حرية – (16/1/2024)
صور استقبال ولي العهد السعودي للوفود الرسمية داخل الخيمة لاقت رواجاً وأثارت تفاعلاً على منصات التواصل .
لم تكتفِ مدينة العلا بتفاصيلها الثرية بأن تكون منجماً للتاريخ ومتحفاً مفتوحاً تحت سماء تتلألأ بالنجوم يقصده الزوار من جميع أنحاء العالم، وموقعاً عالمياً ينافس عواصم الدول عبر استضافتها عديد المسابقات والمناسبات الرياضية والفنية، بل وأصبحت موطناً لاستقبال وفود رسمية وسياسيين وبرلمانيين، وذلك في رحاب المخيم الشتوي الخاص بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الواقع على مشارف المدينة التي تضم مواقع مدرجة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الـ”يونيسكو”.
محاطين بنقوش السدو
تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، صوراً من لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محاطين بنقوش السدو داخل بيت الشعر (خيمة تصنع من شعر الماعز وصوف الضأن) في المخيم الشتوي بالعلا.
لم تكن صور بلينكن هي الأولى من نوعها، إذ تم تداول استقبال الأمير محمد بن سلمان أيضاً مجموعة من المشرعين الأميركيين، وبينت الصور الضيوف وهم متكئين على أرض محاطين بمعالم الجلسة الأرضية العربية بأوتادها ونسيجها الملون والمزخرف بالنقوش التراثية، فأثارت تفاعلاً كبيراً بين السعوديين بسبب الفخر بالتراث والأصالة والإرث العتيق لهذا البلد الذي كان ملتقى الحضارات القديمة.
ونشرت وزارة الخارجية السعودية، الأسبوع الماضي، صوراً لولي العهد عبر منصة “إكس” وهو يستقبل ساسة أميركيين موضحة في منشورها أن الأمير محمد “استقبل السيناتور الجمهوري بالكونغرس ليندسي غراهام، ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ السيناتور مارك وارنر، وأعضاء اللجنة: أنغس كنغ وجون كورنين وكريستين غليبراند وجون أوسوف ومارك كيلي”.
وأثارت لقطات نواب الكونغرس التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أبدى البعض إعجابه بأسلوب الاستقبال النابع من العادات والتقاليد.
علق محمد الزير على منصة “إكس” قائلاً “هذه الصورة، وعقد اجتماعات مع ساسة العالم واتخاذ القرارات من خيمة في مدينة العلا إنما تدل على الاعتزاز بالهوية وتقدير الإرث والتاريخ، ومهما تطورنا وأصبحنا من (G20) فنحن فخورون جداً بماضينا”.
فيما تناقل البعض كلمات ولي العهد السعودي حول أهمية الافتخار بالهوية والثقافة السعودية، التي جعلها ضمن مستهدفات الرؤية 2030 بعنوان “نعتز بهويتنا الوطنية”. والتي قال فيها “نفخر بإرثنا الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي، وندرك أهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة، إن أرضنا عُرفت على مر التاريخ بحضاراتها العريقة وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، مما أكسبها تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً”.
عمق الصحراء
لطالما لاقت صور الأمير محمد بن سلمان رواجاً كبيراً بين السعوديين، ويجد بعضهم تحليلاً واستنتاجاً عميقاً خلف كل لقطة، وكانت إحداها صورة لولي العهد خلال جلسة الحوار الاستراتيجي الذي عقد افتراضياً ضمن فعاليات منتدى الاقتصاد العالمي “دافوس” عام 2021، التي حضرها الأمير محمد من مخيمه الشتوي محاطاً بجبال العلا الشامخة.
تنوعت آراء رواد وسائل التواصل الاجتماعي حول الصور، حيث رأى غالبيتهم أنها دلالة إلى بناء مستقبل طموح وناجح بالتوازي مع حفظ التراث والافتخار بالماضي، إذ أكدوا أن الخيمة الشعبية والخلفية الطبيعية كانتا اعتزازاً وتأكيداً على أهمية التمسك بأصالة التراث والهوية السعودية.
وفي عام 2020، تفاعل مغردون مع الصور المتداولة للمحادثات الرسمية في خيمة العلا بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء السابق الياباني شينزو آبي الذي ارتدى العباءة الشتوية السعودية (الفروة)، وهما يتبادلان الأحاديث الودية وبابتسامات تجسد الصداقة بين القائدين.
