساعدات أو تجارية إلى القطاع، مع قرار إسرائيل فرض حصار على الوقود والماء والغذاء لأكثر من 2.3 مليون شخص.
اقرأ أيضاً: بعضها لعبور الأفراد وأخرى للسلع.. “معابر قطاع غزة” شرايين الحياة بين الإغلاق والفتح
تحت ضغوط دولية استطاعت مصر إدخال القليل من شاحنات المساعدات بشكل يومي تراوح بين 17 – 23 شاحنة، حتى أبرم اتفاق الهدنة المؤقت في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ومن بعدها تدفق عدد أكبر بصورة يومية بلغ 80 شاحنة تقريباً، بعد تفتيشها من قبل القوات الإسرائيلية.
بعد التضييق ومع الهدنة سمحت مصر لبعض الجاليات الأجنبية وحملة الجنسيات الأخرى بالخروج من غزة، بناءً على تنسيق مع إسرائيل والدول التي يحمل المواطنون جنسيتها، وفي أضيق الحدود استقبلت المصابين من الحرب سواء قدمت لهم الرعاية الصحية أم نقلتهم إلى تركيا وقطر.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023 قال نتنياهو إنه سيجري عملية عسكرية في محور فيلادلفيا، وهو منطقة عازلة ضمن الأراضي الفلسطينية، لكن لا يحق لإسرائيل دخولها إلا بالتنسيق مع مصر، وذلك طبقاً لاتفاق الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد.
رفضت مصر المشاركة في أي عملية في محور فيلادلفيا، مع حصولها على نفي من الجانب الإسرائيلي، إلا أن الأمر تكرر في يناير/كانون الثاني 2024، وذلك بعد تسريبات تحدثت عن بدء عملية إسرائيلية في المحور لمنع التهريب بحسب إسرائيل.
تتهم مصر إسرائيل بإغلاق معبر رفح مع أنها لا تملك أي صلاحية رسمية عليه، كما تدعي أن المعبر من جهتها مفتوح، في الوقت الذي اتهمت فيه إسرائيل مصر في محكمة العدل الدولية أنها المسؤولة عن إغلاق المعبر أمام المساعدات، وأن مصر لم تحُل دون دخول المساعدات. في المقابل يدفع الغزي مبالغ لا تقل عن 5 آلاف دولار لمنسقين مصريين من أجل السماح له بالخروج من غزة.