ولقي اللقاء السعودي الياباني رواجاً كبيراً آنذاك، بسبب ظهور قيادات الجانب الياباني والسعودي في مشهد عفوي وبسيط، بعيداً من البروتوكولات الرسمية.
الثقافة في أدق التفاصيل
في حديثه مع “اندبندنت عربية” أشار المتخصص في الدبلوماسية السعودية فيصل الحويل إلى حرص ولي العهد على إبراز الثقافة السعودية قائلاً “بالتوازي مع ظهور ولي العهد في مناسبات عدة مرتدياً الزي السعودي الرسمي سواء في اللقاءات المحلية أو الخارجية، فإن اهتمام الأمير محمد واضح حتى في مواقع الاستقبال الرسمي التي تعكس الاعتزاز بالثقافة والهوية السعودية، فقد استقبل الرئيس الصيني في قصر العوجا، ووفداً أميركياً في المخيم الشتوي في العلا، وكذلك قمة مع دول الكاريكوم في الدرعية”.
وأضاف الحويل “اللقاءات الأخيرة في المخيم الشتوي، جعلت العلا تحضر وتضع نفسها حالياً على خريطة وجهات العالم سياسياً على المستوى الثنائي والمتعدد، وكذلك سياحياً على المستوى الرسمي والشعبي”، متابعاً” نستطيع القول إن العلا أصبحت من رموز الدبلوماسية السعودية وزخمها يتوسع مع الوقت والتطور التي تشهده المدينة والزخم الإعلامي العالمي بسبب المناسبات الرياضية والفنية واللقاءات السياسية”.
وشهدت المدينة التاريخية في يناير (كانون الثاني) 2021 قمة العلا التي شهدت المصالحة التي أنهت الخلاف في البيت الخليجي، ومثل أي اتفاق أو معاهدة سياسية، تم تسمية تلك القمة باسم المدينة التي احتضنتها، كما عرفت معاهدات مهمة بمواقع إقامتها مثل معاهدة فرساي 1918، واتفاق كامب ديفيد 1979، واتفاق الطائف 1989.
وعلى رغم اكتساح ساحات قصور مكة وجدة والرياض باللقاءات والاتفاقات، فإن المخيم الشتوي الخاص بولي العهد السعودي أخذ مكانته، بحضور وفود وبرلمانيين من أنحاء العالم على مدار السنوات الثلاث الأخيرة في موسم الشتاء، التي من المتوقع أن تزداد ليصبح منافساً للمدن الكبرى، بعيداً من العاصمة وبروتوكولات الاستقبالات الرسمية.
وأكد الحويل أن “السعودية بحراك دبلوماسيتها العامة جعلت العلا تعود إلى عصرها الذهبي لأنها كانت عاصمة الممالك القديمة وملتقى الحضارات والشعوب والثقافات، وكانت جسراً حضارياً بين الشرق والغرب، إلا أن الدبلوماسية أعادت للعلا عراقتها. أضافتها إلى قائمة المدن التي تمثل نوافذ سياسية حديثة”.
إرث الأجداد
وتعد بيت الشعر أو الخيمة العربية، إحدى أبرز مفردات الحياة البدوية القديمة في شبه الجزيرة العربية، بسبب حياة الترحال وظروف الحياة الصعبة في الصحراء التي فرضت على المجتمع التنقل بين الحين والآخر في شبه الجزيرة العربية، إذ اضطر البدو للتنازل عن السكن الثابت والعيش داخل الخيام، فكانت بيوت الشعر هي الطريقة المثلى للعيش فيها، ومن ثم حملها للانتقال إلى منطقة أخرى.
ومع تطور المجتمع ظل إرث الأجداد متأصلاً، وحافظت الخيام بأنواعها على مكانتها، فهي حتى الآن، مع فرق الشكل والإمكانات والإعدادات أصبحت حاضنة المجالس ورفيقة جلسات السمر في البر والمخيمات خصوصاً في موسم الشتاء.
وحول زخرفة السدو الملونة، نجحت السعودية في عام 2020 في تسجيل عنصر “حياكة السدو” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الـ”يونيسكو” في ملف مشترك مع جارتها الكويت.
ويعرف السدو أنه أحد أنواع النسيج المطرز التقليدي الذي ينتشر في شبه الجزيرة العربية، ويستعمل لحياكة الخيمة المعروفة ببيت الشعر التي تحمي من حرارة الشمس وبرد الصحراء في الليل.